عصام أبو القاسم (الشارقة)

يتميز مهرجان خورفكان المسرحي الذي تنطلق فعاليات دورته السابعة بعد غدٍ الجمعة، بطابع مختلف، مقارنة بسواه من التظاهرات الفنية، فإلى جانب مدته الزمنية المحددة بيوم واحد، يتميز أيضاً بكونه يقدم لجمهوره تشكيلة واسعة من العروض الفنية؛ التمثيل، الفن الشعبي، الرسم، الموسيقى، عروض الأزياء والتزيين، الموجهة للصغار والكبار، فكما يقول الناقد الفرنسي باتريس بافيس، الغنى اللامحدود للأشكال والتقاليد المسرحية على مدى التاريخ جعل من المستحيل تعريف الفن المسرحي ولو بشكل كثير العمومية.
وكما تختلف نوعيات العروض التي يحتضنها المهرجان تختلف جنسيات جمهورها، فهو من بلدان عدة، ولذلك يبدو المشهد العام للمهرجان بمثابة ملتقى لفنون وثقافات العالم، فالعروض المشاركة تأتي من الإمارات ومن بعض الدول العربية والأفريقية واللاتينية، ويتم عرضها فوق ثلاث منصات ضخمة، مجهزة بتكنولوجيا صوتيّة وضوئية، تنصَّب في امتداد أفقي، بحيث يكون البحر من خلفها والجمهور والمدينة من أمامها، وتنتشر من حولها حوامل وشاشات الإرشادات التي تعين الجمهور على معرفة مرافق المكان.

صور كرنفالية
كيف يُنجز العمل الفني في مجال كهذا، وبأية طريقة يتفاعل المتلقي مع هذه العروض العديدة وما يتراءى له من المشاهد الحية، وما يسمعه من أصوات، كل هذه أسئلة تثيرها تجربة المهرجان الذي ينطلق من قلب المدينة وصولاً إلى الشاطئ، وثمة، في البداية، المسيرة الحافلة، التي تضفي على مشهد الشارع المحاذي للبحر، ملمحاً كرنفالياً جاذباً، فالطريق يتحول إلى ما يشبه خشبة «مسرح ممر»، تصطف الجماهير على جانبيه وقوفاً، ويجري في وسطه نهر طويل، من مجاميع الأداء وفرق العروض الكشفية والمدرسية والشعبية، بألبستها المميزة ذات الألوان اللامعة، وهناك أيضا فرق الآلات النحاسية والخيالة، وإلى جانبهم هواة اقتناء السيارات الكلاسيكية، وقد زينوا مركباتهم بصور ورموز ملفتة تجسد جماليات الثقافة المحلية. ويتحرك هذا الموكب الاحتفالي الصائت بأصداء آلات النفخ، وأبواق السيارات، محاطاً بالمتفرجين المتفاعلين تفاعلاً ظاهراً مع ما يشاهدونه.
بيد أن مما يُلاحظ اليوم، التغير الذي طرأ على موقع المهرجان الذي كان يبدو واسعاً في الدورات الأولى وبات أقلّ سعةً، يمكن ردّ ذلك إلى التزايد المضطرد لجمهوره. هذا التحول الذي بدأ يظهر على موقع المهرجان يمكن أن يكون مدخلاً لقراءة لاحقة يرتكز موضوعها على الأثر الجمالي والثقافي الذي يخلّفه المهرجان المسرحي، عندما يختار التواصل مع الجمهور في مكان كهذا، يختلف كل الاختلاف عن الأماكن المسرحية المغلقة، فمع ما يضفيه المهرجان من هوية بصرية وتعبيرية حيوية وشعرية على ذاكرة المكان، وما يكسبه صنّاع العروض من إقبال جماهيري واسع، بذات القدر هناك تحديات واضحة عندما يخرج المهرجان إلى الفضاءات المماثلة، ففي مجال مفتوح كهذا لا يقتصر الأمر على ضمان مستوى الأعمال الفنية أو قابليتها التقنية لتقدم في موقع كهذا، أو القدرة على التحكم في حدود الموقع ومقاومة امتداده وتجهيز إنارته، وضبط أصواته، وإدارة فرق عروضه وحشوده المتنوعة الأعمار والثقافات والأثنيات، فثمة ما هو فوق كل ذلك، ويظهر مع مرور الوقت، كالرياح والأمطار وغير ذلك من عوامل الطقس، إضافة إلى الحركة الدينامية للنشاط العمراني، وغير ذلك من مستجدات.
تتنوع الأعمال المقدمة في المهرجان تنوعاً ظاهراً، فثمة تلك العروض المنتجة في بلدان أخرى ولم تقدم للجمهور المحلي من قبل، وهي غالباً ذات طابع شعبي، مجسدة ثقافات وطقوس شعوبها في ملابسها ولمحاتها وتشكيلاتها الحركية، وهناك العروض الشعبية المحلية كـ «الهبان»، و«الليوة» وغيرهما، وهناك أعمال مهرجانات مثل: «المسرح الكشفي» و«المسرح المدرسي»، و«مسرح الطفل»، و«المسرحيات القصيرة»، ويجيء المهرجان بكل هذه الأعمال لجمهوره احتفالاً بما حققته خلال السنة المنصرمة.
ومما يمكن ملاحظته هنا أن كل هذه العروض باستثناء العرض الفائز بجائزة المهرجان الكشفي قُدمت سابقاً في خشبات تقليدية ذات صالات مغلقة، وحين تقدم في خورفكان عليها أن تتواءم مع المجال الجديد، وهو ما يضع صنّاعها في اختبار فني جديد.

