أسماء الحسيني (القاهرة- الخرطوم)

وسط أجواء مفعمة بالتفاؤل والأمل، وقع ممثلو المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بالأحرف الأولى على وثيقة الإعلان الدستوري السوداني أمس، وسيوقع الطرفان بشكل نهائي على الوثيقة يوم 17 أغسطس. ووقع الاتفاق نيابة عن المجلس العسكري نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ووقع أحمد ربيع نيابة عن قوى الحرية والتغيير، كما وقع على الاتفاق الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات، والوسيط الإثيوبي محمود درير.
وفي كلمته بعد توقيع الاتفاق أكد حميدتي أن الاتفاق يؤكد انتصار الإرادة الوطنية، وأن النتيجة لا غالب ولا مغلوب فيها. وأضاف «لن يهدأ لنا بال حتى يتحقق القصاص العادل من كل من أجرم في حق الوطن والمواطن»، موضحاً أنه تم الوصول للاتفاق بعد عمل شاق ومنعطفات حادة، وقال: «دخلنا إلى المفاوضات شركاء، وخرجنا فريقاً واحداً».
وأضاف: بالاتفاق طوينا صفحة عصيبة من تاريخ السودان، ساد فيها التناحر والاقتتال، واتفقنا على بناء جديد للفترة الانتقالية، لتجاوز كل أمراض الماضي.
واعتبر عمر الدقير، القيادي في قوى الحرية والتغيير، أن التوقيع على الإعلان الدستوري يمثل لحظة تاريخية للسودان، ويفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد، ويمهد الطريق لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية، التي تحقق أهداف الثورة، وقال: إن السلام سيكون أولى الأولويات وكذلك الإصلاح الاقتصادي والتحقيق النزيه الشفاف في الأحداث التي وقعت، وبناء علاقات خارجية متوازنة على أساس المصالح المشتركة، والسعي لوضع دستور دائم والإعداد للانتخابات القادمة.
وقال: «المرحلة القادمة هي مرحلة البناء والتعمير والمصالحة الوطنية الشاملة وبناء وطن يسع الجميع، وإن الثورة تحتاج إلى حراسة وتقويم أي انحراف عن أهدافها». وأضاف أن الدموع وحدها هي التي تليق بهذه اللحظة التاريخية، وتذكر معاناة السودانيين.
وفي كلمته أشاد المبعوث الأفريقي محمد الحسن ولد لبات بتضحيات الشعب السوداني وتلاحمه، وركز على 4 أمور مهمة يجب أن يراعيها الطرفان، أولها أن يبقى المدنيون والعسكريون أوفياء للثورة السودانية المجيدة، وثانيها أن يحيطوا بالرعاية والاحترام المنظومة الأمنية والدفاعية، حيث إن أي تفريط فيها وأي مساس بها هو مساس بصلب الوجود الوطني السوداني، وثالثها هو الحفاظ على الاستقلال السوداني عن التدخلات الخارجية، ورابعها هو الاعتناء بدور المرأة والشباب والعلماء.
ومن جانبه، أكد الوسيط الإثيوبي السفير محمود درير أهمية الاتفاق الذي يؤسس لحكم مدني ديمقراطي، ينعم فيه السودان بالسلام، وتعود الحركات المسلحة للمشاركة في بناء الوطن، وقال درير: إن الوثيقة الدستورية تؤسس للفترة الانتقالية. وأضاف: «أثبتنا للعالم أجمع أننا قادرون على حل مشكلاتنا كأفارقة». وأكد أن هذه المرحلة ستنهي وجود السودان في سجل الدول الراعية للإرهاب، مؤكداً دعم بلاده للسودان، ومشيراً إلى أن البلاد التي عبثت بجيوشها عانت كثيراً.
ومن ناحية أخرى، أوضحت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ«الاتحاد»، أن المجلس العسكري الانتقالي والقوى المدنية، وضعا جدولاً زمنياً لتنفيذ اتفاق تقاسم السلطة في البلاد، وسيعلن تشكيل مجلس السيادة يوم 18 أغسطس الجاري، فيما يعين رئيس الوزراء يوم 20 الجاري، ثم يتم تشكيل الحكومة بعد ذلك بـ8 أيام، أما أول اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء بالسودان فسيعقد أول سبتمبر.
