العراق وأميركا··· الاتفاق مقابل الاستثمار
مع تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية إلى أقل من نصف ما كانت عليه هذا الصيف، ينكب المسؤولون العراقيون والأميركيون هذه الأيام على البحث عن مصادر مالية جديدة من أجل إنعاش الاقتصاد· وفي هذا الإطار ناقش ممثلون للبلدين ومجموعة من العاملين في مجال التجارة الخارجية، في اجتماع عقد مؤخراً، السبل الكفيلة بتحفيز الاستثمار في الشركات التجارية العراقية·
ومعروف أن نحو 95 في المئة من عائدات العراق يأتي من الصادرات النفطية؛ غير أن الحكومة العراقية تقول إنها ستضطر إلى خفض ميزانية 2009 إلى 67 مليار دولار مقارنة مع تنبؤات سابقـــة كانت تحددها في 80 مليار دولار، وذلك نتيجة لانخفاض أسعار النفط·
وفي هذا الإطار يرى وزير المالية العراقي أنه سيتعين تقليص حجم الإنفاق بأكثر من 16 في المئة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تراجع في الموارد المالية اللازمة لإعادة بناء البنى التحتية· وقال المسؤول العراقي إن البلد توصل إلى أنه سيكون في حاجة إلى 400 مليار دولار من أجل إعادة بناء وتأهيل بناه التحتية، وبالتالي فإنه: ''يتعين علينا أن نعمـــل بجد على تنشيط الاستثمارات الخارجية في العراق''·
كما شدد المسؤولون العراقيون على أن التراجع الأخير في أعمال العنف سيجلب الاستثمارات إلى البلاد ويجعلها أكثر أمناً؛ حيث أشار نائب رئيس الوزراء رفيع العيساوي في هذا الصدد إلى أن المستثمرين يستطيعون أن يحققوا أرباحاً من خلال الاستثمار في ''التجربة الفتية للعراق''·
والحال أن الوفد الأميركي إلى الاجتماع المذكور ضم مسؤولين من وزارة الخارجية، إضافة إلى نائب وزير الخزينة روبرت إم· كيميت، ونائب وزير التجارة جون جي· سوليفان· وقد عبر المسؤولون الأميركيون عن دعمهم لإسهامات المقاولات الخاصة حيث قال كيميت إنه يتطلع إلى اليوم الذي تصبح فيه العلاقات بين البلدين قائمة أكثر على التجارة والأعمال أكثر منها على المخاوف الأمنية· غير أنه استغل فرصة الاجتمـــــاع أيضــــاً للتحذير مرة أخرى من أن من شأن التأخر في توقيـــع اتفــــاق أمني مع الولايـــات المتحـــــدة ألا يشجع المستثمرين على القدوم إلى البلاد·
وربما يلزم التذكير بأن الاتفاق، الذي من المنتظر أن ينظم آلية وجود القوات الأميركية في العراق، مازال معلقاً بسبب سلسلة من التعديلات التي يطالب بها العراقيون، وبسبب خلافات حوله داخل الائتلاف الحكومي العراقي نفسه· ومن المعروف أن تفويض مجلس الأمن الدولي للوجود الأميركي ينتهي في الحادي والثلاثين من ديسمبر المقبل· ولذا قال كيميت: ''نأمل أن تنتهي المفاوضات حول الاتفاق الأمني في أقرب وقت ممكن''، مضيفاً: ''وهو ما سيبعث من جديد بإشارة مهمة، ليس في المجال السياسي والأمني فحسب، وإنما أيضاً في المجالين الاقتصادي والمالي، وبخاصة إلى المستثمرين الأجانب''· كما أشار كذلك إلى أن الاتفاق هو واحد من بين عدد من ''التحديات المهمة'' التي مازالت تجعل المستثمرين الأجانب يحجمون عن القدوم إلى العراق، إلى جانب القوانين المعقدة والممارسات البيروقراطية·
ويذكر أن الجنرال ديفيد جي· بيركنز، المتحدث باسم القوات متعددة الجنسيات التي تتزعمها الولايات المتحدة في العراق، كان قد حذر يوم الأربعاء الماضي من أن ''الشراكة'' بين العراق وأميركا إضافة إلى قدوم الاستثمارات الأجنبية إلى العراق سيتأثران سلباً جــراء الافتقــــار إلى اتفاق حول وضع القوات الأميركية في البلاد· ووصف دور الولايات المتحدة بأنه ''ركن'' ضروري لنجاح واشتغال الدولة·
وإضافة إلى ذلك، كان مستثمرون أميركيون قد قدَّمـــوا للحكومـــة العراقية قبل نحو 10 أيــــام مجموعـــة من الوثائق والبيانات التي تحـــدد بالتفصيـــل الأمـــور التي توفرهــــا أميركــــا للعراق في ما يتعلق بالمساعدة الأمنية والاقتصادية والتقنية، وكيف أنــــه سيتعيــــن إنهـــاء كــــــل ذلــــك في حــــال لم يتـــم التوصـــــل إلى اتفاق، هـــــذا حسب ما ذكرته مصــــادر مختلفة من بينها مسؤولون أميركيون وعراقيون، على اطـلاع حســـن·
غير أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رد يوم الخميس الماضي بالقول: ''إذا كانوا هم أو غيرهم يعتقدون بأن قرار العراق يمكن التأثير عليه من خلال الابتزاز، فإنني أعتقد أن ذلك ضرب من ضروب الوهم''·
سعاد الصالحي
كاثرين زوف - بغداد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز