عصير قصب السكر هو المشروب الشعبي الأول في مصر لاسيما في فصل الصيف، فمعظم المصريين يفضلونه على المشروبات الغازية ليس فقط لما يحتويه من فوائد صحية ولكن لأنه مرطب وحلو المذاق وزهيد الثمن. من دون إضافات يحرص المصريون على تناول عصير القصب طازجاً لأنه سريع الأكسدة ويتحول إلى كحول ايثيلي، ولذا فهو يقدم طازجاً بلا أي إضافات فور انتهاء البائع من عصر أعواد قصب السكر بواسطة مكابس أو عصارات ضغط بسيطة واستخلاص العصارة منها حيث يباع في أكواب زجاجية برغوة بيضاء على سطحه يشتهر بها أو في أكياس بلاستيكية صغيرة. وفي كل ميدان أو شارع في مصر محل لبيع عصير القصب حيث أن تصنيعه لا يتطلب أدوات وأجهزة غالية أو مساحات واسعة، كما أنه سلعة لا تبور فدائما زبونها حاضر ينتظرها وفي أيام الصيف الحارة يلاحظ الزائر للقاهرة مشهد تزاحم الناس في الأسواق والأماكن العامة أمام أحد المحال التي تقدم عصير القصب. إلى ذلك، يقول البائع صلاح عبدالناصر «رغم أن البعض يتضايق من حر الصيف وشمسه الحارقة فإن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة لنا كباعة عصير القصب حيث يمثل الصيف إقبالاً من الناس على شرب العصير ليخفف من شعورهم بالحر وينعش أجسادهم، لاسيما أننا نحرص على تزويد العصير بالثلج». ويوضح أن أسعاره تعد زهيدة مقارنة بأسعار المشروبات الغازية. وأشار إلى أن طريقة إعداد المشروب تعتمد على جلب عيدان القصب بواسطة الشاحنات وقطارات السكك الحديدية من صعيد مصر حيث يزرع هناك، وبعد تنظيفها ومسحها جيداً يتم وضعها في آلة عصر خاصة تصنع محلياً، وهي عبارة عن صاج وموتور يعمل بالكهرباء ومكبس، ويتم وضع عود القصب في فتحة صغيرة في الأعلى، وتدار الآلة ويبدأ الضغط على القصب ليمر عبر فتحة المكبس فيخرج العصير من الأسفل عبر صنبور صغير، ويصب في وعاء معدني ثم يتم سكب العصير في الكوب الزجاجي وتقديمه طازجاً. ألوان العصير أوضح البائع شعبان عبد المنعم أن بيع عصير القصب مهنة بسيطة لا تحتاج إلى خبرات أو مهارة كبيرة لإتقانها، بقدر ما تحتاج إلى أن يكون البائع أميناً ونظيفاً، ويحرص على مسح وتنظيف عيدان القصب والقصب واحد عند كل الباعة ولكن يميز أحدهم عن الأخر لون العصير ومذاقه. وأضاف أن لون عصير القصب يتراوح بين الرمادي الفاتح والأخضر الداكن تبعاً للمواد الطبيعية الملونة التي توجد في قشرة العود، وهل تم تنظيفها جيداً أم أن شوائب علقت بها، لافتا إلى أن عود القصب لا يتم عصره كله وإنما الساق النظيفة فقط بعد التخلص من الجذور المتربة و»الشواشي» الخضراء والتي إذا تم عصرها تخفف درجة حلاوة السكر ويصبح العصير بلا طعم. وأشار إلى أن من الزبائن من يحرص على أن يشتري عصير القصب في كيس بلاستيكي لذا فإنه كبائع يهتم بشراء كميات من أكياس البلاستيك البيضاء الشفافة النظيفة ليبيع فيها لمن يحتاج. ولا يعرف أحد تاريخ زراعة قصب السكر في مصر، ولا متى استخدم كمشروب، وإن كان من المرجح أنه كان يزرع في زمن الفراعنة وكان يتم تناوله بطريقة المص. ويعود انتشار عصير قصب السكر بين المصريين إلى كثرة إنتاج محصوله محلياً؛ فحسب تقديرات وزارة الزراعة المصرية فإن حجم المساحة المزروعة من محصول قصب السكر تقدر بنحو 327 ألف فدان تنتج قرابة 1.5 مليون طن سنوياً من القصب المستخدم غالبيته في إنتاج 70 في المئة من حجم إنتاج مصر من السكر، والبقية يتم استخدامها كعصير وتجود زراعة القصب في محافظات الصعيد «أسوان وقنا والأقصر وسوهاج»، حيث تتطلب زراعته أرضاً خصبة طينية سوداء وثقيلة وماء كثيراً، ويظل في الأرض لمدة عام كامل ويتم نقله لمختلف مدن الدلتا بواسطة عربات النقل وقطارات السكك الحديدية ويباع عصير القصب جنباً إلى جنب في محال تقدم أيضاً مشروبات شعبية أخرى كالعرقسوس والتمر هندي والسوبيا. فوائد صحية الكثير من المترددين على محال عصير القصب يدركون أهمية هذا العصير الطبيعي ليس كشراب منعش في ساعات النهار الصيفي فقط وإنما أيضاً لفوائده الصحية ومساعدته في التخلص من بعض الأمراض. إلى ذلك، قال خالد كمال «أحرص على شرب عصير القصب لاقتناعي أنه مفيد للجسم وأكثر نفعاً من المشروبات الصناعية والمياه الغازية لذلك أشربه باستمرار خاصة بعد أن ساعدني كثيراً على التخلص من حصوات الكلى التي عانيت منها». وقال وليد فهمي (24 سنة) «أحرص على تناول عصير القصب في وقت الظهيرة لأنني أشعر بعده دوما بنشاط وحيوية، وأعود لاستئناف عملي كمندوب مبيعات بهمة ونشاط فإلى جانب رخص ثمنه مقارنة بالمشروبات الغازية فهو آمن صحياً لخلوه من أي إضافات صناعية وكيماوية». وقال أيمن همام إنه يتناول يومياً ثلاثة أو أربعة أكواب من عصير القصب أثناء ممارسة عمله. وأضاف «أشعر دوماً بجفاف الحلق وبالإرهاق من قيادة السيارة في شوارع القاهرة المزدحمة وأجد في كوب عصير القصب فرصة للتغلب على ذلك الشعور واستعادة نشاطي». وأكد أحمد شاهين، الخبير بالمعهد القومي للتغذية بالقاهرة، أن عصير قصب السكر من المشروبات المفيدة للجسم، فهو يفتت الحصى والرمل ويغسل الكلى، وينظم جهاز الهضم، ويعالج الاكتئاب، ويساعد على تقوية العظام وينشط الكبد ويقاوم الإمساك وينعش الدورة الدموية لاحتوائه على نسبة سكريات عالية سريعة الامتصاص، تساعد الجسم على استرداد جزء كبير من طاقته التي يفقدها عبر الحركة في الأجواء الحارة، إلى جانب احتوائه على أملاح معدنية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والماجنيسيوم والصوديوم وجميعها مفيدة لصحة الإنسان.