الأسواق الأميركية تغلق ملف أسوأ عقودها في التاريخ
سجلت سوق الأسهم الأميركية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين أسوأ أداء عقدي (خلال 10 سنوات) على الإطلاق في تاريخ أسواق الأسهم في الولايات المتحدة الذي بدأ منذ نحو 200 عام. مما جعل المستثمرين في الأسهم الأميركية يندمون لعدم الاستثمار في مجالات أخرى منها السندات أو الذهب أو حتى وضع النقود تحت “البلاطة”. فمنذ نهاية عام 1999 ظلت الأسهم المتداولة في سوق نيويورك للأوراق المالية تخسر 0.5 في المائة في المتوسط كل عام نتيجة تراجع السوق مرتين في هذا العقد (من عام 2000 إلى 2009). ولقنت أسواق المال الأميركيين العاديين الذين استخدموا الأسهم الوسيلة الرئيسية للادخار التقاعدي درساً قاسياً.
وكان العديد من المستثمرين قد انجذبوا للأسهم نتيجة انتعاش سوقها الكبير الذي بدا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي واكتسابها القوة في التسعينيات. ولكن بعد عقد التسعينيات الذي يعد العقد الأفضل في تاريخ أميركا مع متوسط مكسب سنوي للأسهم بلغ 17.6 في المائة، أصبحت الأسهم باهظة الثمن بالنسبة لقيمتها، كما أن الشركات قلصت توزيعات الأسهم مع خفض عائدات المستثمرين. وفي وقت الذعر المالي الأشد مثلما حدث خلال 2008، كانت الأسهم بصفة عامة أسوأ مجال استثماري.
“كابوس” الأسهم الأميركية
والآن ولم يتبق سوى أيام معدودات في عام 2009، فإن التراجعات منذ نهاية عام 1999 تجعل السنوات العشر الأخيرة أسوأ عقد للأسهم منذ العشرينيات من القرن قبل الماضي (عام 1820) أي حين بدأت سجلات سوق الأسهم الموثوقة حسب البيانات التي جمعها بروفيسور الماليات في جامعة بيل وليم جوتزمان. فتراجع هذا العقد يفوق تراجع الأسهم الذي حدث خلال سنوات الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي الذي بلغ 0.2 في المائة الذي يحمل عنوان أسوأ عقد حتى الآن. هذا العقد أسوأ أيضاً من العقود الأخرى التي صاحبها الذعر المالي مثلما حدث في عام 1907 و1893. ويقول مايكل جمبيرا كبير خبراء الاقتصاد في ايبوتون أسوشيتس “السنوات العشر الأخيرة تعتبر بمثابة كابوس للأسهم الأميركية”.
ورغم أن تواجد السوق العام كان صاعداً بانتظام فالعقد الأخير ينبه الى أنه من الممكن أن تهبط الأسهم لفترات طويلة. وهذا ليس مألوفاً ولكنه ممكن أن يحدث حسب جمبيرا.
وهذه الإحصائيات تتوقف الى حد كبير على وقت بداية السنوات العشر ووقت انتهائها. وفترتا السنوات العشر المنتهية عام 1937 و 1938 كانتا أسوأ من معظم العقود الحديثة لأنهما حصدتا كل أثر الأسهم التي بلغت ذروتها عام 1929 وانهيار أكتوبر ذلك العام. ومن ثم لو لم تحقق الأسهم هذا العام تعافياً منذ شهر مارس لفاقت خسائر هذا العقد أسوأ خسائر ثلاثينيات القرن الماضي حسب بيانات جونزمان.
ومن عام 2000 إلى 2009، كان من الأفضل للمستثمرين أن يكونوا أصحاب سندات حيث سجلت السندات أرباحاً تتراوح بين 5,6 في المائة وأكثر من 8 في المائة حسب القطع. وكان الذهب أفضل الأصول من حيث الأداء بزيادة 15 في المائة كل عام في هذا العقد بعد أن خسر 3 في المائة كل عام خلال سنوات تسعينيات القرن الماضي.
بل سيعتبر هذا العقد المنصرم أسوأ إذا وضع في الاعتبار تأثير التضخم، فمنذ عام 1999 خسر مؤشر ستاندرد آند بورز للأسهم 500 متوسط 3,3 في المائة كل سنة على أساس التضخم المعدل مقارنة مع متوسط مكاسب سنوية بلغ 1,8 في المائة خلال ثلاثينيات القرن الماضي حين عصف الانكماش بالاقتصاد حسب البيانات التي جمعها تشارلز جونز بروفيسر المالية في جامعة ولاية نورث كارولينا والذي استخدم في بياناته تقديرات توزيعات الأسهم لعام 2009 ومؤشر أسعار المستهلك لفترة 12 شهراً المنتهية في آخر شهر نوفمبر. وحتى سنوات سبعينيات القرن الماضي التي اقترن فيها تراجع السوق بالتضخم لم تكن أسوأ من معظم الفترة الماضية، حيث شهدت سبعينيات القرن الماضي خسارة مؤسسة ستاندرد آند ببورز 500 - 1.4 في المائة بعد التضخم.
وهذه تعتبر أنباء تضايق المستثمرين بالنظر الى أن أحد الأهداف الرئيسية للاستثمار في الأسهم زيادة المال أسرع من التضخم. وبالنسبة للمستثمرين المعتمدين على الأسهم لخطط تقاعدهم فإن هذا العقد يعني أن الكثير من المستثمرين لم يحقق أهداف التقاعد، فالعديد من الخطط المالية تفترض عائداً مالياً نسبته 10 في المائة للأسهم في الأجل الطويل ولكن على مدى العشرين سنة الفائتة لم يزد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سوى 8.2 في المائة. فإذا حققت الأسهم عائداً يقدر بـ10 في المائة في السنة خلال فترة العقد القادم فإنه لن يرفع متوسط عائد الثلاثين عاماً إلا الى 8.8 في المائة حسب جونز. والأمر يكون أكثر سوءاً لشخص بدأ الاستثمار عام 2000 ذلك بالنظر الى أن عائد 10 في المائة في السنة لن يحصل منها هذا الشخص إلا على 4.4 في المائة فقط.
ارتفاع 13 سهماً فقط
وكانت هناك سبل لتكوين ثروة في الأسهم الأميركية خلال العقد الماضي، ولكن العائدات صغرت بالمقارنة مع تلك العائدات التي سجلتها سنوات تسعينيات القرن الماضي. ومن ضمن الثلاثين سهماً التي تشمل متوسط مؤشر داو جونز الصناعي اليوم لم يرتفع سوى 13 سهماً فقط منذ نهاية عام 1999 منها اثنان فقط تضاعفا هما سهم “كتربيلار إنك” و”يونايتد تكنولوجيز كورب” على مدى العشر سنوات الماضية. وعلى عكس ذلك خلال تسعينيات القرن الماضي تضاعف كل سهم من الأسهم المدرجة حالياً في داو جونز منها 22 سهماً زادت قيمتها الى أكثر من ثلاثة أمثال (لم تبدأ كرافت فودز إنك المدرجة في داو جونز تداول أسهمها إلا في عام 2001 وسيسكو سيستمز إنك إلا في 1990). ولم تقتصر الظاهرة على أسهم شركات التكنولوجيا مثل “مايكروسوفت كورب” و”إنتل كور”ب. إذا ارتفع سهم “كوكاكولا” أكثر من 500 في المائة في تسعينيات القرن الماضي. أما اليوم فقد ارتفع السهم 1,4 في المائة فقط من تاريخ إقفاله في 31 ديسمبر 1999.
في هذا العقد، كان كثير من الفائزين من شركات الطاقة. وضمن ستاندرد آند بورز 500 نما قطاع الطاقة بنحو 145 في المائة مع زيادة أسهم مثل “شيفرون كورب” بنسبة 79 في المائة و”إكسون موبل كورب” بنسبة 72 في المائة. كما زادت أسهم السلع الاستهلاكية بنسبة 67 في المائة وأسهم شركات المنافع الخدمية بنسبة 63 في المائة.
ماذا حدث لسوق الأسهم؟
يرد على هذا السؤال جيرمي جرانثام المؤسس المشارك لشركة جي إم أو لإدارة الأموال قائلاً “دخلنا هذا العقد وأسعار الأسهم أعلى كثيراً من قيمتها الفعلية”. وكان ينبغي على مشتري الأسهم بتلك الأسعار آنذاك أن يتوقعوا أنه سيحصل على إيرادات متدنية جداً لفترة زمنية ممتدة حسب جرانثام الذي توقعت شركته من 10 سنوات مضت أنه من المرجح أن يخسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما يقرب من 2 في المائة كل عام لفترة 10 سنوات تنتهي في 2009. وعلى الرغم من الإيرادات المتدنية لا تعتبر الأسهم اليوم صفقة رابحة، حيث تتداول أسهم “ستاندرد آند بورز” بنسبة سعر الى المكاسب تبلغ نحو 20 حسب مقياس شيلر.
ويعتقد جرانثام أن الأسهم الأميركية الرئيسية تزيد أسعارها عن قيمها بنسبة 30 في المائة، ما يعني أن الإيرادات ستقل بنحو 30 في المائة عن متوسطها طويل الأجل لفترة السبع سنوات المقبلة. وهو ما يعني إيرادات لا تزيد على 1.6 في المائة في السنة قبل إضافة التضخم.
وهناك عقبة كبرى أخرى لسوق الأسهم هي تراجع الأرباح التي بدأت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. ففي الأجل الطويل لعبت الأرباح دوراً مهماً في دعم الأسهم لتحقيق عائد سنوي متوسطه 9,5 في المائة منذ عام 1926، ولكن منذ ذاك العام بلغ متوسط العائد السنوي لأسهم ستاندرد آند بورز ما يقرب من 4 في المائة. أما في هذا العقد فقد بلغ متوسط عائد الأسهم 1,8 في المائة حسب خبراء. ولا يبدو هذا الفارق كبيراً، ولكن يجب حساب ذلك مع وضع تقييم الأسعار في الاعتبار. وما لم تعد الأرباح الى الارتفاع الى متوسطاتها طويلة الأجل، فربما يتعين على المستثمرين أن يقللوا من توقعاتهم. فبدلاً مما يقرب من متوسط 10 في المائة في السنة الذي عهدناه فيما مضى قد لا تحقق الأسهم سوى 7 في المائة فقط. ويقول جونزمان إن انسحاب المستثمرين العاديين وخروجهم من الأسهم ربما يكون قد أسهم في الأداء المتدني لهذا العقد.
فخلال تسعينيات القرن الماضي ترتب على نمو خطط الضمان الاجتماعي وازدهار الإنترنت ضخ أموال جديدة في سوق الأسهم ما ساعد على رفع أسعارها حسب جونزمان. وهو سيناريو يشبه ما حدث في عشرينيات القرن الماضي حين ازدهرت صناديق التكافل الاجتماعي الأميركية. وما حدث هو أنه مع بداية انهيار فقاعة أسهم التكنولوجيا كره الناس سوق الأسهم واتجهوا الى الاستثمار في منازلهم حسب جونزمان.
عن «وول ستريت جورنال»
المصدر: أبوظبي