استضاف بيت الشعر في مركز زايد للبحوث والدراسات أمس الأول في مقره بمارينا البطين بأبوظبي الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين في أمسية شعرية، قدّم فيها تجربته الإبداعية شعراً، وقرأ منتخبات من دواوينه ومن مراحل تحولاته الشعرية، وحضر الأمسية عددا من الأدباء والشعراء والصحفيين. وفي تقديمه للشاعر محمد علي شمس الدين، قال الشاعر حبيب الصايغ رئيس الهيئة الإدارية لبيت الشعر “في بيت الشعر في أبوظبي، اليوم، شاعر مهم، أهمية الشعراء تأتي من كتاباتهم ونصوصهم، ومن تاريخهم ومراكمة تجربتهم، ومن سيرتهم العلمية والعملية، ومن أساليبهم في الأخوة والصداقة والحياة، ومن ذلك كله، كما يتيح الاستثناء والندرة، لا العادة والروتين، تأتي أهمية ضيف بيت الشعر في أبوظبي، وضيف أبوظبي، هذه الليلة الشاعر القدير محمد علي شمس الدين”. وأضاف الصايغ “واحد من الكبار الذين يحضرون في الذاكرة كل يوم، ويشكلون بعض الإرث الإبداعي والحضاري العربي الحديث والمعاصر بدءاً من شعر المقاومة، وصولاً إلى الشعر الخالص، المتفرد، الذي ينزع نحو الهمس نزوعاً، حيث القصيدة عنوان بليغ لانصهار كلام صاحبها في تفاصيل الحياة غير المرئية، الغامضة والواضحة، الأليفة والمشاغبة في آن. هذا الشاعر الاستثنائي، يعبر كيفما كتب، عن شباب الشعر إذ يتفجر أبداً، مطوقاً المكان إلى منتصف العناق، والزمان إلى مساء السنين”. ثم استهل الشاعر محمد علي شمس الدين الأمسية وقرأ مقاطع من قصيدة بعنوان “دموع الحلاج”، حيث نوَّه قبل ذلك أنه سيقرأ منتخبات من دواوينه الشعرية، من أول ديوان له “ قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا”، حتى ديوانه الأخير “ينام على الشجر الأخضر الطير”. وفي قصيدته “دموع الحلاج” بدأ الإيقاع عالياً والاتكاء إلى الموروث واضحاً، مع الاستفادة من تجربة الحلاج ورؤاه: يا نسيم الريح خبر للرشا لم يزدني الورد الا عطشا وهي فاتحة القصيدة التي يبدو أنها قد قسمت إلى عدد من المفاصل التي تروي عذابات الحلاج في رحلته الفلسفية والحلولية: أعليتُ دموعي كي تبصرها يا الله وقلت أعيد لك الأمطار فلتنشر غيمك حيث تشاء فإن الغوث يعود إليك والحزن يعود إليّ وفي قصيدة محمد علي شمس الدين استخدام واضح للمصطلح واللعب اللغوي الصوفي والحوار وتقابل ثنائيات الأنا والآخر عبر الضمائر، وما كان استخدام شمس الدين للنوع الكلاسيكي في بناء هذه القصيدة إلا اقتراباً من بنية القصيدة الصوفية. أعقب قصيدة “دموع الحلاج” قراءات متنوعة، متعددة الأغراض، حيث انتقل محمد علي شمس الدين من الحب، والجدل، والحكمة، والوصف، حتى أنماط سردية خالصة، فقرأ قصائده عديدة ، وهي “كلمات في الحكمة” و”البرتقالة” و”القبلة” و”وجه ليلى” و”وجه لأمي” و”غزل” و”كسر الموج” و”قصيدتان للعصفور” و”حديقة مريم” وأخيراً اختتم قراءاته بقصيدته “رأسي يدور”. ويبدو أن قصيدتيه للعصفور وهما أولاً قصيدة “كيف ترسم عصفوراً” وهو عنوان لقصيدة الشاعر الفرنسي جاك بريفير “1900 - 1977” والذي أجاب عنه في قصيدة عذبة جميلة قدم فيها خطوات رسم العصفور بطريقة رائعة وقصيدته الثانية “كيف اصطاد عصفوراً”، قد حفزت قصيدة بريفير مخيلة الشاعر شمس الدين كي يخلق بعدا تناصيا بين قصيدته وقصيدة بريفير ضمن استخدام سردي واضح في القصيدتين معا، مع انحراف قصيدة شمس الدين في خاتمتها باتجاه بعد آخر، ومن “كيف ترسم عصفوراً” نقرأ: كي ترسم عصفوراً خذ قفصاً مفتوح البابْ واجعله على الورقة ثم ارسم شيئاً ما ظلاً أو وردة حقل نافعةً للعصفور وضع اللوحة فوق الشجرة في روض أو في غابه وتربّص خلف الشجرة مختبئاً دون كلام أو حركة ويظل السرد قائماً على درجات متعددة من الغموض الحكائي الذي حاول محمد علي شمس الدين أن يجعل المتلقي فيه ممسرحاً داخل القصيدة ما دام الخطاب موجهاً إليه “كي ترسم عصفوراً.. خذ واجعل، ثم ارسم”، وتتوالى الأفعال السردية حاملة معها الحكاية التي ظلت هي شاغل المتلقي، في الوقت الذي ظل الشعر بعيداً حتى خاتمة النص الشعري، حيث يقول بعد قتل العصفور: لم يقدر أحدُ أن يأخذ صوت العصفور. هذا مجمل قصيدة سردية، حيث تجربة مهمة قدمها محمد علي شمس الدين، وهو بهذه الأمسية قدم تجارب متعددة كلاسيكية، حرّه، سردية، في قصائد بعضها جديد وغير منشور، وآخر طويل وثمة قصائد أخرى قصيرة.