قبل قرابة عام من الآن، وعندما استخدمت الشرطة الصينية العنف لإخماد الاحتجاجات السلمية التي قامت بها أقلية "الإيجور" في أورمكي، عاصمة إقليم "شينجيانج" الغربي، أشاح العالم بوجهه إلى الجانب الآخر، وقابل معاناة المسلمين في الصين بتجاهل كبير... هذه الخلاصة لم تكن مجرد تخمين أحد المراقبين للوضع في الصين، بل كانت الرسالة التي تضمنها تقرير أعده "مشروع حقوق الإنسان الخاص حول الإيجور"، والذي حمل اسماً دالًا في صيغة سؤال: "هل يستطيع أحد سماعنا؟"، فالتقرير الذي اعتمد على إفادات شهود العيان يتحرى تفاصيل ما جرى خلال الأزمة وما تخللها من عمليات إطلاق الشرطة الصينية للنار على المتظاهرين العزل ما أدى إلى سقوط المئات من القتلى، فضلاً عن عمليات الضرب الواسعة التي تعرض لها المحتجون واعتقال المشاركين في الاحتجاجات دون أن ننسى العزل التام للإقليم الذي استمر لعشرة أشهر متتالية، وفصل معاناة "الإيجور" تماماً عن العالم الخارجي، وفي مؤتمر عُقد الأسبوع الماضي بواشنطن حيث أعلن عن صدور التقرير أشار أحد شهود العيان كيف أن الشرطة لجأت إلى تزويد جماعات الهان الصينية بقضبان حديدية لضرب "الإيجور"، وهو ما يؤكد صحة التقارير التي أفادت بمسؤولية قوات الأمن في التحريض على العنف ضد "الإيجور" وتأجيج الكراهية تجاههم. ومع أن السلطات الصينية حملت مسؤولية الاضطرابات الإثنية التي شهدتها إلى "قوى خارجية معادية" في إحالة إلى زعيمة أقلية الإيجور "ربييا قدير"، التي تعيش في المنفى بالولايات المتحدة بعد خروجها من السجن في العام 2005، إلا أن مصدر القلاقل الرئيسية يرجع إلى أسباب داخلية، وتحديداً إلى الهجوم الذي تعرض له عمال إيجور في معمل لصناعة الألعاب قبل عشرة أيام من اندلاع المظاهرات، والحقيقة أن تواجد العمال الإيجور على بعد ثلاثة آلاف ميل عن إقليمهم يؤكد السياسة الصينية المناهضة لـ""لإيجور"، والتي تعتمد على تشجيع استيطان عرقية "الهان" الصينية في المناطق الغربية، التي يقطنها المسلمون فيما يرسل العمال "الإيجور" العاطلين عن العمل، لا سيما النساء منهم، إلى شرق الصين للعمل في المصانع. وتوضح "قدير" أن التركيز على النساء بوجه خاص ليس وليد الصدفة قائلة: "نحن نعتقد أن ذلك جزء من جهود السلطات الصينية الرامية إلى تهديد وجودنا من خلال ترحيل النساء اللواتي هن في سن الزواج، وتكوين أسر إلى مناطق بعيدة لمنعهن من ذلك". والواقع أن عملية تهجير السكان "الإيجور" وما يترتب عليها من تغيير للتركيبة الإثنية في إقليم "شينجيانج" هو فقط أحد أبعاد السياسة الصينية الممنهجة في التعامل مع المسلمين وتهديد وجودهم في المناطق الغربية للصين، وبالإضافة إلى ذلك تعمل الصين على إقصاء لغة "الإيجور" المحظور تداولها في المدارس والمؤسسات التعليمية فيما تحرق كتب الإيجور وتطمس ثقافتهم في الوقت الذي يخضع فيه رجال الدين إلى برامج "إعادة التأهيل الوطني"، كما تُفرض قيود مشددة على بناء المساجد. وفي هذا الإطار أيضاً، تخطط السلطات الصينية حالياً لهدم مدينة "كاشجار" القديمة وتهجير 200 ألف من سكانها، علما أن المدينة تعتبر مهد ثقافة "الإيجور". وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وصف خطة إسرائيل بهدم 22 منزلا فلسطينياً في القدس الشرقية بالخطوة "الاستفزازية" المنتهكة "للقانون الدولي"، إلا أن أحداً لم يلتفت للإيجور وخطط الحكومة الصينية بهدم مدينتهم وطمس ثقافتهم، ويبدو أن الوضع شبيه بوصف "جورج أوريل" لستالين عندما قال "إن أفظع الجرائم قد تمر دون ملاحظة طالما أن تلك الجرائم لا تتفق مع المزاج السياسي السائد في لحظة معينة"، وهو نفس ما ينطبق على محنة "الإيجور"، التي لا تناسب معاناتهم المزاج السياسي العالمي، بل لا تحرك ساكناً لدى باقي المسلمين في العالم. وقد ضم التقرير الذي صدر الأسبوع الماضي حول "الإيجور" توصيات موجهة إلى الحكومة الصينية، لكن اللافت في تلك التوصيات مثل حرية الإعلام وسيادة القانون والاعتراف بالمظالم الحقيقة للإيجور ومعالجتها بعيداً عن القوة والعنف، هي نفسها ما تضمنه "ميثاق 08" الذي وقعه أكثر من ثمانية آلاف صيني، بما فيها الدعوة لتبني نظام فيدرالي يضمن ازدهار وتعايش جميع الإثنيات والديانات؛ وفي هذا الصدد يعاني "الإيجور" كما باقي الحركات الديمقراطية في الصين إلى موجة من التطرف القومي تسعى الحكومة في بكين إلى تغذيتها بحثاً عن شرعية تفتقدها في ظل غياب سلطة ديمقراطية مستندة إلى الشعب، لذا يتعين على المطالب الديمقراطية الاعتماد على قنوات الاتصال الجديدة التي يصعب على السلطات الصينية حجبها تماماً لمواجهة ثقافة الكراهية التي تروج لها الحكومة الصينية، أما على صعيد المجتمع الدولي، فإنه أيضاً مطالب بالنهوض بمسؤوليته بحيث يتعين على الولايات المتحدة، وعلى غرار مشروع القرار الذي طرحه النائب "الجمهوري" في الكونجرس "جيمس ماجوفرن"، إثارة موضوع "الإيجور" في اللقاءات الرسمية بين مسؤولي البلدين والمطالبة بالسماح لموظفي السفارة الأميركية بمراقبة المحاكمات والسعي إلى فتح قنصلية في "أورمكي". ويتعين أيضاً على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي دعم مطالب "الإيجور" بإجراء تحقيق دولي مستقل لفهم ملابسات ما جرى من اضطرابات في شهر يوليو من السنة الماضية وفتح حوار جدي مع السلطات الصينية. كارل جيرشمان رئيس مركز "الوقف الوطني من أجل الديمقراطية" في أميركا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"