وسودانياً، توالى الترحيب بالاتفاق، بينما أعرب حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً الذي كان يرأسه الرئيس المعزول عمر البشير عن رفضه للاتفاق، وقال الحزب «الاتفاق الثنائي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري أقصى كل مكونات الحياة السياسية والاجتماعية بما يعقّد مستقبل الفترة الانتقالية، بممارسات سياسية متوقعة تقوم على الإقصاء والعزل والشمولية». وزعم بيان المؤتمر الوطني أن الاتفاق لم يؤكد على مرجعية الشريعة الإسلامية، وفتح الباب أمام توجهات علمانية.
من جانبه قال مكين تيراب القيادي بحزب الأمة القومي لـ«الاتحاد» إن توقيع الاتفاق هو انتصار حقيقي لإرادة الشعب السوداني، وهو بداية الإنجاز لمطالب الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، وهو كذلك بداية تفاهم يأمل الجميع أن يكون جاداً، ويدفع في اتجاه بناء الدولة المدنية، التي من أولى واجباتها تصفية الدولة العميقة ومحاسبة المجرمين من قيادات الحركة الإسلاموية والمؤتمر الوطني المعزول.
ومن جانبه قال محمد حمد سعيد الأمين السياسي لتحالف قوى نداء السودان لـ«الاتحاد» إن الاتفاق يعتبر مخرجاً مقبولاً، وتسوية سياسية بين الطرفين.
وتوقع أن يواجه تنفيذ الاتفاق العديد من العقبات، بسبب اختراق الإسلامويين لكل أجهزة ومؤسسات الدولة، ولكنه أكد أنه يمكن بمزيد من الصبر والعزم العبور بالسودان إلى بر الأمان. وأوضح أن أفضل ما حققه الاتفاق هو التحول إلى سلطة تنفيذية مدنية، وسيادة دولة القانون بفصل السلطات، وبسط الحريات. وتوقع أن يشهد السودان خلال الفترة القادمة تحولات كبرى إيجابية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وبدوره قال الصحفي والناشط السياسي السوداني أمير أحمد السيد لـ«الاتحاد» إن السودان يتجه الآن بقوة نحو الدولة المدنية، دولة الحرية والعدالة والديمقراطية، وأعرب عن اعتقاده بأن ما تم هو خطوة مهمة جداً نحو وطن يسع الجميع. وأكد أن الاتفاق هو إيذان بانتهاء دولة الإسلامويين، وبداية عهد جديد في السودان يعم فيه السلام، وتصمت فيه أصوات البنادق إلى الأبد.
ومن جانبه قال الكاتب الصحفي السوداني أحمد عبدالحليم خليفة لـ«الاتحاد» إن أبرز ما حققه الاتفاق هو حقن دماء السودانيين، وفتح الآفاق للنهوض بالدولة السودانية، وأكد خليفة أن الاتفاق ضرورة بكل المقاييس، وما يجب أن يعيه الطرفان هو أنه اتفاق شركاء، وليس اتفاق فرقاء.
وقال المحلل السياسي السوداني عبدالمنعم سليمان لـ«الاتحاد» إن أهم أولويات الحكم الجديد في السودان يجب أن يكون إزالة وكنس نظام «الإخوان» من السودان، ويرى أن «الإخوان» سيجندون كل شرورهم من أجل عدم تطبيق هذا الاتفاق على أرض الواقع، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام الشعب السوداني الآن، حتى لا يترك للعابثين والمخربين وقوى الشر من «الإخوان» السبيل ليخربوا هذا الاتفاق التاريخي.
ويرى سليمان أن السودان خرج للتو من مظالم كبرى ونفق مظلم عمره 30 عاماً من القمع والاستبداد واللعب بالدين والحروب والكوارث والمجاعات، ويواجه تحدياً حقيقياً لتغيير هذه الأوضاع الأليمة إلى أوضاع أكثر استقراراً وسلاماً ورخاء، ولاشك أنه يحتاج إلى جهود الدول الشقيقة، الإمارات والسعودية ومصر وغيرها من دول العالم، لمساعدته سياسياً واقتصادياً لمحاربة قوى الشر التي تتربص بإرادة الشعب السوداني.