زمن الاحتفال
بالطبع، هناك مهرجانات أخرى تتميز بمدى زمني محدود، لكن ما يجعل مهرجان خورفكان مختلفاً، هو انه شامل، فهو ملتقى للفنون المعاصرة والتقليدية في آن، ومنصة لثقافات العالم وفرجة لشعوبه المتنوعة، وتتكلم عروضه بلغات متعددة، وتتحرك بإيقاعات مختلفة وتلبس من شتى الأقمشة والألوان.
ومع مرور الدورات جذب المهرجان العديد من المبدعين الشباب في مجالات التصوير الفوتوغرافي ونشطاء المواقع الاجتماعية في الإنترنت، فراحوا يتبارون في التقاط الصور والقصص البصرية المدهشة من زوايا مشهده المحتشد بالأشكال والألوان، وإلى جانب هؤلاء جاء إلى محيط المهرجان المزيد من أصحاب المحال التجارية التي تقدم المأكولات السريعة، وصناع المشغولات اليدوية، ليتشكل ما يشبه المجتمع التجاري الصغير والمضبوط على زمن الاحتفال!
إذن، على مدار سبع سنوات نجح مهرجان خورفكان المسرحي في أن يصنع حضوره الاجتماعي ومكانه الجمالي وشخصيته الثقافية، كما ساهم بأنشطته المتنوعة في تشجيع ملكات الإبداع والتذوق والاستكشاف الجمالي لدى العامة، وزاد من أسباب التواصل والتسامح بينهم، وشجعهم على الانفتاح نحو بعضهم البعض، مثلما احتفى بالأعمال المسرحية المنجزة ومنتجيها وكرم نجومها.

15 عرضاً أدائياً في المهرجان
عقدت إدارة مهرجان خورفكان المسرحي مؤتمراً صحفياً أمس بقصر الثقافة في الشارقة، استعرضت خلاله أنشطة الدورة السابعة، بحضور أحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة ومدير المهرجان.
شارك في المؤتمر: مريم المعيني، وعلياء الزعابي وعائشة الكديد، من اللجنة العليا المنظمة للتظاهرة التي ستنطلق عند الرابعة مساء غد الجمعة وتستمر إلى منتصف الليل في شاطئ خورفكان.
ويتضمن المهرجان أكثر من 15 عرضاً فنياً، للصغار والكبار، إضافة إلى العديد من المسابقات التفاعلية في مجالات الرسم ،وصناعة الأقنعة والملابس المسرحية.
ويستضيف المهرجان عرضاً للمسرحية الجماهيرية «ترترونا وراهم» التي تضم نخبة من نجوم الكوميديا، مثل أحمد الجسمي، وعبد الله صالح، وجمعة علي، وحسن رجب، وأمل محمد. ويشتمل برنامج العروض المسرحية على مسرحيات: «سموكة والشباك البالية‏» لمدرسة عاتكة بنت زيد للتعليم الأساسي، «الساحرة وبلسم السعادة» لمدرسة الشهداء للتعليم الأساسي، «مدن من رماد» للمخرج الإماراتي الشاب يوسف القصاب، «شو الفكرة» لفرقة كشافة الشارقة، و«أمنية مفقود» لفرقة مسرح دبا الحصن.