في يناير ،1948 وبعد الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر، ودخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، دفع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت كرسيه المتحرك إلى غرفة النوم التي كان يسكنها ضيفه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، غير أنه فوجئ بالأخير يستحم تاركاً باب الحمام مفتوحاً، فتراجع بسرعة نحو باب الخروج· ولكن تشرشل نهض من حوض الاستحمام ووقف عارياً، محمر الجلد، ضخم الجثة، ليصيح بالرئيس الأميركي قائلا: ''عد إلى الغرفة، فليس لدى رئيس وزراء بريطانيا العظمى ما يخفيه على رئيس الولايات المتحدة''· الفائز بالانتخابات الرئاسية الأميركية لن يكون لديه -على الأرجح- هذه القدرة على إقامة علاقات جيدة مع حلفاء أميركا التقليديين مثل تلك التي تمتع بها تشرشل· صحيح أن أوباما لديه الكثير من الصفات الجاذبة للحلفاء: على سبيل المثال أسفر ظهوره على الساحة السياسية الأميركية عن حالة من النشوة في مختلف أنحاء أوروبا وما وراءها، لدرجة أن الأستراليين الذين لم يعرف عنهم أنهم شعب عاطفي، يفضلون انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بنسبة 5 إلى ·1 الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما بحاجة إلى بذل جهد كبير، من أجل إحياء تحالفات أميركا وبعث النشاط فيها· وعلى رغم أن العالم سيتنفس الصعداء بعد رحيل بوش الذي افتقر على نحو كبير إلى الشعبية، فإن رحيل إدارة بوش سيسلط الضوء على قطيعة جوهرية بين الولايات المتحدة والكثير من حلفائها· أميركيون كثر يعتقدون أنه بمجرد رحيل جورج بوش، فإن الحلفاء سوف يتقدمون لعرض خدماتهم واقتسام عبء القيادة مع الولايات المتحدة· كذلك فإن هناك الكثير من الحلفاء الذين يعتقدون أنه بمجرد ذهاب بوش، فإن واشنطن ستبدأ في الاستماع إليهم بشكل أفضل· وهناك حقيقة أخرى تتصل بالعلاقة بين الحلفاء وأميركا وهي أنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تقلص الخوف من التهديد الوجودي الذي كان يمثله، كما تقلصت معه في نفس الوقت رغبتهم في المشاركة في الخطر، واقتسام الأكلاف مع الشريك الأميركي، وأفغانستان من أوضح الأمثلة على ذلك: فجميع الدول الحليفة تقريباً متفقة على أن الحرب في ذلك البلد ضرورية، إلا أن هناك عدداً قليلاً منها فقط، هو الذي يبدي استعداداً حقيقياً للمشاركة في مهام قتالية تعرض جنودها للخطر· وعلى رغم أن واشنطن لا تزال هي العاصمة الوحيدة في العالم التي تتوافر لها القدرة على إدارة سياسة خارجية عالمية، وعلى إظهار قوتها العسكرية في أي مكان في العالم، فإن أحزان أميركا الحديثة التي تشمل المغامرة المنحوسة والحمقاء في العراق، والأزمة المالية الطاحنة الحالية، جعلت من مهمتها في طلب الولاء والتضحية من الآخرين أكثر صعوبة بكثير عما كانت عليه من قبل· ينطبق ذلك بشكل خاص على حلفاء أميركا في قارة آسيا، التي أدى الصعود الصيني إلى تغير المعادلات الدبلوماسية فيهــــا، وهـــو ما يتبين من اتجاه حلفائهـــا التقليديين مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وتايلاند، وإندونيسيا، إلى التقارب مع بكين بدرجة أدت إلى تكوين محاور استراتيجية جديدة في المنطقة· على رغم ذلك هناك مخرج من مشكلة الحلفاء التي ستواجه الرئيس الجديد، وهو مخرج مفيد سواء للرئيس أو للحلفاء· يتمثل هذا المخرج في الاستماع للحلفاء، ليس في الموضوعات المتعلقة بالتهديدات الأمنية، وإنما تلك المتعلقة بالتحديات العولمية مثل التغير المناخي مثلاً الذي يقلق شعوب الدول الحليفة بشدة· ويجب على الرئيس في هذا السياق أن يصم أذنيه عن صيحات التحذير التي تدعوه إلى الانعزالية، وأن يكون منتبهاً لأي محاولات من قبل الكونجرس لإقامة الحواجز أمام التجارة والهجرة، وأن يعرف تماماً أن أميركا تكون أقوى عندما تكون منفتحة أمام العالم· الشيء الأكثر أهمية هو أن يدرك الرئيس أنه بحاجة إلى استراتيجية كبرى عاقلة· ومما يذكر هنا هو أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد مرت بتحول مرحب به خلال الولاية الثانية لجورج بوش، عندما ابتعدت عن الأحادية والأيديولوجيا، واقتربت من التعددية والبراجماتية، وأنه لم يعد مقبولاً بالتالي من الرئيس الأميركي الجديد أن يرتد عن هذا التحول· وانتخاب رئيس أميركي جديد، سوف يتيح الفرصة لبداية جديدة من جانب حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً أولئك الذين استفاد بعضهم من عدم شعبية بوش في التنصل من مسؤولياتهم التحالفية·· بيد أن قادة تلك الدول يجب أن يعرفوا أنهم يجب أن يدافعوا عن تحالفهم مع الولايات المتحدة أمام شعوبهم· فمن المعروف أن الولايات المتحدة توفر مظلة أمنية يجد الحلفاء تحتها الحماية، وأن معظم التهديدات التي تواجه الحلفاء لا يمكن التغلب عليها بدون الأميركيين· فتهديد القوة الأميركية على سبيل المثال، هو الذي يعطي العالم الأساس المتين الذي يستند إليه في الحديث مع طهران بشأن إيقاف برنامجها النووي· وهناك نقطة مهمة أخرى، وهي أن فوائد التحالفات لا تتحقق للمشاركين فيها إلا إذا دفعوا ما تتطلبه من تكلفة· فكل شيء قيم في هذه الدنيا له سعر يجب دفعه للحصول عليه· ليس معنى ذلك القول إن الحلفاء يجب أن يفعلوا نفس ما تفعله أميركا تلقائيا لأن الأصدقاء الجيدين ـ كما هو معروف ـ ليسوا هم الأصدقاء الخاضعين وإنما هم الذين يجب عليهم عندما يختلفون مع أميركا أن يعبروا عن رأيهم بصراحة، وعندما يتفقون معها، ألا يتأخروا عن تحمل المسؤوليات التي يرتبها عليهم هذا الاتفاق· وإذا كان حلفـــاء واشنطن يريدون منها أن تنظر إلى التحالـــف معهــــم على أنه أمـــر قيم، فإنهــم بحاجة إلى أن يجعلوا من أنفسهم حلفاء قيمين· فالبديل عن ذلك، هو أن يتركوا كافة الأمور الصعبة على عاتق أميركا ما يشجع أصحاب النزعة الأحادية في واشنطن الذين كانوا في الأصل السبب في المأزق الذي تعيشه أميركا حالياً مع بعض حلفائها· فادعاء أن أميركا هي القوة العظمى الوحيدة من جانب أصحاب هذه النزعة، كان هو الذي يدفع بعض الحلفاء إلى مداهنتها، ويدفع غيرهم للاستياءـ في الوقت ذاته، خصوصا أن الأميركيين يقومون أحياناً بتصرفات تسهل من مهمة منتقديهم· لكن إضافة المزيد من الود للعلاقة بين أميركا وحلفائها سيكون أمراً جيداً لكليهما· مايكل فوليلاف مدير البرامج في معهد لوي بسيدني- أستراليا، وزميل زائر بمعهد بروكنجز- واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور