الثلج والمطر···!
عند انكسار الزمن، وقبيل التفات عام إلى الوراء، رحلتُ أبحث عن الثلج، رأيته يهطل ذات مرات فالتذَّ قلب العاشق شوقاً بذالك البياض الجميل، فأيقنتُ أن القلوب الصغيرة التي تزهو بالحياة قرباً مني ستأخذ طرفاً من العشق الذي أينع في قلب الأب!!
كانت عقارب الساعة تشير إلى وقت الوصول، إلى مطار ''ميونخ'' في السادسة صباحاً، تفاصيل السفر مقرونة دائماً بتفاصيل الطقس الذي كان بارداً إلى درجة سبعة تحت الصفر!!
تشكلت الصورة الجميلة في أوجها، فالبياض يكسو تفاصيل المدينة، ويثير الصمت خلجات الأنفاس، فالأشجار عارية تماماً على مرأى من البشر الذين اعتادوا رؤيتها بشكل نظر من الاخضرار!!
كانت الأخبار عن أبوظبي الجميلة تنم عن غيوم ملبدة، وصلاة الاستسقاء ستقام طلباً للرحمة وطمعاً في حبات مطر تسقي أديم الأرض، يا لها من مفارقة تكتبها الطبيعة بروح خلابة وتنسج لها حيزاً من التفكير في عقل طفل يود أن يستقطع جزءاً من الثلج ويضعه على قمة الكثبان الصحراوية!!
وسط ساحة ''المارين'' بميونخ تمثال على شكل أسد يدر من فمه ماء، فالجميل أن الماء المتدفق قد أصبح متجمداً على آخر هيئة، والأجمل أن الحمامة التي اعتادت أن تبل ريقها قد وقفت على حافة التمثال تبحث عن الماء الذي أصبح شكلاً آخر!!
حين تسيرُ بك السيارة وتشع بك الذاكرة وحين تشاهد الجنرال الأبيض وقد كتم أنفاس البيوت فتتشعب الذاكرة، فتسأل أهل المدن كيف تعيشون وسط هذه الثلوج فيرد ذلك العجوز وقد اعتاد الثلج على زيارتنا فهو ضيف جميل!! فما يجعل جبال الألب الشامخة تنعم بالاخضرار لولا البياض القادم من زهو السماء، وما يجعل الأرض الشاحبة تصبح نظرة على مر الصيف المتوهج لولا لحاف الثلج!!
عند انكسار الزمن على نحو عام جديد هطلت الثلوج وكأنها تجدد عهدها بالحياة فكانت الأخبار تفرز حيزاً لها وقد قالت إن الثلوج قد تناقصت بالفترة الأخيرة!! حيث عبثت يد الإنسان بذلك الكم من الصناعات فأجهد الطبيعة، فكلما انتشرت المصانع على أديم الأرض تململت الحياة وتبقَّعت الطبيعة بالأمراض!!
فما لبثتُ أن عدتُ من ذلك الانكسار الزمني حتى تفجَّرت روح السماء بالبكاء فأخذت تتواصل ماطرة مهيمنة بهيبتها التي تصنع الحياة، فالأرض تحتضن بحب هذه الرسالة الربانية الممزوجة بالعطاء المتدفق بالدفء!!
فما بين الثلج والمطر تشرئب الروح وتتشظى الذاكرة وتتجلى المشاعر الغائبة، ترسم قلباً من الحب الجميل فكأنك كالطير نشواناً بعبير الحياة لا تدع حبات المطر إلا وقبلتها لكونها تخلق في عيونك الصفاء!! وتتورَّدُ البسمات على الوجوه وكأن حالة غزل مابين الكون والبشر، فحبات الرمل العطشى وخطوات الإنسان وفصول الظمأ تتوسَّم ذلك الاشتهاء وعبق المطر!!