المشكلة: عزيزي الدكتور : أنا شاب في الثلاثين من العمر، متزوج منذ سبع سنوات ولي طفلين واثنين من الإخوة أكبر مني سناً، وهما متزوجان ولهم أولاد. وكلاهما يعيش في بيته المستقل مع أسرته. ووالدتي توفت إلى رحمة الله منذ ثلاث سنوات، وكانت تعيش في بيت مستقل مع والدي. بعد وفاة والدتي اضطر والدي المسن “85 سنة” أن ينتقل للعيش متنقلاً بين بيوت أولاده الثلاثة، وهنا بدأت مشكلتي مع زوجتي. فعندما يأتي والدي للعيش معنا، فان زوجتي لا تعامله المعاملة اللائقة ، وفي بعض الأحيان لا تحترمه كما يجب، وقد يصل الأمر إلى مشادة كلامية بينهما. صحيح أن والدي أحياناً يتعصب بحكم سنه، لكنه يحتاج إلى معاملة خاصة دون تأكيد، وليس هناك المبرر لزوجتي بأي حال، فطاعته وراحته واجبة. ودون ذلك لن يوفقني الله في حياتي، وأخاف من عقابه في آخرتي، فالأجر الكبير والطاعة الحقيقية لا تكون إلا وهو في هذا السن مصداقاً لقوله تعالى:” إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا”. صدق الله العظيم. فأنا لا أستطيع تحمل تصرفات زوجتي وأدخل معها في مشاكل كبيرة وكثيرة ومتكررة بشكل يومي، مما ينغص علينا حياتنا ويؤثر على عملي وحالتي النفسية. حاولت تعديل زوجتي بشتى الطرق لكن دون جدوى، وحاولت نصحها وتخويفها من عقاب الله عز وجل وتذكيرها بأن لدينا أطفالا، وانه لن يطيعونا عندما نكبر، وحاولت توبيخها بشدة وعدم مخاطبتها عدة أيام، وحاولت هجرها طويلاً وتهديدها بتركها إذا لم تتغير، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل وتدعي أن هذا ليس بقصدها وخارج عن إرادتها، حيث أنها لا تستطيع تحمل طباع والدي الكبير في السن، وإذا كنت أريد طاعة والدي فيجب ألا يعيش معنا، وان يذهب للعيش عند إخوتي فقط، ونذهب لزيارته والاطمئنان عليه هناك حيث أن بقاءه عندنا سيؤدي إلى عصيانه وكثير من المشاكل. المهم أن المشاكل استمرت بيننا، ولا تأتي المشاكل إلا عندما يأتي والدي، وفي المرة الأخيرة لم أستطع التحمل، وأخذت زوجتي لبيت أهلها منذ أكثر من شهر، وكن صارماً معها، وعزمت ألا تعود إلا إذا تغيرت. لكن في داخلي أريدها كما أريد أولادي بالطبع، ولا أستطيع فراقهم، لكنني سأتحمل من أجل والدي، لكنها ما زالت تصر على موقفها، وأنها لن تعود إلا إذا ذهب والدي عند إخوتي، وتدعي أن إصرارها هذا هو طاعة لوالدي، لأنها لا تريد أن تعود لعصيانه مجددا، أو تتسبب في حدوث المشاكل معه، حيث أن الأمر خارج عن إرادتها ولا تستطيع تحمل طباعه. أنا في المقابل مصر على رأيي بألا تعود إلا إذا تغيرت في وجود والدي معنا، رغم أنني في الحقيقة لا أستطيع تحمل فراقهم. وفي الوقت نفسه لا استطيع تحمل تصرفات زوجتي وعصيان والدي. أنا الآن محتار، ولا أدري ماذا أعمل؟ وكيف أتصرف أفيدونا جزاكم الله خيراً وجعل ذلك في ميزان حسناتكم. أبو نواف النصيحة: أخي الفاضل .. أحيي وعيك ونضجك وبرك لوالدك. وهذا ما نأمله منك في أن تثبت عليه، وتلتزم بطاعته. واجتهد ألا يصرفك صارف مهما كانت التحديات والضغوط الأسرية والنفسية، ولا تستسلم ولا تضعف مطلقا مهما كانت التحديات، فأنت على حق إن شاء الله. فقد يكون ما تتعرض له ابتلاء نسأل الله لك اللطف فيه، وأن تؤجر به، وتخرج قوي العزيمة، صلب العود، جامعا بين البر بالوالد وصيانة أسرتك وحمايتها من التفكك. فلا داعي للحيرة، فلا مجال للمساومة في شأن طاعة الوالد والبر به، لكن عليك أن تدرس الأمر بعمق وروية مع زوجتك ووالديها، ومع من تثق فيه ممن له تأثير عليها خاصة من النساء الفضليات من المصلحات الداعيات، ولا تغفل عن استشارة أهل العلم والتقى الذين لهم معرفة بحالك وبيئتك. كما يمكن أن تتفقا على خطة تقتضي اهتمامها ببيتها وبأبنائها، والتزامها بتوقير الوالد وأن تتجنب المواجهة معه، وأن تجهد نفسها في التغافل عن طباعه وتصرفاته مراعاة لسنه، إن كانت تتضايق منها، وتنبهها على أن من طاعتها لك احترامها لوالدك. وإذا تعذر تفهمها واستعدادها فقم أنت بالرعاية المباشرة له، ولا تترك الأمر لأحد لا لخادم ولا لغيره ما دام مقيما في بيتك، إلا في أضيق الحدود. وأَثبِت له أنك كفيل بتوفير ما يحتاجه من صنوف وصور البر والإحسان. وفي نفس الوقت لا توقف محاولاتك المتكررة معها من أجل احترام وتوقير والدك والإحسان إليه، خاصة بعدما ذكرت أنها تقول إن سلوكها خارج عن إرادتها، ولا بأس بعرض حالتها على مختص يساعد في علاجها التربوي والنفسي، وإذا ثبت أنها مريضة نفسياً أو أنها هي نفسها ذات طباع حادة، لا تستطيع التحكم فيما يصدر عنها، فاسع لدعمها حتى تتجاوز هذه الحالة عسى أن يأتي الله بالفرج. وما دامت هي في بيت والديها فلا تقطع الصلة بها وبأطفالك، واستعن بالصبر والصلاة وجميل الدعاء أن يوفقك للموازنة بين طاعة والدك ولَمِّ شملك بزوجتك وولديك. وثق أن الله سيوفقك لا مناص ولا جدال في ذلك. إن البر بالوالدين لا يعادله ولا يساويه فضل أو توفيق. واحمد الله أن أعطاك هذه الفرصة لبر والدك لتثاب عليها خيراً في الدنيا والآخرة.