عادة تركز شركات النفط العالمية على التعامل في البراميل، ولكن يبدو أن الشركة الصينية العملاقة "سينوبيك" المتخصصة في مجال الطاقة خرقت هذه العادة وشذت عن القاعدة عندما ركز أحد مسؤوليها على قنينات النبيذ الفرنسي الفاخر، وتحديداً يتعلق الأمر بـ 1176 من القنينات غالية الثمن،. ولذا فقد أثار الكحول الذي دفعت من أجله الشركة 245 ألف دولار أزمة علاقات عامة كبيرة بالنسبة للشركة التي تعتبر الأكبر دخلاً في الصين. ولكن يقال أيضاً إن الفضيحة تطال كذلك أطرافاً ذات صلة بالشركة وتتولى تعيين إدارتها العليا، وهو ما ساهم في تكريس الاعتقاد المنتشر لدى بعض الصينيين بأن شركاتهم الكبرى التابعة للدولة يتم أحياناً تسخيرها لخدمة المصالح الخاصة لفئة قليلة بما في ذلك أنماط حياتهم الباذخة. وفي وقت يتصاعد فيه انتقاد بعض الصينيين بسبب ارتفاع أسعار الغاز صبت المواقع الإلكترونية الصينية، وحتى بعض المسؤولين الرسميين في الحكومة، في وسائل الإعلام جام غضبهم على الطريقة التي تتعامل بها "سينوبيك" مع أموال الدولة، وسخروا من محاولات الشركة التنصل من مسؤوليتها وتحميلها لأحد المديرين الفاسدين. وهذا الاستياء عبر عنه معلق صيني بأحد المواقع الإلكترونية متسائلاً "هل سينوبيك شركة نفط أم شركة لتجارة النبيذ؟ نحن أمام جريمة اختلاس للمال العام، ولذا فإن على الأمن أن يقوم بدوره". ومع أنها ليست المرة الأولى التي يشعر فيها الرأي العام في الصين بالغضب من شركات نفط كبرى، إلا أن الأمر يختلف مع "سينوبيك" المدرجة ليس فقط في أسواق الأسهم الآسيوية مثل هونج كونج، بل أيضاً في بورصات دولية بنيويورك ولندن، كما أنها ليست فرعاً لإحدى الشركات العالمية، بل هي شركة صينية تملك فيها الدولة 75 في المئة من الأسهم، وهي لذلك تقف في القلب من النموذج الاقتصادي الصيني الذي حقق خلال السنوات الأخيرة إنجازات اقتصادية كبيرة. وعندما أعلنت الشركة عن تغيير في إدارتها العليا لم يصرح بذلك مجلس الإدارة بل الحزب الشيوعي نفسه من خلال لجنته التنظيمية، وقد عُين على رأس الشركة "فو شينجو" المهندس الذي درس بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، فيما نُقل سلفه "سو شولين" لتولي منصب ممثل الحزب الشيوعي في محافظة "فوجيان". هذا وتضمن شركة "سينوبيك" بعلاقاتها المتشعبة وثروتها الهائلة السيطرة التجارية على السوق وعدم المنافسة، فضلاً عن ولوجها السهل للقروض الحكومية، ولكن هذه العلاقات تجعلها أيضاً محط انتقادات الرأي العام الصيني. كما أن علاقات الشركة مع الطبقة السياسية في الصين تدفعها أحياناً إلى الاستجابة لمطالب معينة، لاسيما فيما يتعلق بتحديد أسعار الغاز، إذ في الوقت الذي تعتمد فيه الشركة على استيراد النفط لتغذية مصافيها العديدة وهي أسعار خاضعة للسوق العالمي، إلا أنها لا تستطيع تمرير هذا الارتفاع إلى المستهلك مخافة التداعيات السلبية لذلك، ولتفادي الغضب الشعبي. ويزعم البعض أن الشركة لجأت خلال شهر فبراير الماضي إلى إنشاء مدونات على الإنترنت لخلق أجواء إيجابية حول الزيادات في أسعار الغاز والوقود. يذكر أن فضيحة شراء قنينات غالية من النبيذ الفاخر، التي ورطت فيها "سينوبيك" كُشفت لأول مرة في أبريل الماضي بعد فترة قصيرة على إحداث التغيير في قمة الإدارة، حيث طفت إلى السطح مجموعة من الفواتير التي توضح عمليات شراء كثيفة للنبيذ، لاسيما فرع الشركة في محافظة "جواندونج"، إذ تبين أن الفرع اقتنى المئات من قنينات النبيذ يبلغ سعر البعض منها 2100 دولار للقنينة الواحدة. والمشكلة أنه مباشرة بعد شراء النبيذ ارتفع سعر الغاز في الصين ليصل إلى 5 دولارات للجالون الواحد، وهو أعلى مستوى تصل إليه الأسعار في تاريخ البلاد، الأمر الذي دفع الشخص المجهول الذي كشف عن الفواتير ونشرها على الإنترنت إلى التساؤل بمرارة "كيف لا يرتفع سعر الغاز فيما الشركة تصرف بسخاء وبذخ على النبيذ"؟! ومع أن فرع الشركة في "جواندونج" أكد صحة الفواتير المنشورة، إلا أنه في البداية سعى إلى التقليل من أهميتها معتبراً المشتريات جزءاً عاديّاً من العمليات التي تقوم بها الشركة. ولكن مع تنامي الغضب الشعبي تدخل المقر الرئيس للشركة في بكين الذي سعى إلى امتصاص الغضب والتقليل من الأضرار، حيث عقدت الشركة اجتماعاً لمجلس الإدارة للتأكيد على أهمية التقشف في صرف الأموال، غير أن بعض المعلقين على الإنترنت سخروا من تأكيدات الشركة ووضعوا صوراً تُظهر الوجبات المتقشفة التي يحصل عليها العمال البسطاء في مطعم الشركة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتورط فيها أطراف في شركة النفط الأولى بالصين في فضائح فساد إذ سبق لأحد مديريها وهو "شين تونجاي" أن تسلم رشاوي فاقت 28 مليون دولار، وعندما ثبتت التهمة على المدير السابق إثر شهادة صديقته التي أكدت تلقيه للرشاوي حُكم عليه في عام 2009 بالإعدام مع تأجيل التنفيذ لسنتين. أندرو هيجينز - هونج كونج ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"