متطوعو التراث العمراني يستكشفون بلاد ما وراء النهر
انطلق متطوعون في جمعية التراث العمراني برحلة إلى جمهورية اوزبكستان ليتعرفوا على تاريخ المسلمين في مناطق وسط آسيا، ويشاهدوا منجزاتهم العمرانية والحضارية·
ويقول مدير الجمعية أحمد العناب إن الرحلة كانت الثرية بالمخزون التاريخي فبعد الوصول الى العاصمة طشقند، انتقل الفريق إلى وادي فرغانة الذي تبعد عن العاصمة 375 كم غربا، ثم توجه إلى مدينة خوقند التي يبلغ عدد سكانها نحو 192 ألف نسمة ويطلق عليها ''مدينة الرياح''، لافتا إلى أنهم زاروا أهم معالم المدينة ومنها قصر الأمير خدايار خان الذي بني في الفترة من 1863 الى 1870 على مساحة 4 هكتارات·
ويشير إلى أن القصر بني على مرحلتين المرحلة الأولى استمرت أربع سنوات من قبل حرفيين من بخارى· والثانية دامت ثلاث سنوات من قبل حرفيين من ريشتان، لافتا إلى أن الاختلاف في هندسة البناء واضح للعيان·
ويتألف القصر، وفق العناب، من سبعة فناءات و119غرفة، ولم يبق منها إلا 19 غرفة· ويلاحظ على البوابة الرئيسية كتابة بعض الأسماء باللغه العربية، والتي تصف اسم الحاكم محمد خدايار خان وبعض النصوص من القرآن· وهناك العديد من النقوش العربية على جدران القصر·
وزار الوفد في المدينة ذاتها المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة الجمعة ويتميز بعناصره المعمارية الرائعة، وأعمدته الخشبية المنقوشة بحرفية متقنة· وبني المسجد ما بين 1800 -،1812 وأعيد افتتاحه عام ،1998 وهو يستوعب أكثر من 10,000 مصل·
ويبين العناب أن الفريق توجه إلى إقليم فرغانة أحد أقاليم نهر سيحون في بلاد ما وراء النهر، والذي فتحه قتيبة بن مسلم الباهلي في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م)· وفي الوقت الحاضر تعتبر فرغانة أهم مركز صناعى في اوزبكستان وهي المدينة الثانية في الجمهورية بعد طشقند فيما يتعلق بحجم الانتاج· ثم انتقلوا إلى زيارة ''مارجيلان'' التي تقول مصادر تاريخية أن الاسكندر الأكبر هو مؤسسها·
ويستكمل العناب حديثه حول الرحلة قائلا : ''من بين أهم الآثار والمعالم التاريخية التي زرناها في مدينة سمرقند كانت ضريح الإمام البخاري الواقع في ضاحية سمرقند عند مشارف قرية خرتانج حيث دفن هناك بعد وفاته في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) عن اثنين وستين سنة، وذلك بعد هجرته من بخارى، ودفن إلى جواره عدد من علماء بخارى وقد أقيم بالقرب من ضريحه مسجد في أواخر السبعينات من هذا القرن ·
ومن بين المعالم التي تضمها سمرقند المسجد الكبير ''بيبي خانم'' الذي بناه تيمور تخليدا لانتصاراته في الهند، وحملوا إليه مواد البناء من جميع الأنحاء وترتفع مآذن المسجد خمسين مترا وهي مزينة بالموازاييك·
ومن الأماكن التي تواجد فيها الوفد ميدان ريجستان وهو منطقة كبيرة جدا تحيط بها حدائق من كل جهة وفي وسطه ثلاثة مبان ضخمة لمدارس وكلمة ريجستان معناه الارض كثيرة الرمل· وقد زخرفت هذه المباني بآيات قرآنية أعطتها جمالا ورهبة· ويبلغ ارتفاع المبنى والمنارة حوالي 40 مترا، وفي داخل كل مبنى فناء مفتوح تحيط به الغرف مكونة من دورين في كل اتجاه للطلاب والمعلمين، فيما تستخدم اليوم كمحلات لبيع المنسوجات والهدايا التذكارية·
سمرقند موطن الفقهاء
ينتسب إلى سمرقند جماعة من أهل العلم منهم: الفقيه أبو منصور الماتريدي: وهو نسبة إلى حي ''ماتريد'' أو ''ماتريب'' أحد أحياء سمرقند وكان له أثر حاسم في تطور الفقه السني بالمشرق· والفقية محمد بن عدي بن الفضل أبو صالح السمرقندي الذي سمع بدمشق أبا الحسن الميداني، وجماعة غيره، وروى عنه أبو الربيع سليمان بن داود ابن أبي حفص الجبلي، وجماعة غيره ·
والفقية أحمد بن عمر أبو بكر السمرقندي، سكن بدمشق وقرأ القرآن وأقرأه، وكان يكتب المصاحف من حفظه· وهو صاحب التفسير المعروف بتفسير العياشي، وهو محمد بن مسعود السمرقندي، وكان من المحدثين والأطباء والنجوميين، ومن أعلامها أيضا علاء الدين السمرقندي· ومنهم نجيب الدين السمرقندي، وكان طبيبا معاصرا لفخر الدين الرازي، وقتل بهراة لما دخلها التتار· ومنهم شمس الدين السمرقندي العالم والمنطقي والفلكي والأديب· ومن علمائها المتأخرين أبو القاسم الليثي السمرقندي· وكذلك الفلكي المشهور قاضي زاده الرومي أستاذ أولغ بك الذي كان أحد أبرز الفلكيين في العالم خلال العصور الوسطى·
الحرية مقابل تعليم صناعة الورق
اشتهرت سمرقند عبر التاريخ بالعديد من المنتجات الوطنية مثل المنسوجات والسجاد، إلا أن أشهر ما عرفت به سمرقند هو ''الورق السمرقندي'' وقد نقلت سر صناعته عن الصين· ولهذا الورق شهرة خاصة تميزت بها سمرقند عبر التاريخ· ولقد بدأت هذه الشهرة عندما قام أهل إقليم بخارى بثورة في عهد أبي مسلم الخراساني فبعث بحملة قوامها عشرة آلاف رجل بقيادة زياد بن صالح حيث قضى على الثورة في مدينة بخارى واستمر في زحفه إلى أن أخضع أيضا ثورة سمرقند التي كان يساندها الصينيون ضد العرب المسلمين· وقد وقع الكثير من الصينيين في الأسر، وخيروا بين الرق أي العبودية وبين الحرية إذا علموا المسلمين حرفة؛ فآثروا العتق وعلموا المسلمين الحرف ومن بين ما علموهم صناعة الورق·
ومع مضي الزمان تقدمت هذه الصناعة باستخدام الكتان والقطن في صناعة الورق الأبيض الناعم الجميل الذي وجد سوقا رائجة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي خصوصا في عاصمة الدولة العباسية بغداد فالورق صفحة من صفحات الفخر للإسلام والمسلمين· ورغم أن الورق كان معروفا في جنوب شرق آسيا· لكن العالم لم يعرفه إلا بعد أن تعلمه المسلمون وانتقل من بلادهم إلى العالم كله
المصدر: دبي