للسفر متعته وأعباؤه أيضاً، فمع ارتفاع حرارة الصيف تزداد رحلات السفر للخارج عند بعض العائلات، ليبدأ التخطيط والتفكير في الرحيل والسفر للاستجمام بعد عناء شهور طويلة في العمل والدراسة، ومع السفر يحتار البعض في وجهته، فمنهم من يسافر من أجل الترفية، وبعض العائلات ذات الدخل المحدود خاصة، يكون السفر بالنسبة لها نوعا من الوجاهة الاجتماعية، و«الفشخرة»، وإرضاء غرور نون النسوة، وهي عوامل تدفع هذا البعض إلى الاقتراض، وإضافة عبء آخر إلى الأعباء المتراكمة فوق كاهل أفرادها. فهذا رب أسرة كلفه السفر لقضاء أسبوعين في ربوع أوروبا مع أسرته المكونة من 5 أفراد مع المربية، نحو أكثر من 90 ألف درهم، توزعت بين حجوزات وطيران وهدايا تسوق ورحلات ترفيهية. مع حلول موسم الصيف وازدياد رحلات السفر تأتي فكرة وتذهب أخرى، أين يمكن أن أقضي الصيف بارتياح نفسي وجسدي دون أن يعكر صفو مزاجك عارض. لذلك في كل عام في مثل هذه الأيام يبدأ التفكير في مكان مناسب لتمضية الإجازة الصيفية مع العائلة، ويكون الخيار صعباً، وذلك لأن ما يناسب الأهل لا يناسب الصغار، فمنهم من يريد السفر إلى العواصم الأوروبية للمتعة والتنزه، ومنهم من يريد أن يشد رحاله إلى الدول العربية التي اشتهرت بمعالمها السياحية، وملامحها الجمالية لزيارة الأهل والأقارب، وآخرون يجدون في السفر عادة وجاهة اجتماعية لا يمكن الاستغناء عنها. وجاهة وعادة تنتقد أم حمدان بعض المفاهيم المغلوطة لقضاء الإجازة، قائلة: «إن الكثير من الأسر ترتبط لديهم الإجازة بالصرف المادي الكبير سواء في داخل الوطن أو خارجه، حتى يقال عنهم إن عائلة فلان سافرت في الصيف إلى دول أوروبية، وهذا نوع من الوجاهة التي اعتادت عليها الكثير من العائلات عندنا في الخليج، حيث يجدون أن الإجازة تتطلب الكثير من المال حتى تصل المبالغ التي تصرف لدى بعض الأسر في اليوم الواحد إلى أكثر من ستة آلاف». تتابع بحرقة، فتقول: «كثيرا ما تطير تلك الأموال على الأسواق والأماكن الترفيهية، حتى يدخل رب الأسرة في مضايقات مادية بسبب مفهوم الترفيه لدى الأبناء الذين يحددون مفهوم الإجازة في الصرف وهدر الأموال دون حساب». مشيرة إلى أن الإجازة لابد أن تكون بمبدأ استغلال الأوقات بطريقة يتأمن معها الترفيه لدى الأسرة. ويتحقق الشعور بالخروج من الروتين عبر زيارات عائلية محببة، أو رحلات برية أو بحرية بشكل حميمي، والتنقل إلى المناطق القريبة لزيارة العائلة وصلة الرحم، وفي ذلك متعة». مريضة بالبرستيج هذا شاب آخر يوجه اللوم إلى زوجته، يقول حميد المرزوقي بعصبية وحدة: «زوجتي هي السبب الرئيسي في التوتر والمشاكل التي تحدث في موسم السفر، فهي من أجل أن تجعل جارتها تشعر بالغيرة منها تُلمح أنها تخطط للسفر إلى ماليزيا وسنغافورة ثم فرنسا وألمانيا. يصمت حميد قليلاً قبل أن يضيف: «لا يقتصر الأمر على ذلك بل أصرت هذا العام السفر مع أهلها كنوع من «البرستيج»، رغم إدراكها أن راتبي لا يكفي، ورغم أن المبلغ الذي أعطيتها لم يكفها لمدة أسبوع، فقد اضطررت الأسبوع الماضي لإرسال مبلغ آخر لها، وهذه المرة لجأت إلى الاقتراض من أحد الأصدقاء حتى وجدت نفسى في مصيدة القروض». يضيف بامتعاض، ويقول: «رغم أنني ما زلت أسدد القرض، الا انني قطعت على نفسي عهداً الا اسمح لزوجتي بالسفر إلى الخارج من أجل إرضاء غرورها، فهذه السفرة جاءت على حساب القرض الذي ما زلت أدفعه لصديقي كل شهر حتى هذه اللحظة». موضحا بقهر: «لقد أصبحت الكثير من الأسر تعيش في حلبة سباق، من أجل هذه الوجاهة، فمن يسافر إلى أكبر قدر ممكن من الدول الأوروبية في الصيف هو الفائز، كل ذلك من أجل أن يقال إن عائلة فلان سافرت وجالت شرق آسيا وغرب أوروبا». التقليد الأعمى إن كان حميد يرى زوجته هي السبب، فإن عبيد خليفة، موظف، يؤكد أن البنوك المتهم الأول، يقول عن ذلك: «التباهي بالسفر إلى الدول الأوروبية أشبه ما يكون بصرعة أو