مفاجأة القرن، مع أنه لا يزال في بداياته، ستكون في فوز جون ماكين، لمَ لا، فهذا قرن المفاجآت السارة، بعدما دُشَّن بفوز جورج دبليو بوش على رغم كل شيء، اضطرت المحكمة العليا للتدخل إنقاذاً لهذه الهدية التي تلقفها العالم بكامل الرضا طالما أن آل جور لم يكن مقنعاً ولا مستحباً· بعد سبعة أعوام قدم العالم لهذا الأخير جائزة نوبل كفارة واستغفاراً، وها هي مؤسسة ''جالوب'' للاستطلاعات تدفع بأرقام تأييد لباراك أوباما تظهر أن العالم لا يريد أن يُلدغ مرتين، ومع ذلك قد تأتيه اللدغة من الناخب الأميركي، ولو من قبيل الاعتراض على التدخل الخارجي في الشؤون الأميركية· كما لو أن الولايات المتحدة باتت صنواً لـ''العراق'' أو كأن العالم أضحى صنواً لـ''إيران'' المتدخلة جداً جداً لمنع اتفاق أميركي- عراقي لابد منه· سيكون في إمكان ''ماكين''، إذا خسر، أن يذهب للإقامة في جورجيا الساكاشفيلية، فهذه كانت البلد الوحيد الذي صوَّت لمصلحته، ولو بنسبة بالغة التواضع· واستناداً إلى تقارير رصينة تحدثت عن ضغوط ساكاشفيلية على حرية التعبير في جورجيا، ليس مستبعداً أن يكون استطلاع ''جالوب'' فيها تعرض للتلاعب، لكن مواقف ''ماكين'' واضحة الشدة حيال روسيا يمكن أن تقصي هذا الاشتباه· على أي حال يعاني المرشح ''الجمهوري'' من أعراض داء لم يلم بأي مرشح سبقه، ذاك أن المعركة تبدو كأنها حسمت، لم يعد له أمل إلا في الرهان على معجزة، أو مفاجآت يمكن تخيّلها ولا يمكن افتعالها ولا التحكم بها· أين أنت يا أسامة بن لادن؟ أين خطابك اللذيذ تعلن فيه مباركتك وتأييدك لـ''أخيك'' باراك بن حسين، وأين رجالك الأبطال يقدمون على أي عمل إن لم يكن تزكية لجون ماكين فأقله وداعاً لجورج دبليو بن جورج اتش· بالأمس أعلن أن بن لادن يعد كتاباً عن ''القاعدة'' يا لهذه الانشغالات السقيمة، ألم تحبك معه فكرة الكتاب إلا الآن· هل نسي أن عليه واجب إرشاد الشعب الأميركي إلى أي جبهة يميل عندما يدلي بصوته؟ وهل نسي فضل ''الجمهوريين''عليه؟ أين الوفاء والمروءة؟ وما الذي سيجنيه من سكوت أخرق قد يساهم بوصول أميركي- أفريقي مجهول السيرة والأصول والديانة إلى البيت الأبيض· المشكلة أن ''عنصر'' بن لادن، أو ''القاعدة''، لا يفارق حسابات السباق الرئاسي هذا، خصوصاً أن زعيم التنظيم تدخل مرتين في الشؤون الأميركية· في الأولى رجّح كفة جورج بوش ضد جون كيري محتفظاً بالأول في البيت الأبيض، وفي الثانية رجح كفة ''الديمقراطيين'' في مجلسي الكونجرس، ولعله لم يشأ نصرة ''الديمقراطيين'' وإنما أراد تنكيد عيشة بوش في نهاية ولايته الثانية· وحتى عندما اعتقد الأخير أنه رد الصاع لبن لادن عبر قهر ''القاعدة'' وتطفيشها من العراق، جاء الرد عبر انتفاضة ''طالبان'' في أفغانستان، وهكذا··· فالحرب سجال، سواء كان النزال عسكرياً أو سياسياً· وفي الوقت الذي ينقّب فريق حملة ماكين عن حلول اللحظة الأخيرة، فإن العنوان الوحيد الذي يتطلع إليه هو أسامة بن لادن، المنقذ الذي قد يأتي وقد لا يأتي، وليس مهماً من يفضل العالم، المهم من يحظى بالتفاتة من أسامة· لكن الأمر قد يكون استشكل أيضاً على بن لادن، فهو يستطيع الاعتقاد -ولن يكذبه أحد- أنه أنجز المهمة مع ''الجمهوريين'' حتى الثمالة، بدليل أن تدمير برجي مركز التجارة العالمي، بدا كأنه نذير الأزمة المالية، فلماذا لا يستدير الآن لهزيمة ''الديمقراطيين؟؟ · لكن ظاهرة أوباما محيّرة، ولعلها استبقت احتمالات تدخله، فأسامة لا يجيد التعامل مع مسألة العنصرية، فـ''القاعدة'' تضم الأبيض والأسود والما بين- بين، أي أنها عابرة الألوان، تماماً مثل أوباما، إنها إشكالية إذا، لكن لها حلاً، هو أسود، نعم، لكنه ليس كثير السواد، وهو ليس أبيض طبعاً لكن أفكاره وأطروحاته بيضاء· أما الآخر، ''ماكين''، فلا شك أبداً في أنه أبيض، لكن أفكاره وأطروحاته سوداء· وطالما أن ''القاعدة'' لا تمارس التمييز العنصري، فإنها تواجه الآن فرصتها لإدارة ''حرب الأفكار'' مع تفضيلها الثابت والأكيد للأفكار الظلامية! عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن