دينا محمود (لندن)

تصاعدت الضغوط الداخلية على الحكومة الصومالية، لإجبارها على إجراء تحقيقات واسعة وشفافة لكشف النقاب عن مدى تورط النظام القطري في عدد من الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد مؤخراً، ومن بينها تفجير انتحاري وقع في ميناء بوصاصو في مايو الماضي، وكشف تقرير لـ «نيويورك تايمز» مؤخراً عن أدلة قاطعة تؤكد ارتباط منفذيه بـ «نظام الحمدين» من خلال اتصال هاتفي جرى بين السفير القطري لدى الصومال حسن بن حمزة هاشم، ورجل أعمال يدعى خليفة كايد المهندي مقرب من أمير قطر تميم بن حمد يقر بذلك، سعياً لترهيب المستثمرين الإماراتيين وتحويل تعاقدات لصالح النظام القطري.
وطالب سعيد عبد الله ديني رئيس ولاية «بونتلاند» الصومالية بأن تفتح حكومة مقديشو وبرلمانها تحقيقاً رسمياً وشاملاً في الاتهامات الخطيرة الموجهة لقطر، بشأن التفجير الذي نفذ باستخدام سيارة مفخخة، وقال: «أدعو لجنتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب في الصومال إلى إجراء تحقيق موثوق به في تقرير نيويورك تايمز، مضيفاً «أنا لا أقول إن ما ورد في التقرير هو الحقيقة النهائية، لكنه عزز الشكوك التي كانت لدى الكثير من الناس في الماضي، بأن العديد من الأعمال التي تقوض الأمن كانت مدبرة خارج بونتلاند».
وأضاف ديني، في بيان شديد اللهجة، أنه على الرغم من أن حكومته تقاتل من أجل احتواء خطر الإرهاب، فإن هناك قوى أجنبية تعمل في اتجاه معاكس لهذه الجهود، ما يشكل اتهاما صريحا للنظام القطري في هجوم مايو وغيره من أعمال العنف التي ضربت بوصاصو. ونقل موقع «جارو أون لاين» الإلكتروني عن ديني اتهامه للقوى نفسها، بالوقوف وراء الهجوم الذي وقع في بوصاصو في فبراير الماضي، وأسفر عن مقتل بول أنتوني فورموزا رئيس الشركة المسؤولة عن تطوير ميناء المدينة، وهي شركة تابعة لموانئ دبي العالمية.
ويمثل بيان رئيس ولاية «بونتلاند» أوضح اتهام من نوعه توجهه جهات صومالية رسمية إلى قطر بالتورط في قتل فورموزا الذي يحمل الجنسية المالطية، كما يشكل تكذيبا واضحا للنفي الذي صدر عن نظام تميم بن حمد، لما نُشر في «نيويورك تايمز» بشأن ضلوع الدوحة في الاعتداء الذي وقع في مايو في بوصاصو. فتصريحات ديني ومطالباته بالتحقيق الفوري والكامل في تقرير الصحيفة، تجاهلت تماماً بيان النفي الذي صدر عن الدوحة وتنصلت فيه من المهندي، زاعمة أنه لا يمثلها ولم يكن مستشاراً لها من أي نوع، وهو البيان الذي تغاضت فيه السلطات القطرية عن التعليقات التي وردت على لسان سفيرها خلال الاتصال، وبدت ترحيباً ضمنياً بهجوم بوصاصو الذي وقع أمام مقر المحكمة البلدية في المدينة في 11 مايو الماضي.
