محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

كتب أحد أهم رواد مسرح العبث «الملقب بـالإيرلندي الصامت» صمويل باركلي بيكيت 1906- 1989 ثلاثيته الأدبية النثرية الشهيرة: (مولوي، مالون يموت، اللامسمى)، بين سنتي 1946 و1950، وعدّها النقاد آنذاك واحدة من أهم وأعمق الأعمال الأدبية في القرن العشرين، إلاّ أن روايته «مولوي» الصادرة عام 1951، اكتسبت شهرة استثنائية واستحوذت على اهتمام عالمي غير مسبوق، سواء على مستوى ترجمتها إلى أكثر من 20 لغة، حتى إنّ بيكيت نفسه الحائز جائزة نوبل 1969، قام بترجمتها إلى الإنجليزية بالمشاركة مع الناقد باتريك بولز، وصدرت عن دار نشر «فابر» الإنجليزية.
تدور أحداث الرواية حول شخصيتين تعيشان أزمة عدم التكيّف مع الواقع، ولكل منهما معاناته الداخلية والنفسية، وإن كانا متشابهين في الأفكار والأحلام ومرارة العيش، إلا أنهما لا يتقابلان وجهاً لوجه في أحداث الرواية، لأن كلاً منهما يعيش في مكان آخر، ولعل هذا هو سر إبداع ومهارة بيكيت في صياغة أعمال أدبية نثرية رفيعة وغير تقليدية، وتعتبر الأكثر عمقاً وجوهرية.
فقد اشتغل بيكيت في «مولوي» على لغة الحد الأدنى، تقريباً، على ما سيصبح لديه لغة الصمت، حيث الفراغ بين الكلمات والربط بين التعابير يحتلان المكانة الأولى في السياق اللغوي. ومن هنا مسعى بيكيت لتوظيف الحد الأدنى من الكلمات للتعبير عن الحد الأقصى من المواقف والعلاقات، ما دفعه إلى ابتكارات لغوية، وإلى استخدام كل إمكانات الصمت.
وفي الترجمة الصادرة مؤخراً في القاهرة، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب لرواية «مولوي» حافظ المترجم عبده الرّيس بدقّة شديدة على ما قدّمه بيكيت في هذه الرواية الممتعة من بحثه الأهم في ذلك الشكل الحفري فن «العجز» و«الجهل» حيث استكشاف طبيعة النفس والذاتية والدافع، وعواقب العزلة الإنسانية بإبداع رائع، وبخاصة كتابة «الفكاهة السوداء».