في عام 1800 عانى توماس جيفرسون حملة رئاسية سعى فيها أنصار منافسه، الرئيس جون آدمز، جاهدين إلى إقناع الجمهور بأن نائب الرئيس حينها جبان وملحد وينوي نزع الكتاب المقدس من بيوت الأميركيين المتدينين، في حين وصف أحد مؤيدي جيفرسون الرئيسَ آدمز بأنه ''شخصية متناقضة بشعة ليست لها قوة وصلابة الرجال، ولا رفق وحساسية النساء''· وفي حملات رئاسية لاحقة، وُصفت زوجة آندرو جاكسون بأنها ''امرأة منحرفة'' بينما وُصف أبراهام لينكولن بـ''القرد''· وحين خاض آل سميث حملة عبر ولايات البلاد في عام ،1928 وُوجه قطاره في بعض مناطق البلاد بقضبان مشتعلة، من صنع جماعة ''كيو كلاكس كلان''· ومثل هذه الأمثلة تشير إلى أمرين اثنين: أن الأساليب القذرة في الحياة السياسية الأميركية قديمة قدم الجمهورية، وأن ممارسة السياسة ليست بالأمر الهين· والواقع أن الانتخابات في هذا البلد تتميز بجو حوار محتدم، وغليظ في معظم الأحيان، وهذا هو واقع الحال دائماً· ولكن كيف كانت حال حملة هذه السنة بين جون ماكين وباراك أوباما مقارنة مع مرشحين رئاسيين آخرين خلال السنوات الأخيرة؟ خلال حملة ،1988 وُصف المرشح ''الديمقراطي'' مايكل دوكاكيس بأنه عدو العلَم الأميركي وبأنه صديق مجرم مدان بالاغتصاب والقتل هو ''ويلي هورتون''· بل إن الرئيس ريجان ذهب إلى حد التلميح إلى أنه قد يكون مختلاً عقلياً· وفي 1988 جاء دور جورج بوش الأب للدفاع عن نفسه من الاتهامات والتعليقات التي كانت تهدف إلى النيل من سمعته بعد انتشار إشاعة تفيد بضلوعه في علاقة سرية مع إحدى مساعداته، ولكن لا أحد قدم دليلاً واحداً يدعم هذه الاتهامات، فأُرغــم عضـــو في فريق دوكاكيس على الاستقالــة بسبـــب ترويجه للإشاعة· غير أن ذلك لم يكن كافياً لمنع ''العلاقة السرية'' من أن تطفو على السطح من جديد خلال سباق بوش ضد بيل كلينتون في ،1992 حيث كان ''الديمقراطيون'' في حاجة إلى سلاح للرد على ما كان ينشر من إشاعات بشأن علاقات كلينتون غير الزوجيـــة· فقد كان كلينتون بمثابة مغناطيس جاذب للاتهامات والإشاعات، والواقع أن ما اتهم به من علاقات غير زوجية ليس سوى أمثلة صغيرة؛ فقد كان كلينتون ضحية إشاعات كثيرة أخرى، ومن ذلك أنه حاول التخلي عن جنسيته الأميركية قصد التملص من التجنيد، وأنه انخرط في أنشطة لا تنم عن وطنيته خلال رحلة طلابية إلى الاتحاد السوفييتي· ثم هناك الحملة التي قادتها إحدى منظمات المحاربين القدامى عام 2004 ضد جون كيري الذي زعموا فيها أنه كذب قصد الحصول على ميداليات بعد عودته من فيتنام· والحال أن الحملة استغلت أقوى نقاط قوة كيري -سجله المشرف في الخدمة العسكرية- لتحولها إلى عبء ثقيل عليه· وبدوره، وجد جورج بوش الابن سجله العسكري محل تشكيك في 2004 حين بثتت ''سي بي إس نيوز'' تقريراً يشكك في ادائه الخدمة في ''الحرس الوطني'' خلال عقد السبعينيات؛ إلا أنه تبين لاحقاً أن الوثائق التي تدعم هذه الرواية مفبركة وقُدمت للقناة بهدف الطعن في سمعة بوش خصيصاً· ولنعد للسؤال: كيف تبدو حملة 2008 مقارنة مع سابقاتها؟ الواقع أن الإنترنت يسرت كثيراً انتشار الأساليب القذرة؛ حيث أصبح نشر الاتهامات والإشاعات التي تطعن في نزاهة المرشحين، ومن دون معرفة الفاعل، أمراً أسهل من أي وقت مضى· وقد ذهلتُ كثيراً بعدد الأشخاص الذين قابلتهم وكانوا يعتقدون أن أوباما مسلم أدى القسم على القرآن حين أصبح عضواً في مجلس الشيوخ، أو أنه عدو للمسيح، أو أنه ليس مواطناً أميركياً في الواقع· وذكر أن منظمة بعثت بريداً إلكترونياً بعنوان ''الحياة كما نعرفها ستنتهي في حال فوز أوباما'' اعتبرت فيه أنه في حال فوز أوباما فإن ''الأشخاص الذين يكرهون المسيحية سيتقوون وسيهاجمون حرياتنا''· وتقف وراء بث هذه الاتهامات مجموعات خارجية، غير أن حملة ماكين نفسها نشرت بعض الاتهامات المغرضة؛ وهنا نتذكر جميعاً عبارة ''مرافقة الإرهابيين'' التي قالتها سارة بالين· والواقع أن تركيز معسكر ماكين على وليام آيرز -الذي قضى عقداً من الزمن هارباً نظراً لانتمائه لمنظمة ''ويذر أندرجراوند'' المحظورة في السبعينيات- لم يكن له وقع كبير، غير أن الاتصالات الهاتفية الآلية المفرطة للأميركيين والتي تلح على علاقة أوباما مع ''الإرهابي الداخلي'' آيرز كانت بغيضة على نحو لا يمكن نسيانه· غير أن ماكين تعرض هو الآخر للكثير من التعليقات القاسية أيضاً؛ حيث واجه اتهامات من أنصار أوباما (وليس حملة أوباما) بأنه ''مرشح منشوري'' (نسبة إلى منطقة منشوريا شمال شرق الصين) وبأنه (تعرض لغسل الدماغ في فيتنام الشمالية) ومزاعم أخرى غير حقيقية تتهمه بأنه أبدى جبناً خلال الحريق الذي نشب على طائرة ''فوريستال'' عام ·1967 وإذا عدَّدنا كل المبالغات والأباطيل التي تم التلفظ بها في محطات القاطرة الانتخابية وفي الإعلانات التلفزيونية في ،2008 فإن هذا المقال قد لا يتسع لذكرها جميعاً· ولعل معظم المراقبين المتزنين سيوافقون على وصف حملة هذا الخريف بأنها واحدة من بين أكثر الحملات الرئاسية سلبية في تاريخ البلاد على الإطلاق· والواقع أنه لا حملة ماكين ولا حملة أوباما ولا وسائل الإعلام بريئة، وإن كان أوباما ضحية أشد الأكاذيب والأباطيل ضرراً· وعليه، ألا يجدر بنا أن نسعى لسن قانون أخلاقي يضع حداً لهذه الأساليب القذرة بشكل نهائي؟ ربما في المدينة الفاضلة· فإلى أن يستطيع أحد كتابة قانون يغير الطابع الإنساني الأساسي، سيكون من المستحيل وقف هذه الممارسات نظراً لأنه في وقت الانتخابات تكون الرهانات كبيرة والعواطف جياشة· وعلاوة على ذلك، فإنه سيكون من الصعب بشكل متزايد في عصر الإنترنت تعقب من يقفون وراءها· وعليه، فمما لاشك فيه أنه ينبغي أن ندد بالأساليب القذرة؛ غير أن الحملات الخشنة في بلد ديمقراطي تبقى مع ذلك بمثابة بديل لوسائل تغيير أكثر قبحاً تُستعمل في الأنظمة الشمولية، ومن ذلك الانقلاب وأعمال الشغب في الشوارع· وبالنسبة للبشر، يمكن القول إن وصف شخص بأنه ''شخصية متناقضة بشعة'' قد يمثل تقدماً في الواقع! لاري ساباتو مدير مركز السياسة التابع لجامعة فرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست