أختام عنصرية !!
لم نكن قد التقطنا بعد أنفاسنا جراء ما كان من سجال كلامي بين برشلونة وريال مدريد، بين مدربيهما ولاعبيهما وحتى مسؤوليهما في أعقاب ما تداعى من صور في ثالث فصول الكلاسيكو الإسباني وكان هذه المرة بطعم أوروبي، حتى مالت الأرض بنا، عندما انبعث من جحر إعلامي صغير بفرنسا خبر يصف الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بالعنصرية، بالإقصاء العمد وبالتمييز.. الخبر كشف عنه موقع «ميديابار» الإلكتروني وفي تجاويفه المخيفة والتي تحيل بالفعل على أزمنة المهانة يمكن أن نقرأ بأن الإدارة التقنية الفرنسية وضمنها المدرب الوطني الفرنسي لوران بلان توصلت إلى قرار يقضي بتطبيق “الكوتة العرقية”، داخل مراكز التكوين سواء ذاك الذي يقع تحت المسؤولية المباشرة للاتحاد الفرنسي أو تلك التي توجد تحت وصاية الأندية.
الخبر الذي يدافع أصحابه اليوم بضراوة عن صدقيته بعد الذي دوى كالمفرقعات من ردود فعل معاتبة، وأخرى منتقدة وأحياناً مهاجمة على اجتماعات أحيطت بكامل السرية، جرى خلالها تداول ما أصبحت عليه مراكز تكوين وقد استوطنها في الغالب لاعبون منحدرون من دول المغرب العربي وجنوب الصحراء، ولضرورة باتت ملحة لدى التقنيين الفرنسيين لفرنسة اللاعبين جوهراً وشكلاً ضماناً لولاء مطلق، بعد الذي تبين من خلال الإحصاءات أن اللاعبين المغاربيين والمنحدرين من جنوب الصحراء يدينون في أكثر الحالات لمنتخب الوطن الأصلي، فقد تم اعتماد “كوتة عرقية” تنص على ألا يتجاوز عدد اللاعبين من عرب وجنوب الصحراء بإفريقيا نسبة ثلاثين بالمائة. وجرى الحديث أيضاً عن أن التعليمات صدرت فعلاً إلى مديرين مراكز التكوين داخل الأندية الفرنسية لتنفيذ هذا القرار على وجه السرعة.
وبرغم أن ظاهر قرار بهذه الطبيعة يقول بإنه رياضي محض يدافع ضمنياً عن حق بات مهدراً، بحكم أن الاتحاد الفرنسي وكبريات الصحف الرياضية الفرنسية تضايقت لمدة ليست بالقصيرة من هجرة معاكسة أعادت بعض اللاعبين العرب والأفارقة ممن جرى تكوينهم داخل مراكز فرنسية إلى أصولهم، حيث أشعرهم بالفخر الانتساب لمنتخبات أوطان الآباء والأجداد، برغم الطابع الرياضي للقرار، إلا أن عمقه ومضمونه وجوهره يفضح البعد العنصري، وهذا البعد هو ما أحدث داخل فرنسا زلزالاً عنيفاً، حيث تحركت قوى الاعتدال لتشجب وتستنكر وتقبح الوجه القميء الذي عرت عنه هذه القضية، وأكثر منه لتواجه ما بات يصطلح عند الفرنسيين بالفكر المتطرف.. وقد كان ليليان تورام صاحب البشرة السمراء، وأحد نجوم منتخب فرنسا المتوج بطلاً للعالم سنة 1998 والذي تمتع بحصانة فكرية وعمق رؤية وينصب نفسه محامياً للقيم، أكبر من هاجم كل من اجتمعوا تحت سقف “الكوتة العرقية” بمن فيهم زميله لوران بلان مدرب منتخب فرنسا، إذ دعاهم إلى التوقيع فوراً على استقالة جماعية. وبرغم أن منطق الاشتغال على ظواهر رياضية يفرض استحضار مصلحة البلد، بخاصة إذا كان البلد بمكانة وموقع فرنسا التي تجتهد في تصدير فكر متنور، متحرر، مسالم ومدافع عن القيم الحضارية، إلا أن هذه المصلحة ذات البعد الآني لا يجب أبداً أن تقفز على موروث كبير وعلى سياجات واقية أسسها الفرنسيون بخيار الإندماج، ولا يجب أن تظهر فرنسا محرضة على التمييز العنصري وهي أكبر من يناهضه في العالم.
من دون زين الدين زيدان الجزائري الأصل هل كان بمقدور فرنسا أن تصل لأول مرة في تاريخها إلى كأس العالم؟، من دون دوسايي، ليليان تورام، كريستيان كارمبو، باتريك فييرا وغيرهم من ذوي البشرة السمراء، من المنحدرين من جنوب صحراء أفريقيا، هل كان بمقدور منتخب فرنسا أن يعتلي منصة التتويج ليصبح بطلاً للعالم ومنارة لكل أوروبا؟.
آمنت فرنسا دائماً بكونية الموهبة، فلماذا تريد اليوم أن تجعل لهذه الموهبة لوناً وجوازاً وختماً عنصرياً؟
drissi44@yahoo.fr