هل يشعر الطفل بكراهية مؤقتة لوالديه؟
عدد كبير من الآباء والأمهات أصبحوا يعتقدون أنهم فشلوا إلى درجة كبيرة في منح الحب لأطفالهم، لأن الأطفال لا يسكتون أبداً عن توجيه الاهانات والسباب للآباء طوال النهار. ولعل الأطفال غير المحبوبين لا يهتمون كثيراً بأن يوجهوا اللوم إلى آبائهم لحظة بعد أخرى، وأن هؤلاء الآباء والأمهات من النوع الممتلئ بالمشاعر الحنونة نحو أبنائهم، لكنهم يتسرعون بلوم أنفسهم كلما حدث خطأ ما أو حدث أي شيء على غير ما يتمنون، لذلك يظنون أن ما يظهره أطفالهم نحوهم من مشاعر العداء من وقت لآخر لابد أن له سبباً وجيهاً، ومن ثم فإنهم يتركون أطفالهم يعبرون عن مشاعر العداء أو الغضب بالسلوك المباشر الملىء بالوقاحة. ويعتبر الآباء أن هذه طريقة مثالية لتفريغ الأطفال من مشاعر العدوان. وأنها نوع من الحب الذي يقدمونه للأبناء، لكن ذلك خطأ جسيم، إن الأب أو الأم حين يستسلم معتذراً للإبن عن أي خطأ، يحس الطفل أن الأب أو الأم سيرضخ لأي لون من ألوان «العقاب» يوقعه عليه الطفل، وهنا يشعر أنه «مهان» في شخص والده، ويعمل على أن يدافع عن كرامة أبيه بمزيد من القسوة على الأب نفسه!! إن الطفل يريد أباً قوياً، ويريد أماً حازمة، لا يرضى كبريائه بأن يكون والداه من النوع «الخنوع»، ويعرف الطفل أن قسوته على أحد والديه ليست هي الأسلوب السليم لمعاملة الابن لأبيه أو أمه. لذلك يتمنى في أعماقه أن يضع أحد الوالدين حداً لهذا السلوك غير السليم. لذلك أيضاً يتمادى في القسوة ليزيد من التنبيه بالغضب والعنف بأنه لا بد أن يتحرك الأب أو الأم ليمنعه من التمادي في السلوك الخطأ.
إن الآباء والأمهات يتمتعون بمميزات كبيرة تفوق آباء وأمهات الأزمنة القديمة، لأنهم قادرون على الاعتراف بأن هناك مواقف كثيرة في تربية الطفل تثير غضبه وضيقه، وأن هناك ألوان من الكبت والمطالب غير المقبولة من الآباء يطالبون بها الأبناء، خصوصاً في السنة الأولى من العمر حيث يتعلم الطفل كيف يتفادى الأشياء القابلة للكسر أو العبث بالكهرباء أو الأدوات المنزلية الخطرة كالسكاكين والأمواس والإبر وغيرها. ويتعلم أيضاً كيف يجلس على كرسي التبرز والتبول. وقد ينام في لا وعي الإبن احساس بالضيق من والديه لأن هناك طفلاً جديداً قد ولد في الأسرة مثلاً، ويسبب ذلك غضباً دائماً للابن من والديه ومن المولود الجديد. وعندما يصبح الابن مراهقاً في السادسة عشرة يرفض بعض الأوامر التي لا يقبلها وتسبب له الغضب والضيق، مثل الأمر الصادر من الأب للابن بأن يعود مبكراً إلى المنزل، ومثل رفض الأب أن يعطي إبنه مفتاح السيارة، وهكذا نجد أن في كل مرحلة من مراحل النمو هناك بعض الأسباب التي تبدو غير معقولة في نظر الأبناء، وقد يكون هناك أيضاً بعض المشاكل التي تغضب الأبناء مثل نفاذ الصبر وعدم القدرة على المناقشة، لأن أعصاب الأب مثلاً ثائرة نتيجة لخلاف بينه وبين رئيسه في العمل، أو نتيجة لخلاف بين الأب والأم.
إنها ميزة كبيرة للأطفال الذين يربيهم آباؤهم بطريقة لا ذعر فيها ولا خوف أو صدمة نتيجة ما يظهر الطفل أحياناً من مشاعر الكراهية المؤقتة. إنها ميزة كبيرة لأنها تنقذ الإبن من الوقوع في مصيدة الاحساس العنيف بالذنب بسبب هذه المشاعر. وفي استطاعة الأم أو الأب مساعدة الطفل في تصفية أي خلاف ينشأ بعد أي إنفجار أو عاصفة في مجال الأسرة وخصوصاً الطفل الحساس جداً أو الذي يفرط في تأنيب نفسه. وهذا لا ينفي أن الإبن يحب والديه. والوالدان يعرفان ذلك ويفهمانه ولا يقلل ذلك من حبهما وتقديرهما للأبناء، ويستطيع الأب أن يذكر للإبن كيف أنه كان يغضب قديماً من أبيه أو أمه، وإذا شعر الأب أو الأم أن أحدهما أخطأ وتصرف بطريقة خشنة ظالمة مع الإبن مما سبب ضيقه وغضبه، فمن الأفضل أن يعترف الأب أو الأم بذلك بوضوح، ويعتذرا بصراحة دون خوف من أن يفقد الاعتذار أحدهما الكرامة، لكن دون مغالاة حتى لا يفقد أحدهما هيبته أمام الإبن.
المصدر: أبوظبي