هوس نتيجة التقليد الأعمى، لذلك نجد الكثير من الأسر تقع دائماً بين مطرقة المظاهر الخداعة وسندان القروض الشخصية، وكثيراً ما تكون البنوك المتهم الأول في هذه القضية، لما تقدمه من تسهيلات وإغراءات لكل مقترض». يتابع عبيد: «كثيراً ما نرى عن شعارات البنوك من مثل: «خذ قرضا واحصل علي تذكرة سفر مجانية، أو لا داعي لشهادة الراتب فقط أحصل على قرضك بشكل أسرع وأسهل، وادفع بعد 12 شهراً». وإعلان آخر يقول: «يسري العرض من تاريخ كذا وهو للمواطنين فقط». كل تلك الشعارات تجعل العائلات تلهث وراء السفر والابتعاد عن حرارة الصيف، وكأن السفر صيفاً أصبح عادة لا يمكن الاستغناء عنها». وتؤيد حنين عوض رأي عبيد قائلة: «بسبب هذه الشعارات حدثت الكثير من حالات الطلاق والانفصال، حيث بات السفر عند البعض من الواجبات الأساسية، وفرضاً يجب أن يتم كل عام، والمضحك في الأمر أن من ينوى السفر يذهب في قمة السعادة ويرجع في قمة التعاسة، موضحة سبب ذلك بالقول: «نتيجة الديون والفوائد التي يعجز عن سدادها، لاسيما أن البنوك تشجع على الاقتراض، فينساق إليها الجميع دون التفكير في العواقب». باهظة التكاليف أما يوسف ربيع فقد اختار هو وعائلته أستراليا كبلد خلاب، جماله يخطف الأبصار، ورغم أنها باهظة التكاليف، فقد اقترض من البنك من أجل إسعاد عائلته يقول: «يكمن جمال أستراليا ما نجده من مناظر طبيعية متنوعة، وأنماط حياة مختلفة، وتجارب فريدة تتيح للزائر فرصة قضاء عطلة لا تنسى، كذلك يوجد بأستراليا مزايا عديدة توفر كافة عناصر التسلية لجميع أفراد العائلة، فالتشويق نجده في أساليب الترفيه العائلي في جولد كوست، والإثارة في مدينة سيدني، وطابع ملبورن المميز، وروائع الحيّد المرجاني العظيم، ونظارة كيرنز، ومغريات برورت دوغلاس كل ذلك يجعل أستراليا حقاً واحدة من أكثر الأماكن التي تبث شعوراً دافئاً بالمتعة والأمان والضيافة الكريمة، كما تعشقها العين لجمال طبيعتها وروعة ألوانها. يضيف يوسف قائلاً: «أنا شخصياً أحرص في هذه الإجازة على الاستمتاع الكامل بها، لأنها لا تأتي «بالساهل»، وإنما تأتي بعد تخطيط وتنسيق وترتيب وإعداد ميزانية خاصة لها. حول سفر البعض للخارج وخاصة الدول الأوروبية ذات التكاليف الباهظة يعلق يوسف: «قد يكون سبب اختيار البعض هذه الدول كنوع من «الفشخرة والترف»، يقوم فيها البعض من العائلات من أجل الاستمتاع، ورغم إنني لا أؤيد هذه الطريقة، فإنني والحق أقول اضطررت ذات مرة لفعل هذا الشيء أمام أصدقائي حتى يقال عني إني سافرت للخارج ولدولة غالية التكاليف». رأي علم النفس لماذا تحتل «الـفشخرة» مساحة لا يستهان بها في حياتنا؟ وإلى أي حد قد نورط أنفسنا في سبيل الحفاظ على مظهرنا الاجتماعي؟ يصف الدكتور علي عطية - استشاري نفسي، «البرستيج»، قائلاً: «أصبح هذا الأمر بمثابة العبء النفسي الذي يحملنا فوق طاقتنا». ويضيف: «الناس الذين يهتمون بمظهرهم الاجتماعي ليسوا فقط أصحاب الثروات، ما يجعل صاحب الدخل المحدود متورطاً في مشكلة الحفاظ على «برستيجه» حتى لا يشعر بالدونية. والفشخرة التي يعتبرها الدكتور عطية «مشكلة عصرية»، تدفع الكثير من الناس، حسب رأية «إلى الاستدانة من البنوك أو دفع تكاليف السفر عن طريق البطاقات الائتمانية أو الشيكات ليدفعوا ثمن المظهر الذي ينشدونه، فيورطون أنفسهم في مشكلات مادية، ويتحملون فوق طاقتهم للحفاظ على صورة جميلة في عيون الناس». يتابع عطية: «مسايرة المجتمع هي الغاية من الحفاظ على الـ«برستيج»، بل إن ذلك يرتبط بالحالة النفسية التي تحدد شدة تعلق المرء بالمظاهر وحرصه عليها». وكلما كانت ثقة المرء بنفسه ضعيفة، شدد على مسألة مظهره الخارجي، فالداخل الفارغ يحرض صاحبه على ملء هذا الفراغ حتى لا يفتضح أمره من قبل الناس». يختم الدكتور عطيه موضحاً: «أكثر الناس حباً للمظاهر، هم الأقل ثقة بأنفسهم، لهذا يبالغون في ذلك حتى يخفوا نواقصهم وعيوبهم».