بيروت (وكالات)

حذّر رئيس الحكومة اللبناني، حسان دياب، أمس، غداة إعلان تشكيل مجلس الوزراء، من أن بلاده تواجه «كارثة» اقتصادية، جعلها من أولويات عمله في المرحلة المقبلة، مؤكداً أنه من «حق اللبنانيين أن يصرخوا، وأن يطالبوا بوقف المسار الانحداري للبلد، بينما لا يزال الإصلاح أسير التجاذبات»، فيما طالب الرئيس اللبناني ميشال عون الحكومة الجديدة بضرورة العمل لمعالجة الأوضاع الاقتصادية، واستعادة ثقة المجتمع الدولي.
ونقل مكتب عون عنه، قوله في أول اجتماع للحكومة الجديدة: «مهمتكم دقيقة»، وأوضح أن على الحكومة العمل لتعويض ما فات خلال الفترة الماضية.
وعقدت الحكومة الجديدة، أولى جلساتها في القصر الرئاسي في بعبدا، غداة تجدد المواجهات بين القوى الأمنية، ومتظاهرين يرفضون التشكيلة الحكومية الجديدة، في بلد يشهد منذ أكثر من ثلاثة أشهر حراكاً شعبياً غير مسبوق ضد الطبقة السياسية كاملة.
وبعد الانتهاء من إعداد بيانها الوزاري، يتعين على الحكومة الجديدة، الحصول على ثقة المجلس النيابي، وهو أمر مرجح كون الأحزاب الممثلة فيها، والتي دعمت تكليف دياب، مثل جماعة «حزب الله» الإرهابية وحلفائها تحظى بغالبية في البرلمان.
ويصر الأستاذ الجامعي دياب، البالغ 61 عاماً، على أن حكومته مؤلفة من اختصاصيين تنفيذاً لمطالب الشارع، إلا أن تأخر تشكيلها أكثر من شهر، يعود إلى انقسام القوى السياسية المتحالفة أساساً على تقاسم الحصص فيما بينها، ورفض أخرى المشاركة فيها.
واعتبر دياب، في تصريحات تلاها أمين عام مجلس الوزراء محمود مكية، في ختام الجلسة البروتوكولية، أمس: «نحن أمام مأزق مالي واقتصادي واجتماعي، في الواقع نحن أمام كارثة، وعلينا التخفيف من وطأة وتداعيات الكارثة»، مضيفاً: «المهم هو تأمين الاستقرار الذي يحفظ البلد».
وأشار دياب إلى «تحديات هائلة» تواجه حكومته، في بلد يشهد منذ أشهر انهياراً اقتصادياً يهدد اللبنانيين في لقمة عيشهم ووظائفهم.
وخلال حديث مع صحفيين، نقلته وسائل إعلام محلية، قال دياب: «سيكون نهج هذه الحكومة المالي والاقتصادي مختلفاً كلياً عن الحكومات السابقة».
ولن تكون مهمة دياب سهلة على وقع التدهور الاقتصادي، وحركة الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة، والمستمرة منذ 17 أكتوبر، كما يواجه تحدياً آخر في إرضاء المجتمع الدولي، الذي يربط تقديمه دعماً مالياً للبنان بتشكيل حكومة إصلاحية.
وغداة إعلان تشكيل الحكومة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس: «سنقوم بكل شيء لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين في الأزمة العميقة التي يمرون بها».
وكانت باريس، التي استضافت الشهر الماضي اجتماعاً دولياً حول لبنان، أكدت أن الدعم مرتبط بـ«الإصلاحات التي ينتظرها الشعب».
وتعتبر الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
ومنذ أشهر، يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً مرشحاً للتفاقم، مع شح في السيولة، وارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية، وفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية، وسحب الدولار، حتى تحولت أفرع البنوك إلى مسرح يومي للإشكالات، بين مودعين يطالبون بأموالهم، وموظفين ينفذون القيود المفروضة.
وتواصل قطع الطرق في بيروت وغيرها من المدن الكبرى رفضاً لحكومة دياب، كما شهد محيط البرلمان وسط بيروت، مواجهات عنيفة بين متظاهرين ألقوا الحجارة على القوى الأمنية، التي ردت باستخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
وصباح أمس، عمد محتجون مجدداً إلى قطع طرق عدة، خصوصاً في منطقة طرابلس في شمال البلاد والبقاع.
ويطالب مئات آلاف اللبنانيين برحيل الطبقة السياسيّة كاملة التي يحمّلونها مسؤوليّة تدهور الوضع الاقتصادي، ويتّهمونها بالفساد، والعجز عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية، كما يطالبون بتشكيل حكومة اختصاصيّين ومستقلين عن الأحزاب السياسية التقليدية، على أن تكون مهمتها وضع خطة إنقاذية تُخرج البلاد من الانهيار الاقتصادي.
ويرى متظاهرون، أن الحكومة الجديدة ليست سوى واجهة لأحزاب سياسية متحالفة فيما بينها، معتبرين أن الوزراء الجدد يمثلون الأحزاب التي سمتهم، مستغربين وصفهم بـ«التكنوقراط».
وعمد دياب والأحزاب الداعمة له، إلى طرح شخصيات جديدة في الحكومة، بعيداً عن أي أسماء قد يعتبرها المحتجون استفزازية، مثل وزير الخارجية السابق جبران باسيل.
ويعارض آخرون، من مناصري رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الحكومة الجديدة معتبرين أن دياب لا يمثل الطائفة السنية.
ورفضت أحزاب عدّة المشاركة في الحكومة، على رأسها تيار المستقبل برئاسة الحريري، وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، وبالتالي انحصرت اتصالات دياب خلال العمل على تشكيلة حكومته على فريق واحد، يتمثل بالتيار الوطني الحر، الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون، ويرأسه صهره جبران باسيل، وحلفاؤه.
وقال المتظاهر في طرابلس علاء خضر، البالغ 30 عاماً: «نرفض حكومة حسان دياب رفضاً مطلقاً»، معتبراً أنها حكومة جماعة «حزب الله» الإرهابية، وليست حكومة تكنوقراط مستقلة، ولا تلبي المطالب الشعبية في الثورة.