الفكرة الجريئة الجديدة والغريبة التي تتواءم مع معطيات العصر، وما تفرضه العادات والتقاليد، هي الكنز الثمين الذي يسعى كل مصمم إلى استكشافه والوصول إليه لطالما أن إبداعه يبدأ من عصارة تلك الأفكار وإيحاءاتها التي لا شك تحتاج منه إلى بحث واطلاع، لئلا يكرر ما نفذه الآخرون في تصاميمهم، وإلا فلن يسمى ذلك إبداعا، ذلك ان الإبداع هو أن يأتي بجديد ومميز لم يسبقه إليه أحد. تعتبر المصممة العراقية إخلاص الشيباني واحدة من المصممات العربيات اللاتي أحببن مجال تصميم الأزياء منذ الصغر، وتدرجن فيه خطوة بعد خطوة، حتى وصلن إلى اسم معروف له وزنه وقيمته في هذا العالم الواسع الكبير الذي يشهد كل يوم ولادة آلاف المصممين والمصممات. ولعل الشيباني حملت معها عراقة الحضارات العراقية القديمة كالبابلية والآشورية وغيرها لتجسدها في أفكار عصرية راقية، ظهرت بصورة واضحة في العباءات الخليجية التي تصممها. وهي تقول عن العلاقة الحميمية التي تربطها بتصميم العباءات وغيرها: “الطفولة لها دور كبير في التعرف على ميول واهتمامات كل فرد منا، وهذه الميول إما أن يتم تشجيعها من قبل الأهل فتكبر معنا وتتميز يوما عن يوم، أو يتم دفنها ونسيانها بزوال تلك المرحلة العمرية عبر عدم اكتراث الأهل أو تشجيعهم، أو نهي الطفل عن ممارستها، وعن نفسي أقول إنني تلقيت أكبر الدعم والتحفيز من والدتي حيث كنت في صغري أرسم تصاميم لملابسي، وكانت تقوم بخياطتها بنفسها، وعندما كبرت تعززت الموهبة لدي بالدراسة الجامعية حيث إنني درست فنونا جميلة في جامعة بغداد، فلم يكن لدينا حينها تخصصا لتصميم الأزياء، لكنني عرجت عليه من خلال دراستي وصرت أصمم فساتين الأعراس والحفلات وأطقم السبورات وغيرها، ثم سافرت إلى ليبيا وصرت مدرسة في معهد الفنون التطبيقية، انتقلت منها إلى الأردن لألتحق بأكاديمية فاخوري لتصميم الأزياء، وصرت أعمل مصممة أزياء في مؤسسة نور الحسين، وتخصصت في تصميم الأزياء الفلسطينية الشعبية، حيث كنت أطور الأزياء التراثية الفلسطينية بتحديث الأقمشة والقصات مع الاحتفاظ بالأصل الموروث، وبعدها انتقلت إلى الإمارات وعملت في دور أزياء معروفة في دبي، وكانت هذه الدور تعمل بالعباءات فتأقلمت معها بسرعة وصرت أصمم لها عباءات خليجية للأعراس والمناسبات المختلفة، حتى صار لي عملي الخاص”. تضيف الشيباني: “لقد كانت لي بصمات واضحة في تطوير العباءة الخليجية، فعندما أتيت إلى الإمارات قبل 7 سنوات كانت العباءة لا تزال في طابعها التقليدي البسيط، لونها أسود مع تطريز خفيف على الأكمام، لكنني اجتهدت في إكسابها طابع جديد عبر تغيير قصاتها وأقمشتها، واللعب بذكاء في تزيينها بإكسسوارات وما شابه، لتتمكن المرأة من ارتدائها كعباءة وفستان سهرة في آن واحد، دون أن أخرجها من لونها الأسود الأصلي التقليدي، أو أقلل من حشمتها ووقارها كما يفعل بعض المصممين في هذه الايام، بالإضافة إلى أنهم يغالون كثيرا في فرض أسعار خيالية على عباءاتهم، وهذا فيه، من وجهة نظري، ظلم وغبن للمرأة”!! توضح الشيباني ما يميزها عن غيرها من المصممات