أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)

وسط حالة من الترقب، انعقد لقاء بين وفدي التفاوض من المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير والوسيط الأفريقي، مساء أمس بالخرطوم، لمناقشة ملاحظات قوى التغيير على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية.
وقبيل اللقاء، أعلنت قوى الحرية والتغيير أنها سلمت الوساطة الأفريقية ردها على مسودة الإعلان الدستوري للحكم خلال الفترة الانتقالية. وكان اللقاء قد تأجل مرتين خلال الأيام الماضية بطلب من قوى الحرية والتغيير لإجراء مزيدٍ من المشاورات بين مكوناتها. وقالت مصادر قوى الحرية والتغيير لـ«الاتحاد»، إن كتلها الخمس وافقت مجتمعة بالإجماع على إكمال الاتفاق السياسي، وأشارت إلى رفضها بعض بنود الإعلان الدستوري، فيما يتعلق ببنود الحصانة المطلقة لأعضاء المجلس السيادي، وكذلك تعيين القضاة والنائب العام والولاة من قبل مجلس السيادة، وأيضاً تبعية الأجهزة العدلية والأمنية لمجلس السيادة منفرداً.
كما اتفق وفدا الحرية والتغيير والجبهة الثورية بأديس أبابا على إلحاق ورقة بالإعلان الدستوري، لتكون أرضية لبناء السلام في الأشهر الستة الأولى من الحكم الانتقالي. وأعلن تجمع المهنيين رفضه بعض البنود التي أوردها المجلس العسكري في وثيقة الإعلان الدستوري، وفي مقدمتها الحصانة المطلقة لأعضاء المجلس السيادي. واعتبر إسماعيل التاج المتحدث الرسمي باسم التجمع أن بند الحصانة المطلقة يهدم الوثيقة الدستورية.
وقالت مصادر مقربة من المجلس العسكري لـ«الاتحاد»، إن المجلس أطلع المبعوث الأميركي للسودان السفير دونالد بوث على صعوبات التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، وكيف أنهم تراجعوا عن الاتفاق معهم، وكذلك الموقف المتعنت للحزب الشيوعي. وأضافت المصادر ذاتها أن الضغوط الأميركية على طرفي التفاوض، وليس على المجلس العسكري وحده، خلافاً لما فهمته بعض أطراف قوى التغيير بأنه على المجلس العسكري وحده، بعد تصريحات بوث بأهمية تشكيل حكومة مدنية مستقلة. وحذرت المصادر من أنه إذا لم تتراجع قوى التغيير عن التصلب في مواقفها سيتجه المجلس العسكري إلى التشاور مع كل القوى، والاتجاه لتشكيل حكومة تصريف أعمال لمدة عامين.
وقال محمد سيد أحمد سر الختم القيادي بالحزب الاتحادي وبقوى الحرية والتغيير لـ«الاتحاد»، إن قوى التغيير ترى أنه لا حصانة مع أي جريمة قد يقوم بارتكابها عضو مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو غيرهم، وهذا موجود في كل القوانين والدساتير في العالم، كما أن قوى التغيير تصر على نسبة 67% المخصصة لقوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي خلال الفترة الانتقالية، والمجلس العسكري يرفض ذلك، وقد اتفقنا على إرجاء مناقشتها إلى بعد 3 أشهر من توقيع الاتفاق، بعد أن يتم تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، كما أننا نرفض أن يقوم مجلس السيادة باعتماد قرارات مجلس الوزراء، وسيكون بدلاً منها أن يوافقوا على قراراته. وأعرب سر الختم عن تفاؤله بأن تسير الأمور قدماً بصورة جيدة، وأن يتم التوقيع على الاتفاق.
وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ«الاتحاد»، إن الارتباك يسيطر على جميع الأطراف، لكن رغم ذلك من الممكن الوصول إلى حل. وأشارت المصادر إلى التقارب الذي حدث بين مكونات قوى الحرية والتغيير في الساعات الأخيرة بفعل وساطات سودانية، وتأثيرات دبلوماسية خارجية، في إشارة إلى دعم المبعوث الأميركي لتقريب وجهات النظر داخل قوى التغيير.
وفي هذه الأثناء، حذرت شخصيات سودانية من خطورة التباطؤ والتلكؤ في التوصل إلى اتفاق ينقل السودان إلى المرحلة الانتقالية. وقال صلاح أحمد القيادي في حزب الأمة القومي لـ«الاتحاد»، إن هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها السودان إن لم يقابلها تصرف وفعل تاريخي مساوٍ لها، يمكن أن يتم إهدارها وإضاعتها، وهذا يتطلب من الجميع ضبط ميزان العقل، وسط هيستيريا الصراخ والتشنج.
وقال الإعلامي السوداني محمد عبدالقادر، إن السودان بوضعه الملتبس حالياً سيظل حبيساً في مربع المخاوف، وستظل كل الاحتمالات واردة الآن بشأن مصيره، وحذر عبدالقادر من أن أي إبطاء في توقيع الاتفاق سيجعل الملعب السياسي مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وأكد أن الظروف الحالية تعد اختباراً لمدى وطنية الأطراف السودانية وإحساسها بمعاناة شعبها، وأنه كلما طال أمد التفاوض تأزمت الأوضاع، وتعقدت مهام الفترة الانتقالية.
وفي تطور لافت، أعلنت قوات الدعم السريع إعادة الانتشار والانسحاب التدريجي من الخرطوم، وأعلن العميد جمال جمعة الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع عن خطوات لتحقيق ذلك، وربط وجود القوات بالخرطوم بالظروف الأمنية، وأكد أن قوات الدعم السريع تعمل بتنسيق تام مع القوات المسلحة السودانية والقوات الأمنية الأخرى في تأمين وحفظ الأمن في العاصمة والولايات. واتهم المتحدث جهات لم يسمها بخلق الفتنة بين المجلس العسكري وقوى التغيير، وأضاف أنه كان هناك تخطيط لإشعال الفتنة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة.
وقال القيادي الاتحادي أبو الحسن فرح: إن المطلوب ليس انسحاب أو إبعاد الدعم السريع أو حلها، ولكن المطلوب دمجهم بعد تأهيلهم للقوات المسلحة لنحقق شعار «شعب واحد - جيش واحد»، وهذا ينطبق على جميع ميليشيات المعارضة والحكومة؛ لأننا إذا كررنا تجربة لبنان واليمن على هذا الصعيد سوف نقيم دولة فاشلة.
وطالب الإعلامي السوداني حسن أحمد الحسن بإعادة هيبة الجيش السوداني، ودمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة وقوات جهاز الأمن في الجيش وإعادة تأهيلهم عسكرياً وقانونياً وأخلاقياً. في حين دعا الناشط السوداني منصور عبيد الله السودانيين للوقوف مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي ضد الإسلاميين وكتائب ظلهم، وأن يساعدوه بدلاً من الوقوف ضده.