أصبحت وسائل تناقل الأخبار والمعلومات السارة والسيئة أوفر وأسرع من أي وقت مضى بسبب تعدد التقنيات والوسائط المتعددة، وأضحت معها الكرة الأرضية قرية صغيرة يطلع بعضها على أخبار بعض. وأصبح الناس في الوقت الراهن يميلون إلى استخدام هذه التقنيات والوسائط الإلكترونية للتواصل في جميع مناحي الحياة، المهنية والشخصية والصحية، وظهرت الصفحات الإلكترونية الشخصية والبريد الإلكتروني والفيس بوك والتويتر والمدونات وأضحى الناس يتشاطرون معلوماتهم متى وكيف يحلو لهم، وأصبح بإمكان أي شخص أن ينشر أي معلومة بسرعة قياسية، غير أن النقاد من متابعي ومحللي محتوى هذه المعلومات يرون أن ناقلي المعلومات التي تعني عدداً كبيراً من الناس يحتاجون مقاربة شخصية ولمسات إنسانية خاصة. بعد اكتشافها بأنها مصابة بمرض سرطان الثدي، وجدت إلدرلين كاسياس نفسها في حيرة ليس في أي العلاجات تتبع، وإنما أيضاً في كيفية إخبار أصدقائها وأقربائها بهذا النبأ السيئ. وتقول «مجرد تفكيري بإخباري عائلتي وأصدقائي جعلني أشعر بالضيق. فهذا الخبر ليس كغيره من الأخبار، إنه موضوع حساس، فأنا أعلم أن مناقشته بشكل متكرر ومستفيض سيرهقني. فأحياناً يعجز لسان الإنسان عن التواصل بوضوح مع من حوله والبوح بما يريد». وبمجرد أن علم أحد أقارب إلدرلين بخبر مرضها، اقترح إنشاء صفحة إلكترونية بالتنسيق مع منظمة «كيرين بريدج» ذات النفع العام والتي تتيح للمصابين بالأمراض المزمنة مثل السرطان إمكانية تصميم صفحة إلكترونية بالمجان، حتى يتسنى لهم تقاسم معلوماتهم وصورهم ومستجدات حالتهم وتطوراتها مع الأشخاص ذوي الصلة. ونظراً لقنوات التواصل الهائلة التي أتاحتها هذه الوسائل الإلكترونية مثل الفيس بوك والتويتر، فإن عدد المرضى المستخدمين لهذه المواقع للمناقشة وتقاسم أخبارهم وأنباء تطور حالاتهم الصحية صار مفيداً لمجتمع المرضى. ولا شك في أن هذه الوسائل الإلكترونية جعلت تناقل الأخبار السيئة أو الصادمة أيسر من الطرق التقليدية المباشرة التي كانت تضطر الشخص إلى تحمل العناء النفسي والعبء العاطفي لإخبار أقاربه بنبأ ما. كما أن تناقل خبر ما بهذه الطريقة يكون أنجع وأكثر فعالية وأقدر على تعبئة الجمهور وكسب دعمهم ومؤازرتهم. وخلال دراسة حديثة أجرتها الدكتورة ليزا جواتلتييري، أستاذة في برنامج الاتصال الصحي في كلية الطب بجامعة توفتس، واستهدفت فيها المرضى المستخدمين لهذه المواقع والمدونات والمنتديات وكيف يتداولون تفاصيل مراحل مرضهم ورحلاتهم العلاجية، فخلصت إلى أن هذه القنوات سلاح ذو حدين، خاصةً بالنسبة للمتلقين للمعلومة. مرسلو المعلومة تقول كاسياس «إن حصولي على تلك المعلومات في مرحلة حرجة من مرضي كان مفيداً جداً بالنسبة لي، كما أن الدعم المعنوي الذي تلقيته ساعدني على التعافي. فقد كنت أشعر بقدرتي أكثر على مواجهة المرض وكيفية السيطرة عليه. وكنت قادرة بفضل هذه المعلومات على فهم ما يحدث لي». وتضيف كاسياس بالقول إن الإحساس بالقدرة على السيطرة على المرض أمر في غاية الأهمية، خصوصاً في المراحل الأولى التي يشعر معها المريض بعدم قدرته على السيطرة على جسده. ومن بين فوائد الاتصال الإلكتروني أيضاً أنها تمنح مرسل المعلومة الوقت الكافي لصياغة رسالته بالطريقة الأنسب والملائمة لكل مقام ونوعية المتلقي. كما أن الملتقيات الإلكترونية تجعل الشخص يشعر بالمسؤولية تجاه من يحب. فموقع whatFriendsDo.com على سبيل المثال يتيح للأصدقاء تنسيق الجهود فيما بينهم لمساعدة شخص ما على التعافي من أزمة مرضية لحقت به. ويقول مؤسس هذا الموقع، إيمي كاندراك، «هذا الموقع هو موقع الفعل وأخذ المبادرة العملية». من جهته، يستخدم ليي دوورشاك موقعاً لدعم صديقه «مارتي أندرسون» الذي فقد ساقيه في حادثة في الحصول على كرسي متحرك. ويقول دوورشاك إن هذا الموقع كان رداً مثالياً، فهو يتيح لمستخدمه القيام بكل شيء، استجلاب واستقطاب فرق الدعم