إبراهيم الملا (الشارقة)

كثيرة هي الأعمال المسرحية المستندة على مسرحيات أخرى وعلى نصوص وأفلام وملاحم وحكايات عالمية ذات المنشأ المبتكر والأصيل، وذات الصيت الذائع، والحضور الباهر، في معيّة الاحتفاء الجماهيري، والالتفات النقدي على مرّ التاريخ وتعاقب الأزمنة. ومثل هذه الإبداعات القارّة في الذاكرة الفنية والجمعية لابد وأن تصدّر وهجها وحمولاتها وحساسياتها الجمالية العالية لمبدعين لاحقين ضمن آلية التأثير والتأثر، وما ينتج عنها من اقتباس وتناص في المساحة المشروعة لتداخل الأفكار والاستفادة منها، في مقابل المنطقة المحرّمة للاستنساخ والتطابق التي تدين الكاتب والمخرج وتقلّل من القيمة الإبداعية لأعمالهما.

النقاء التام.. مستحيل
وحول هذه الإشكاليات المتعلقة بالاقتباس، وبالتجاوزات التي يمكن أن تثير لغطاً حول أعمال معينة في المشهد المسرحي الإماراتي، واتهامها بالاستنساخ الكامل لأعمال أخرى، يشير المخرج «إبراهيم سالم» إلى أهمية التفريق والفصل بين التأليف والإعداد، وبين اقتباس الأفكار، واستنساخ الأعمال، لأن الأفكار مطروحة في الطرقات، ويمكن استثمارها والبناء عليها بشكل إبداعي مختلف، بينما الاستنساخ الكامل والتفصيلي هو المرفوض والمدان هنا، وأكّد سالم أنه لا يوجد عمل إبداعي نقي تماماً، ومتخلص بالكليّة من التأثر بمشاهد وقراءات مختزنة في لاوعي الكاتب أو المخرج، مضيفاً أن جدّة العمل وبعده النوعي تنبع من التأليف الجديد، والخروج بدلالات ورؤى ورسائل تنجو بنفسها عن مكونات وحيثيات العمل الأصلي، وأوضح سالم أن لجوء بعض المؤلفين المسرحيين للاقتباس من أعمال أخرى يكون مردّه أحيانا الرقابة الذاتية المبالغ بها فيما يخصّ حرية التعبير عند تأليف النصوص الأصيلة والخاصة، ما يدفع المؤلف للاقتباس باعتباره منفذاً للتحرر من الحذر الشديد، عند التعاطي مع قضايا اجتماعية حسّاسة وجريئة لا يمكن التطرق لها بشكل مباشر.
وطالب سالم بضرورة إنشاء ورش للتأليف المسرحي وتبني المواهب الواعدة من قبل الكتّاب المخضرمين، من أجل تجاوز مأزق الاقتباس المتكرر، وقال إن العمل الجماعي وتبادل الأفكار مع ممارسة الكتابة والاستمرار فيها يمكن أن تنشئ جيلاً جديداً من كتاب المسرح الإماراتيين القادرين على تكوين بنك للنصوص يستطيع المخرج الإماراتي الاستفادة منها واستثمارها.

هروب
أما المؤلف والمخرج المسرحي «مرعي الحليان» فيرى أن الإشكالية المتعلقة بالاقتباس من أعمال أخرى في المسرح الإماراتي، تنبع من عدم فهم آلية وطبيعة هذا الاقتباس، فعندما يعجب المؤلف أو المخرج المسرحي بفكرة عرض أو فيلم أو نص شاهده وقرأه وتأثر به وحرّك في دواخله رغبة في نقل الفكرة إلى قالب محلّي ووضعها في إطار خاص ومستقل، فإنه هنا يقوم بفعل إبداعي مختلف يلامس عناصر التأليف والبناء والتصوّر والاشتقاق والتطوير، ويدخل في باب التثاقف والتأثير، ولكن عندما يتم الاجتزاء الحرفي ونقل تفاصيل العمل الأصلي واستنساخه شكلا وموضوعا وأداءً دون الإشارة إلى المصدر فإن هذا الأمر يضع المؤلف والمخرج في موقف مغاير تماماً مقارنة بمشروعية الاقتباس الفني التي يتم فيها ذكر المصدر الأساسي الذي تم استلهامه والاستناد إليه.
ولفت الحليان إلى أن المسرح هو المساحة الخصبة لتأمّل حياتنا وذواتنا، وهو مرآة المجتمع، وأن المتلقي يذهب للمسرح ليرى انعكاسات واقعه ويومياته على الخشبة، ولكن المفارقة - كما قال- تكمن في انفصال أغلب كتّاب النصوص المسرحية الإماراتيين عن الواقع المحيط بهم، ولجوئهم للاقتباس من أعمال تخاطب مجتمعات وبيئات أخرى كنوع من الهروب الافتراضي، وعدم مجابهة القضايا المحلية الآنية والراهنة التي يعيشها الجيل الجديد والذي تختلف انشغالاته وانفعالاته عن ما هو راسخ في الذاكرة الشخصية القديمة للمؤلف المسرحي المحلي.

فتش عن التلفزيون
ويرى المخرج المسرحي أحمد الأنصاري أن مسألة الاقتباس تتطلّب جهداً تخيّلياً مختلفاً يواكب شروط العرض المسرحي، وأضاف: «الاقتباس في المسرح يجب أن يكون عملاً إبداعياً مستقلاً ومنفصلاً عن العمل الأصلي، وإلاّ سيكون مشوّها وعاجزاً عن إيصال فكرته الأساسية»
مؤكداً أن ذكاء المؤلف هو الذي يصنع الفارق عندما يسقط القضايا المطروحة في تلك الأعمال على الواقع المحلي، وضرب مثلاً بالكاتب ناجي الحاي الذي قام بتحويل رواية «طفل الرمال» للطاهر بن جلون إلى مسرحية بعنوان «أحمد بنت سليمان» قدمها في أجواء شعبية خالصة، وقام بجهد مميز في تأليف نص مغاير للرواية.
ونوّه الأنصاري إلى أن انسحاب عدد من الكتّاب المخضرمين مؤخراً عن المشهد المسرحي وانشغالهم بالدراما التلفزيونية كان له دور كبير في صنع الفراغ التأليفي المرتبط بالبيئة والمكان، وبالتالي أدى الأمر إلى لجوء الكتاب الشباب والجدد إلى الاقتباس وأحيانا الاستنساخ من أعمال أخرى لملء الفراغ وتعويض هذا الغياب.