وأبرز ما ركزت عليه في مجموعتها لعام 2010 فتقول: “أحاول أن أصمم عباءات لا تذهب موضتها أو موديلها، ويمكن للمرأة أن تقتنيها الآن وبعد سنوات، وأمزج بين القديم المتوارث والحديث المعاصر عبر تطوير القصات والأقمشة وانتقاء الألوان الجريئة التي لاقت رواجا واعجابا كبيرا من قبل أغلب زبوناتي اللاتي هن من مواطنات الدولة فالمرأة الإماراتية تهتم كثيرا بمظهرها مما يشجعني على ابتكار المزيد، ولكوني أعشق الأزياء التقليدية القديمة فقد استوحيت أفكارا منها لمجموعتي لهذا العام ومنها الأزياء الفرعونية والبابلية واليونانية، فأخذت من الفرعونية قصات عنق العباءة وأن تكون مشغولة هي وحافة الأكمام بتطريز أو معادن وأحجار أما اليونانية والبابلية فقد أخذت منها القصات الجانبية بحيث تكون العباءة ملفوفة على الجنب، وفيها طيات جميلة، وأدخلت الرسومات وقصات الليزر والكلف والكروشيه والريش والفرو، بالإضافة إلى أنني استوحيت من المسلسلات التاريخية التي تعرض على شاشات التلفاز التي تحكي عن العصر العباسي والأندلسي قصة العباءة مع السروال العريض، وتزيين أسفل السروال والأكمام وإسوارة العباءة ووسط العباءة بحروف عربية مقصوصة من قماش جلد الليزر واخترت لهذه الحروف ألواناً غريبة مثل الأورنج المائل للقرميدي والبيج والذهبي والفضي”. من حسن حظ المرأة التي تشتري عباءات الشيباني أنها قادرة على أن ترتدي العباءة في الأعراس وتحولها في نفس الوقت إلى عباءة يومية تخرج بها للعمل، فبعض العباءات قطعتان ويمكنها الاستغناء عن القطعة الفخمة التي تعلو العباءة لتبقى القطعة البسيطة الداخلية التي يسعها الاكتفاء بها عند الخروج للعمل وما شابهه. الناظر لأزياء الشيباني يرى فيها لمسات جديدة غير موجودة عند غيرها من المصممين والمصممات، فقد صممت مع العباءة طاقية خاصة توضع تحت الشيلة، ولا تلغيها، تذكرنا بقصص ألف ليلة وليلة والجواري من النساء اللاتي كن يضعن تلك القبعات على رؤوسهن، كما صممت مروحة يدوية مع كل عباءة لتضفي رونقا وأنوثة وأناقة. ركزت الشيباني في مجموعتها الأخيرة، التي أسمتها بالعباءات الملكية، على عنصر الفخامة والبساطة والهدوء، وكان لتلك العباءات حظا وافرا من أقمشة الشيفون الأسود والملون، حيث صممت عباءات من قطعتين مزدوجتين، وغلفت القماش الملون بالشيفون السادة بطريقة متناسقة جميلة، واختارت للأقمشة الملونة ألوانا جريئة مثل الكيوي والفسفوري والتركوازي والفوشي، ومن الاقمشة الاخرى التي استعانت بها الشيباني في عباءاتها الحرير الطبيعي والدانتيل والجورسيه والتول والجلد وغيرها. لدى الشيباني عباءات تناسب جميع الأعمار، علما أن أغلب زبائنها من الفئة الراقية جدا وتسميهم VIP وتحرص على أن تقيم لهم عروضا في أرقى الفنادق داخل الدولة وخارجها، وكان آخر عروضها في فندق برج العرب وفندق أتلنتس. ومن الأمور التي تؤرق الشيباني أنها تتعرض كثيرا لسرقة تصاميمها عبر شراء بعض المحال لعباءاتها، وخياطة عباءات تماثلها تماماً، وهي لا تدري كيف تحفظ حقها في التصميم دون أن يأخذه غيرها وينسب لهم.