والمؤازرة، إرسال المستجدات حول صحته، وتنسيق الجهود لمساعدته». ويتيح هذا الموقع أيضاً ربطه مع المواقع الخاصة بجمع التبرعات للمرضى المعوزين، وقد تمكن دوورشاك من جمع 3.400 دولار لاقتناء جهاز كمبيوتر لأندرسون ودفع إيجار شقته ومصاريف أخرى. مستقبلو المعلومة لقد أفادت وسائل الاتصال الحديثة مستقبلي المعلومة بقدر ما أفادت مرسليها. وتقول شيري توركل، باحثة اجتماعية، «خلال فترة مرض شخص ما لفترة طويلة، يحتاج أقاربه وأصدقاؤه إلى معرفة أخباره أولاً بأول من دون أن يشعروه بأنهم متطفلون على خصوصيته». وهذا هو الدور الذي تضطلع به المدونة أو موقع الفيس بوك، فهو يخبر الأصدقاء والأقارب بانتظام بما قد يتساءلون حوله فيما يخص مستجدات صحة المريض القريب منهم بطريقة محترمة وراقية. وتقول صونا مهرينج، مؤسسة منظمة كيرين بريدج، عندما يتم تشخيص حالة مرض مزمن، فإن عدد مرات اتصال الناس بهم ينخفض إلى النصف لأنهم لا يرغبون في إزعاج المريض». ولذلك فإن هذه المواقع تكون مفيدة، بحيث تنشئ كماً هائلاً من المعلومات والبيانات وتتيح بذلك الفرصة للناس الذين قد يكونون غير مرتاحين بإجراء اتصال هاتفي شخصي أو القيام بزيارة شخصية للمريض للاطمئنان على صحته ومؤازرته من دون التسبب له في أي جرح عاطفي. وعندما أطلقت ميهرن منظمة «كيرين بريدج» عام 1997، قال بعض الناس إن القنوات التكنولوجية ستجعل العلاقات الشخصية أبرد وأقل حميمية، غير أن الذي حصل هو عكس ذلك، فهذه القنوات أدت إلى تقوية العلاقات أكثر نظراً لإتاحتها تقديم الدعم والمؤازرة والمواساة بطريقة حضارية وراقية وأقل تسبباً في جرح مشاعر شخص ما بسبب خيانة لسان أو ارتباك أو ما شابه ذلك. كما أن وجودها لم يلغ الزيارات الشخصية، بل أدى إلى زيادتها إلى جانب زيادة الاتصالات الهاتفية. وهذا ما حصل مع كاسياس، إذ تقول إن الموقع الإلكتروني قوى علاقتها مع الأقارب والأصدقاء ووسع دائرة داعميها معنوياً. وتقول سوزان فليتشر، عالمة نفسية في تكساس، «إن الملتقيات الاجتماعية الإلكترونية الخاصة بالمرضى تمنح الشخص، الذي يعاني أزمة ما، مواساة عاطفية ودعماً معنوياً يساعده على التعافي ويعجل بعلاجه». وتضيف «لا بد أنه سبق لأي واحد منا أن قام بإرسال رسالة إلكترونية إلى شخص ما لأنه شعر بالإحراج من مخاطبته هاتفياً أو وجد الأمر أثقل على لسانه من القيام بذلك إلكترونياً. فالتواصل من خلال رسائل مكتوبة أفضل من التواصل وجهاً لوجه عندما يتعلق الأمر بأمر محرج أو خبر سيئ أو نبأ جارح». نقل الأخبار السيئة لا أحد يرغب في نقل الأخبار السيئة، لكن الجميع يضطر إلى ذلك في هذه الحياة التي تعج بالأخبار السعيدة والتعيسة. فعندما ماتت والدة زاك كيرشنر بسبب السرطان، أخبر بنبأ وفاتها من خلال موقعي التويتر والفيس بوك، لكنه قام قبل ذلك بالاتصال بأصدقائه وأقربائه. ويقول «إجراء مكالمات هاتفية في مواقف كهذه يكون أمراً صعباً، وقد كنت سعيداً باستطاعتي نقل الخبر لأكثر من 50 شخصاً من دون تحمل تكرار القيام بذلك شفاهة وتحمل التيارات والشحنات العاطفية التي كانت سترافق كل اتصال منها». ويبقى الأمر مع ذلك سجالياً، فميشيل مور الخبيرة المعروفة بمهنيتها العالية في تقنيات الاتصال في ولاية أوهايو تقول إنها علمت بنبأ وفاة خالتها عن طريق الفيس بوك. وقالت معلقةً على ذلك «كان علمي بنبأ وفاة خالتي عن طريق الفيس بوك أمراً مريعاً وغير إنساني أن يعلم الإنسان بخبر كهذا من خلال وسيلة إلكترونية». لكنها قالت إن معرفة خبر وفاة صديقة قديمة لها درست معها من خلال أصدقاء الفيس بوك لم يزعجها بل على العكس، وتضيف لا بأس من إخبار الآخرين بنبأ سيئ عن شخص ما إذا لم يكن قريباً منك، لكن إذا كان هذا الشخص من المقربين جداً مثل أفراد الأسرة، فإن الأمر يختلف ويكون الأمر أكثر إنسانية الإخبار به شفاهةً». وتضيف «إن درجة القرب من الشخص بالغة الأهمية في هكذا مقامات». عن “لوس أنجلوس تايمز”