تعد مسرحية «مأساة الحلاج» للشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور (1931 - 1981)، من أكثر الأعمال المسرحية العربية إثارة للنقاش والتعليق النقدي، ولعلها من النصوص المسرحية العربية الأكثر تداولاً وعرضاً في مجمل الخريطة العربية، فمنذ صدورها (دار الآداب 1965) شكلت المسرحية، بفضل حبكتها الدرامية وبنيتها الشعرية وخطابها الفكري، نموذجاً للدراسين لمقاربة واختبار طائفة متنوعة من القضايا البحثية التي نشرت ونوقشت في الدوريات المتخصصة وكليات الدراسات العليا، مثل: «المسرح الشعري الجديد»، و«المسرح واستلهام التاريخ»، و«المسرح والأسطورة»، و«المسرح والتصوف»، و«المسرح واللغة»، كما قُرأت المسرحية في إطار علاقتها بنصوص مسرحية غربية، مثل «جريمة قتل في الكائدارئية» ل ت س إليوت التي ترجمها عبد الصبور إلى العربية (وزارة الإعلام الكويت 1982)، ومسرحية «بيكت أو شرف الله» لجان آنوي التي تستند إلى ذات موضوع مسرحية إليوت.
مما يسترعي الانتباه في هذا السياق، ثمة الندوة التي أقامتها مجلة «الآداب» اللبنانية (أغسطس 1966) حول نص المسرحية، ولعلها سابقة نادرة في الاهتمام بالكتابة المسرحية عربياً، لم تتكرر لا من قبل ولا من بعد.
وثمة المقالات والمتابعات الصحفية التي أُنجزت حول المسرحية بعد فوزها بجائزة الدولة التشجيعية (1967) وكذلك بعد تقديمها فوق الخشبة بالقاهرة موسم (1967 - 1968) من إخراج سمير العصفوري. كما أنها حظيت بالمزيد من الاهتمام النقدي والبحثي عندما عُرضت في بلدان عربية عدة، خاصة خلال حقبة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي.
صورة الحلاج
تستند المسرحية، من حيث المضمون، إلى جانب من سيرة الحسين بن منصور الحلاج الذي ولد حوالي منتصف القرن الثالث الهجري، فالمؤلف لا يقدم حياة الرجل، كما دوّنتها كتب التاريخ، ولكنه ينتقي ما يهمه وينسجم مع رؤيته كمبدع، ولذلك رسم صورة الحلاج في هيئة شاعر رقيق، شوشه عصره، ومتصوف غلب وجده قصده، كما عبّر الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، في قراءة رائدة له للنص.
ومما يورده المؤلف، في هامشٍ ذيّل به النسخة المطبوعة من المسرحية، تلقى الحلاج خرقة الصوفيّة في شبابه من المتصوف عمر المكي والخرقة رمز الدخول في الصوفية والزهد في الدنيا وقد تنقل تنقلاً، فسافر إلى الهند، ثم عاد إلى بغداد وراح يبث أفكاره الإصلاحية، متحيزاً إلى الفقراء، وهو ما عرضه إلى اتهامات ومحاكمات، إلى أن تم اتهامه بالزندقة وحوكم بشكل صوري، وسجن وأعدم بطريقة بشعة.
ومن هذا المدخل المأساوي، على وجه التحديد، كتب عبد الصبور مسرحيته، وهو انتقى من المصادر التاريخية المنجزة حول الحلاج جملة من الوقائع والأقوال لتضفير البناء الفني لنصه وتعميق معانيه، لا سيما ما كتبه المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1883 - 1962) في مقالته «المنحني الشخصي في حياة الحلاج»، والذي أكد بعد استقصاء مسهب، كما قال عبد الصبور، أن الحلاج من «الحنابلة»، وأنه كان صاحب دور اجتماعي بارز.
وقصد الكاتب المصري بمسرحيته أن يعكس النظرة الإصلاحية لهذا الصوفي، كما أراد أن يصور قضية التزام المثقف تجاه مجتمعه بنموذج من التراث الإسلامي.
وقد أخذ عبد الصبور، كما ذكر في ندوة الآداب، خلال دراسته الكتب التي رصدت الفترة التي عاش خلالها صاحب كتاب «الطواسين» وطبيعة مجتمعه، «النبض الاجتماعي والآراء المختلفة في ذلك العصر.. حيث كان الناس يرون طرقاً مختلفة في الإصلاح، فبعضهم كان يرى الإصلاح بالعنف، وقد شهد ذلك العصر العديد من الحركات العنيفة، وبعضهم كان يراه بمحاولة تصفية النفس والابتعاد عن المشكلات الاجتماعية، وبعضهم كان يمزج بين تصفية النفس والمشكلة الاجتماعية».
وعمد عبد الصبور إلى تجسيد شخصية «الحلاج» مسرحياً، بوصفه شاعراً، سلاحه الكلمة لا السيف، كما يرد في نص المسرحية (مشهد السجن) في الحوار بين الحلاج والسجين.
لعل كل تلك الاعتبارات، الفنية والثقافية، التي رافقت سيرة المسرحية منذ نشرها، كانت من بين الأسباب التي وصلت بنص عبد الصبور إلى المشهد المسرحي الإماراتي ولو بعد نحو عقدين من الزمان عقب نشره، وهو ما حصل سنة 1983، بوساطة فرقة مسرحية محلية عرفت بمزاجها الحداثي، ونشطت في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي (1981 - 1986)، في جامعة الإمارات، بمدينة العين، وهي فرقة المسرح الحر، التي أسستها ثلة من الطلاب الجامعيين من بينهم الراحل أحمد راشد ثاني (1962 - 2012)، وإسماعيل عبد الله، وناجي الحاي ومحمد الدوسري ويحيى الصوري، وحسام عزت. والثلاثة الأوائل صاروا لاحقاً، كما هو معلوم، من أبرز صنّاع الفعل الثقافي في الدولة.
أعد أحمد راشد ثاني المسرحية عن نص عبد الصبور، وتولى إخراجها إسماعيل عبد الله، بيد أن العرض لم يقدم للجمهور لأسباب خارجة عن إرادة الفرقة، كما ذكر عبد الله علي الطابور (المسرح في الإمارات: الشارقة 1998).
تجربة يحيى الحاج
بعد ثلاث سنوات من محاولة فرقة المسرح الحر، يقدم العرض لجمهور مهرجان أيام الشارقة المسرحية (الدورة الثالثة)، بيد أن ذلك سيحصل بوساطة فرقة أخرى هي فرقة مسرح خالد، المسرح الحديث حالياً (أسست 1974)، وهي الأخرى من الفرق التي تميزت بحضور قوي، في تلك الفترة، ولعلها كانت الأكبر عدة وعتاداً، مقارنة بسواها من الفرق. وعندما نراجع قائمة العروض التي قدمتها حينئذ، يظهر توجهها إلى نوع من الأعمال المسرحية، عرفت حينذاك بانشغالها بهموم وقضايا المجتمع العربي كالدعوة إلى القومية ونقد التفاوت الطبقي والدفاع عن كرامة الإنسان، فلقد عرضت أعمالاً بارزة، مثل «الرجال لهم رؤوس» لمحمود دياب، (1932 - 1983) و«مأساة بائع الدبس الفقير» لسعد الله ونوس (1941 - 1997) و«الوحوش لا تغني» لممدوح عدوان (1941 - 2004) و«الشيخ والطريق» لعلي عقلة عرسان، وسواها.
شاركت الفرقة بمسرحية «مأساة الحلاج»، وتصدى لإخراج العمل الفنان السوداني الراحل يحيى الحاج (1948 - 2018)، وضم طاقم التمثيل مجموعة من المسرحيين، منهم أحمد الأنصاري الذي لعب دور «الحلاج»، وعلي عيد «الفلاح»، وعلي الشالوبي «الواعظ»، وعبيد علي «الشبلي»، وأحمد شحرور «الأعرج»، وناجي الحاي «السجين الأول»، وعبد الله صالح «السجين الثاني»، إضافة إلى أحمد بورحيمة، ومحمد جمال، وعلي خميس، وعادل النابودة، وطالب الصوري، وغيرهم، وقد صمم ديكور المسرحية عبد الكريم عوض.
الراحل يحيى الحاج الذي ظفر بجائزة الإخراج في المهرجان عن العرض، كان يعد من أكثر مطوري تجربة المسرح الإماراتي، استمراريةً وحيويةً، ولقد كان يشرف على الورش التدريبية، مثله مثل العديد من المسرحيين الأكاديميين العرب الذين تمت الاستفادة منهم في البدايات لتطوير الممارسة المسرحية، وخلال ما يزيد على أربعة عقود أمضاها في الإمارات، كرس معظم وقته للعمل مع هذه الفرقة تحديداً، وقد أخرج وساعد في إخراج معظم أعمالها المسرحية، على مدى سنوات عدة لاحقة.
ويمكن القول إن الحاج، في إخراجه معظم عروض الفرقة كان مدفوعاً برغبته في صقل وتطوير قدرات أولئك المسرحيين الشباب الذين رافقوا مشوار الفرقة في بداياتها، وكانوا في أغلبهم من طلاب الجامعات، كما ذكر خالد النابودة، في مداخلة له بمناسبة تقديم مسرحية أخرجها الحاج سنة 1987، وهي «الوحوش لا تغني» الفائت ذكرها، وقدمت عبر الفيديو في برنامج عيون المسرح المحلي الذي نظمته اللجنة الثقافية لجمعية المسرحيين منذ فترة.
توجه الحاج إلى اختيار هذه المسرحية التي كان يحفظها غيباً، كما أفاد يوسف عيدابي في حديث إلى «الاتحاد»، ربما جاء نتيجة لارتباطها بمسارات تجربته الفنية والمهنية من جوانب عدة، فهو قد شارك كممثل في عرضها الأول في المسرح القومي بالسودان، من إخراج عثمان جعفر النصيري في موسم 1969 - 1970، كما يمكن التأكيد على أن الحاج درس النص أيام دراسته، ثم عمله كمدرس، في معهد الموسيقا والمسرح في بلده، فلقد كانت المسرحية رائجة بين طلاب المعهد وإلى هذه الأيام تعرض في اختبارات الإخراج والتمثيل.
وقد يصح القول إن اختياره «مأساة الحلاج» لتقدم في أيام الشارقة المسرحية بقدر ما نتج عن رغبته في متابعة جهوده التعليمية مع الفرقة، هو أيضاً كان امتثالاً لنزعته الصوفية، فالحاج عدا عن كونه كان معروفاً بطبيعته الزاهدة والمحبة، هو أيضاً نشأ في بيئة دينية، وحفظ القرآن صغيراً، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم في فترة ما بعد الاستعمار، ويدرس المسرح، وينخرط في المجال الثقافي العام كفنان بارز تقدم أعماله في الإذاعة والتلفزيون، من ثم يعيش أجواء الحداثة والانفتاح على الثقافة الغربية، خاصة بعد طوافه ببعض البلدان الأوروبية وصولاً إلى انتقاله إلى العاصمة البريطانية لاستكمال دراسته العليا، حيث اختبر، وبطريقة شخصية، عنف سلطة بلاده على الفنان، فهو لم يتمتع كثيراً بالمنحة الدراسية الحكومية التي نالها بوصفه أستاذاً مساعداً في معهد الموسيقا والمسرح في الخرطوم، ففي منتصف مدتها خاطبته السفارة السودانيّة في لندن بما يفيد بأنه تمت أحالته للصالح العام، وقُطع راتبه المالي نتيجة «وشاية سياسية»، وحصل ذلك عندما انقلب الجنرال جعفر النميري (مدة حكمه 1969 - 1985) على اليساريين منتصف السبعينيات، وفصل معظمهم من الخدمة العامة، في ما عُرف بـ «الصالح العام».
لكن الحاج، لم ينكسر ويعد خائباً، بل ضحك وظل يضحك على الواقعة إلى ما قبل رحيله في ديسمبر 2018، والتزم مشواره الأكاديمي ممتهناً العديد من المهن الصغيرة، موفراً من المال ما أعانه على إقامته وإكمال دراسته.
من هنا، في وسعنا القول إن الرجل بقدر ما وجد في «مأساة الحلاج»، نموذجاً مسرحياً مثالياً لتدريب وصقل إمكانات طلابه وجد فيها أيضاً تجسيداً لمأساته الخاصة.
ثمار البرامج التدريبية
كان المسرح الإماراتي قد بدأ في تحقيق حضوره بشكل أكثر بروزاً، في تلك الأيام، وبدأت تظهر ثمار البرامج التدريبية التي نظمت تحت إشراف ثلة من المسرحيين الأكاديميين العرب الذين تم استقدامهم، من مصر والعراق وتونس والسودان، مثل زكي طليمات وصقر الرشود وإبراهيم جلال، والمنصف السويسي وخليفة العريفي ويوسف خليل، وسواهم، وراحت تتشكل نواة لمجتمع مسرحي أكاديمي، وانتسب العديد من المسرحيين الإماراتيين الشبان في ذلك الوقت إما إلى المعهد المسرحي في الكويت، أو غيره من أكاديميات المسرح، كما أن أثر تظاهرة أيام الشارقة المسرحية كان قد بدأ يظهر أكثر بعد مرور ثلاث دورات على انطلاقتها، سواء في حجم المنتج المسرحي أو نوعيته، فلقد صار عدد المسرحيات المنتجة أكثر، كما انفتح المشهد على تيارات واتجاهات مسرحية جديدة، تجديدية وتجريبية، طورت بشكل ملحوظ في نوعيات وأساليب العروض.
كانت فترة منتصف الثمانينات بمثابة منعطف حاد في مسار التجربة المسرحية المحلية، فبعد أن ساد تيار «المسرح التقليدي»، أو«مسرح الجماهير»، الذي يتكئ على القصص والصور الشعبية لوقت ليس بالقصير، أخذ تيار المسرح الجديد يتبلور ويزداد حضوراً، خاصة عبر منصة أيام الشارقة المسرحية، مستعيناً بما طورته التجربة المسرحية في العالم من رؤى وأساليب، ومستثمراً النصوص المسرحية التي اكتسبت ذيوعاً وملحوظيةً وصدى نقدياً، ويكفي أن نحيل في هذا السياق إلى جدول العروض التي شاركت في الدورة التي قدمت فيها مسرحية «مأساة الحلاج»، فلقد تضمن إلى جانبها، مسرحيات مثل: «الغرباء لا يشربون القهوة» لمحمود دياب، وأخرجها عبد الله المناعي، و«البئر المهجورة» للكاتب فرحان بلبل، وأخرجها سعيد حداد، و«م، خ لعبة الكراسي» من تأليف يوسف خليل وإخراجه، و«الوزير العاشق» للشاعر فاروق جويدة وإخراج مجدي كامل.
والاستعانة بهذه النصوص المسرحية، وفي معظمها كتبت باللغة العربية الفصحى، كانت بمثابة بداية للقطع مع تاريخ ليس بالقصير في الاعتماد على مسرحيات ارتجالية، أم مقتبسة أو معدة إعداداً سهلاً.
ولم يقتصر الأمر على العروض بل شمل المجال الفكري الذي جاء ثرياً بالموضوعات التي تطرق إليها والمداخلات التي طرحت في قاعته، فلقد نظمت تلك الدورة من أيام الشارقة المسرحية ندوة أولى تحت عنوان «اللغات المساهمة بالإبداع المسرحي»، بمشاركة الراحلين المصري سعد أردش (1934 - 2008)، والكويتي فؤاد الشطي (1951 - 2016)، كما نظمت ندوة ثانية تحت عنوان «مستقبل الحركة المسرحية في الإمارات»، بمشاركة العديد من المسرحيين المحليين والعرب المقيمين.
وحين نستعرض أبرز ما طرح في الندوتين نجد أن المسرح الإماراتي كان مشغولاً حينئذ بتطوير إمكاناته التقنية في التأليف والتمثيل والإخراج، كما كان مهجساً بتعميق وتطوير الشعور بالمسؤولية لدى المشتغلين به، وبترسيخ مكانته في المجتمع، وفي وسائل الإعلام.
على أن الزخم الفني والثقافي الذي عرفته هذا الدورة من «الأيام» لم يخل من بعض التحديات، بسبب الاختلاف الذي نتج بين تيار المسرح التقليدي وتيار المسرح الجديد، لو صح الوصف، ولعل في كلمة نشرت للدائرة الثقافية حينذاك ما يوحي بذلك، وألقاها ماجد بوشليبي في الحفل الختامي للدورة، وجاء فيها «إن الوشائج التي تربط بين المسارح يشوبها توتر وبعض جفاء» (جريدة الخليج 29 مارس 1986)، داعياً إلى «التآزر والتآخي».
وبلغ الاختلاف بين التيارين ذروته في الدورة التالية من المهرجان 1987 التي لم تقدم بها سوى مسرحية واحدة تم اختيارها اختياراً، نظراً لـ «عدم استجابة الفرق المسرحية وعجز أكثرها عن تقديم أعمال مسرحية في موعد المهرجان»، (عبد الله طابور: ص 193).
فلقد أرجعت معظم الفرق سبب عدم مشاركتها إلى مستلزمات، مثل: البحث عن مخرج أو نص مناسب أو لأسباب مادية.
لكن، ندوة مغلقة عقدت حينها بحضور العديد من الفاعلين المسرحيين، تباينت فيها الآراء تبايناً واضحاً، كما ذكر إسماعيل عبد الله، في مداخلة له، ببرنامج «عيون المسرح المحلي» الفائت ذكره، فثمة من دعا إلى لون من المسرح كان طاغياً في السبعينيات، وهو يرتكز على استلهام البيئة الشعبية ويقاربها بتخفف وتبسيط بمنطق «هذا ما يريده الجمهور»، وهناك من دعا إلى التحديث والتطوير في الأشكال المسرحية (جريدة الاتحاد: 12 مايو 2019).
في تسجيل مصور بالفيديو لمسرحية «مأساة الحلاج» التي قدمت بقاعة أفريقيا، تظهر الملامح العامة للطريقة التي اعتمدها المخرج الحاج في صياغة البعد البصري لعمله، ولعل أبرز ملمح في طريقة عمله، تمثل في اللمسة التجريدية التي طغت على فضاء العرض إلا من بعض القطع الديكورية التي استخدمت لتعيين الأمكنة في شكل عام، فلقد راهن المخرج على الأداء التمثيلي وحركة المجاميع الأدائية في تشكيل منظر ومعنى عرضه، موظفاً الإضاءة لرسم الانتقالات الزمنية والمكانية، ومستخدماً الموسيقى «العود» لتأطير الحالات الشعورية، والأزياء للإحالة إلى العصر.
وفي النقاش الذي جرى حول العرض بالندوة التي تلته، تمت الإشادة بتوجه المخرج إلى انتقاء هذا النص (جريدة الخليج: 25 مارس 1986) وتطرق الراحل أحمد راشد ثاني إلى أن العرض يثير أسئلة حول أيهما أنسب للمسرح: الشعر أم النثر؟ وقال الراحل فؤاد الشطي إن أي استلهام مسرحي للتراث لا يسقط الماضي على الحاضر يكون استلهاماً تسجيلياً، وهو أخذ على العرض طابعه «المدرسي»، خاص في الأداء التمثيلي، ولكنه أشاد بالحلول الإخراجية التي اعتمدها الحاج، تكويناً وتشكيلاً، داعياً إلى ضرورة أن يتسم الإخراج بنوع من «الوحدة» في مكوناته البصرية والسمعية. فيما قال الشاعر الراحل عبد المنعم عواد الذي كان مرتبطاً بالفرقة وقريباً من صلاح عبد الصبور، فلقد اعتبر العمل «هو المسرح الحقيقي». وتحدث سعد أردش عن سعي المخرج إلى إضفاء لمسة عصرية على صورة المسرحية وقال إن ذلك حد من حريته كمتلقٍ يحق له أن يفسر العمل كما يشاء.
وضمت لجنة التحكيم في تلك الدورة: منى واصف: رئيساً، وعضوية فؤاد الشطي وعبد الرحمن المناعي وحيدر إدريس وفتحى دياب.
ولعل مما يمكن عدّه جزءاً من سيرة مسرحية مأساة الحلاج في الإمارات، التجربة التي خاضها حبيب غلوم حين أخرج المسرحية كمشروع لتخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، بعد عام واحد من تقديمها في الشارقة، أي سنة 1987، تحت إشراف المخرج المصري الراحل أحمد عبد الحليم، وقد ذكر غلوم لـ «الاتحاد»، أن توجهه للمسرحية جاء بعد أن قرأها في السنوات الأولى لدراسته، فلقد كانت مقررة باعتبارها من نصوص المسرح العالمي، مشيراً إلى أنه حين قرأها أعجب بها، وذكر أن مصدر إعجابه أثرها الفني التراجيدي، مضيفاً «أردتُ أن أقدم مسرحية يمكن الإحساس بها»، وأشار إلى أنه يعد صلاح عبد الصبور من الفلاسفة، مبيناً انه ما زال يحفظ بعض سطور النص، كما ذكر أن من بين ما جذبه إلى العمل طابعه الروحي والوجداني المستقى من الثقافة الإسلاميّة، ولذلك حين بلغ مرحلة التخرج اقترحه على مشرفه، وعمل عليه.
وثمة مقاربة أخيرة للعمل ذاته أنجزها المخرج والكاتب عمر غباش، فلقد حوّل المسرحية متعددة الشخصيات إلى مسرحية مونودرامية، تحت عنوان «الحلاج وحيداً»، وقدمها خلال سنة 2016 في مسارح عدة، محلية وعربية، بعد أن عرضها للمرة الأولى في الكويت أيضاً.