كما تجاهل البيان القطري الذي لم يشكك في صحة الاتصال بأي وجه من الوجوه التعقيب على الأدلة التي تحدثت عنها «نيويورك تايمز»، وتثبت قوة العلاقة بين المهندي وأمير قطر، ومن بينها صور تجمعهما في مناسبات عدة، ورسائل نصية تؤكد قيامهما برحلات خارجية معا. وأبرز موقع «أول أفريكا» الإلكتروني، الذي تناول هذا الملف بدوره، التناقض الشديد بين نفي سفير قطر لدى مقديشو معرفته برجل الأعمال القطري المشبوه، وقول المهندي نفسه إنه كان والسفير زميلي دراسة. وأشار في تقرير حول الفضيحة القطرية الجديدة إلى أن التسجيل الصوتي الأخير لا يؤكد فقط علاقة «نظام الحمدين» بالتفجير الذي وقع أمام محكمة بوصاصو، وإنما يبرز صلة الدوحة بهجوم فبراير الذي أودى بحياة فورموزا، والذي كانت «حركة الشباب» الإرهابية أعلنت مسؤوليتها عنه، في محاولة لإبعاد الأنظار عن تورط قطر في الهجوم.
واستنكر الموقع التبرير المضحك الذي قدمه رجل الأعمال القطري لاستخدامه وصف «أصدقاء» للحديث خلال الاتصال المثير للجدل عن منفذي الهجمات الإرهابية في بوصاصو، ساخراً من قول المهندي إنه لجأ إلى هذا الوصف لأنه يعتبر أن «كل الصوماليين أصدقاؤه»!. ولم يغفل أيضاً تسليط الضوء على ما ورد في الاتصال الهاتفي من تأكيد رجل الأعمال القطري نفسه على صلاته الوثيقة بالرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الذي يُوصف على نطاق واسع بـ «دمية» قطر في «فيلا صوماليا» (اسم قصر الرئاسة في مقديشو).
وجاءت مطالبة رئيس ولاية «بونتلاند» بفتح تحقيق فوري بشأن الأدلة التي نشرتها «نيويورك تايمز» وتثبت دعم قطر للإرهاب في الصومال، غداة دعوة مماثلة وجهها حزب «ودجر» الصومالي المعارض للبرلمان بإجراء تحقيقات حول الدور القطري المشبوه في هذا الصدد. وكانت أوساط استخباراتية غربية أكدت مؤخراً أن قطر تعتبر الصومال ساحة لمغامراتها منذ أكثر من ربع قرن، وذلك تحت ستار العمل الإغاثي والخيري، وأنها تستغل عملاءها في مقديشو وعلى رأسهم فهد ياسين المراسل السابق لقناة «الجزيرة» في العاصمة (المقرب من حركتي الشباب والإصلاح الإرهابيتين) لتجنيد شبان هذا البلد وجعلهم بمثابة «فيلق» تابع للجيش القطري.

الهيل: نظام تميم مفضوح
أكد المعارض القطري خالد الهيل، العلاقة الوثيقة التي تربط رجل الأعمال خليفة كايد المهندي، المرتبط بتفجيرات مدينة بوصاصو الصومالية، وأمير قطر تميم بن حمد، لافتًا إلى أن تسريبات «نيويورك تايمز» التي كشفت وقوف قطر خلف أعمال إرهابية في الصومال جزء بسيط مما قد تم رصده من عمليات قذرة وموثقة. وقال عبر حسابه في «تويتر»، «مشكلة أمن الدولة في قطر، يعتقدون أنهم أذكياء ويستطيعون تنفيذ أجندتهم من غير أن يعرف أحد أو من غير رد»، وتابع «خليفة المهندي ضابط مرافق لتميم، وبينه وبين تميم محادثات كثيرة يمكن تطلع قريبا».
وشدد قائلا «فليتملصوا من التسجيل كما يشاؤون، وأنا متأكد أنه يوجد ما يثبت عكس ادعاءاتهم». وكتب في تغريدة أخرى: «خليفة المهندي مقرب جدا من تميم، وتسريبات نيويورك تايمز ماهي إلا جزء بسيط مما قد تم رصده من عمليات قذرة وموثقة، اعتقد تنظيم الحمدين أنهم نجوا منها»، مضيفا «بيان قطر غير مهم حبر على ورق، ولن يستطيعوا أن يغيروا الواقع المرير أنهم مفضوحون ومدانون».