محمد الحمادي: السينما تتطلب العشق والتفرغ والاحتراف
من الملاحظ في الحركة السينمائية الإماراتية، ظهور جيل جديد لا ينفصل عن تيارات الفنون الأخرى مثل المسرح والتمثيل والفنون الأدائية الرديفة، والمخرج محمد الحمادي هو أحد الشباب الجدد الذين استهوتهم الصورة المتدفقة بالخيالات والرؤى التي توفرها الطبيعة الديناميكية للفيلم، فخرج إلى السينما من معطف المسرح والتمثيل، ولعل الحماس الكبير الذي يمتلكه الحمادي هو مفتاح أساسي ومهم للدخول في معترك صعب ومحاط رغم ذلك بالتحدي والشغف وإثبات الموهبة، مع تأكيد استمرارية هذا الشغف، وعدم التوقف عند محطات أولى وأخيرة·
في جعبة الحمادي الكثير من المشاريع السينمائية المتوهجة، ومنها مشروع لفيلم طويل مع الكاتب والمؤلف الإماراتي المعروف إسماعيل عبدالله الذي رفض طويلاً الكتابة للتلفزيون والسينما رغم تألقه وتميزه الواضح في الكتابة المسرحية، ولعل وجود مهرجانات دولية ومسابقات وحوافز ومشاريع تمويل ساهم هو الآخر في إصرار محمد الحمادي على تجريب أدواته مع عالم الفن السابع، وحيازة موقع لامع وسط السينمائيين الآخرين المدعومين بالموهبة والطموح·
أحلام في صالة سينما
''الاتحاد الثقافي'' التقى محمد أحمد في أروقة مهرجان الشرق الأوسط السينمائي، وكان سؤالنا الأول حول طبيعة وفكرة الفيلم المشارك في المهرجان، فأجاب بأن الفيلم مشارك في مسابقة الأفلام الإماراتية الروائية القصيرة، وعنوانه ''جنة مريم'' الذي يستقي أجواءه من قصة كتبتها الفنانة والمصورة منال بن عمرو حول حياة طفلة في التاسعة من عمرها تدعى مريم تحلم بدخول قاعة السينما رغم سنوات عمرها القصيرة، ورغم رفض العائلة ومناكفة العادات والتقاليد لحلمها العفوي والبسيط هذا، نكتشف في سياق الفيلم أن هذا الحلم بالذات كان قد راود أم الطفلة قبل سنوات طويلة، ولم تستطع تحقيقه حتى الآن، وتحاول الخطوط السردية في الفيلم أن تجمع بين حلم الأم وحلم الطفلة، وتركز في الوقت ذاته على شدة التناقضات التي تجمع بين الخاص والعام، وبين الحلم الفردي ذي الحيز الشخصي والبريء وبين الواقع الخارجي الاجتماعي المهيمن والفارض لشروطه، وينتهي الفيلم بذهاب الأم والطفلة إلى صالة السينما، وعدم الاستسلام للعادات العمياء التي لا تنظر سوى للأحكام القاطعة والأحادية· وعن بداية اقتحامه لحقل الإخراج والسينما عموماً، يقول الحمادي: ''مشواري في هذا الحقل قصير جداً ولا يتعدى ثلاث سنوات، عندما قمت بإخراج فيلم بعنوان (هوجاس) يدور حول الرغبات الإنسانية المريضة التي تبرز على السطح في ظروف ومواقف معينة، بحيث لا يمكن السيطرة عليها بعد ذلك، وحاولت في هذا الفيلم تجريب طاقات الكاميرا وعمليات التوليف والمونتاج لترجمة وإظهار المشاعر الدفينة لشخصيات الفيلم· ويضيف الحمادي: ''قبل دخولي مجال الإخراج السينمائي، كنت أعمل في حقل المسرح كممثل وكاتب ومخرج وشاركت في مهرجانات الشباب المحلية''·
شغف وتواصل
عن مشاريعه السينمائية المقبلة، يقول الحمادي: ''هناك مشروع لفيلم طويل بعنوان (يحدث في المدينة) بالتعاون مع المؤلف الإماراتي اللامع إسماعيل عبدالله، كما أنني انتهيت من كتابة السيناريو لفيلمين قصيرين سيقوم بتنفيذهما كل من المخرجين عمر إبراهيم وأحمد زين، ورغم أن إخراج فيلم طويل بحاجة لاستعدادات كبيرة، وعمليات إنتاجية محسوبة بدقة، إلا أنني أعمل على المشروع بصبر يشوبه التفاؤل، وعندما أتيقّن من نضج المشروع واختماره وقدرتي على الإمساك بخيوطه المتشعبة فسوف أشرع في إخراجه ومن دون خوف أو تردد''·
وعن تقييمه للدورة الثانية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي، يرى الحمادي أن وجود مهرجان أو تجمع سينمائي يؤدي إلى حراك ثقافي وفني، وهذا الحراك بدوره يخلق نوعاً من العدوى الجميلة والمحفزة، بحيث تدفع الشباب المهتم والمحب للسينما إلى خوض تجربة المشاهدة المختلفة والتعرف إلى سينما جديدة ومناخات إنسانية متعددة، وهذه العناصر لابد أن تؤتي ثمارها عاجلاً أم آجلاً، ورغم
قلة عدد الشباب الإماراتيين في المهرجان، إلا أن الحساسية السينمائية الجديدة لصناع الفيلم الإماراتيين ستتفتح وسيكون لها شأن آخر في السنوات القليلة القادمة· وعن الوسائل التي يمكن تخلق جيلاً سينمائياً محلياً واثقاً من أدواته ومشغولاً بسؤال الفن الذي لا ينتهي ولا يتوقف عند الأعذار الشخصية والعوائق الخارجية، يقول الحمادي: ''الإصرار''، هو كلمة السر الوحيدة التي يمكن أن نتجاوز بها كل العوائق النابعة منا والمحيطة بنا، وهذا الإصرار لابد أن تسبقه الموهبة، ولابد أن يكبر ويتنامى من خلال تجويد الأدوات والثقافة السينمائية ومقاومة الظروف المعاكسة والعشق الذاتي الذي يتطور يوماً بعد آخر كي يتحول إلى عمل احترافي وتفرغ وحياة كاملة تستوعب التضحية كما تستوعب النجاح·
المصدر: إبراهيم الملا