يحاول كتاب “أناس مثلنا يشوّهون الحقائق في الشرق الأوسط”، تفسير الخلل في التقارير الغربية الاعلامية حول منطقة الشرق الاوسط. الكتاب الذي نشر عام 2006 ولاقى منذ ذلك الوقت رواجا في هولندا حيث بيع منه حوالى 250 ألف نسخة، ترجم في ما بعد إلى اللغات الأوروبية الأخرى، وصدر قبل شهور باللغة الإنجليزية، ولفت انتباه عدد من الصحف الجادة. على مدى خمس سنوات، عمل الصحافي الهولندي جوريس لوينديك في تغطّية أخبار الشرق الأوسط لصحف وقناة تلفزيونية هولندية. بدأ العمل عام 1998 وهو في سن السادسة والعشرين عاما مراسلا لصحيفته في القاهرة، حيث كان درس اللغة العربية في احدى جامعاتها. هناك غطى مؤتمرات القمة والخطب الرئاسية، وأجرى المقابلات مع الشخصيات المؤثرة. وتدريجيا، بدأ يدرك انه لا ينقل الواقع المصري كما هو لقراء الصحف الهولندية، فالغالبية لا تتحدث اليه بصراحة، المسؤولون والافراد. وسيستمر هذا الشعور معه في اكثر من بلد عربي انتقل اليه لتغطية احداث مهمة فيه، من بينها لبنان وفلسطين. يقول لوينديك: “لم أكن أريد أن أكتب كتابا يشرح كيف يمكن أن يصبح العالم العربي ديمقراطيا، او، الى أي مدى الإسلام متسامح أو متعصب، أو، من هو على حق أو خطأ في الصراع بين إسرائيل وفلسطين”. بدلا من ذلك، كتب كتابا يشرح بطريقة مبسطة، كما لو انه يحكي مع صديق، أنه من المستحيل على أي صحفي شرح ما يحدث في الشرق الأوسط، لأنه لن يفهم الشرق الأوسطّ. يشير لوينديك إلى ندرة عدد المراسلين الغربيين في الدول العربية ممن يتحدثون اللغة العربية، ويزداد الامر تعقيدا في صعوبة الاختلاط مع السكان المحليين. وهكذا فهو يعتقد ان لا أحد في الغرب يعرف الكثير عن الواقع العربي بسبب غياب استطلاعات الرأي أو المصادر الأخرى لمعرفة آراء الناس، مثل شفافية المسؤولين. هذا أصبح واضحا بشكل مؤلم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. “هل يؤيد كثير من العرب اسامة بن لادن؟ من المستحيل أن نعرف، هل يؤيد العديد الأصوليين المسلمين الذين لا يلجأون الى العنف؟ من المستحيل أن نعرف أيضا”. تراجيديا كوميدية “أناس مثلنا” كتاب يساعد على تفسير التراجيديا الكوميدية للجيوسياسي في الشرق الاوسط خلال السنوات الثماني الماضية، عندما بدأت الحكومات الغربية محاولتها لتغيير العالم العربي بعد عام 2001 ، “فالجميع ذهبوا الى المهمة معصوبي الاعين”، يوضح لوينديك. القادة الغربيون والعملاء السريون تعاملوا بسوء تقدير مع معظم المعلومات، فقد كانوا في حالة من الذهول بعد التاسع من سبتمبر. كذلك كان المسؤولون في الحكومات الغربية في حالة من الذهول حيال الفلسطينيين، الذين عندما حصلوا اخيرا على حق التصويت، صوتوا لصالح حماس. وذهلوا عندما لم يستقبل العراقيون الجنود الأمريكيين بالورود. كانوا ايضا في حالة من الذهول عندما تبين لهم ان صدام حسين ليس لديه اية أسلحة دمار شامل. وفي ما يخص هذه المهزلة ينحى لوينديك باللوم على جهل الغرب بمنطق الديكتاتورية. ويحمل وسائل الإعلام بعض المسؤولية في هذه الاخفاقات وسوء التقدير، ويبدي دهشته في ان التغطية الغربية لمنطقة الشرق الأوسط لم تتحسن بعد تلك السنوات. بعد القاهرة انتقل لوينديك الى لبنان ومن ثم الى القدس الشرقية لتغطية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني للتلفزيون الهولندي. هنا وجد نفسه امام وضع آخر غريب، “كأن الصراع في المنطقة أنتج للتلفزيون”، يقول، ويشرح بتفصيل اكبر فيشير الى رشق الحجارة والعمليات الانتحارية، والـ 24 ساعة التي تنتظرها اسرائيل قبل ان ترد على أي هجوم فلسطيني، “بحيث يمكن للعالم أن يرى ألم إسرائيل ويتجاوب معه، ويغطيه في نشرات الأخبار التلفزيونية”. ويقول في مكان آخر: “الفكرة الشائعة حول المراسلين، هي أنهم ينقلون القصة كأنهم موجودون في مصنع الخبز، بينما كل ما فعلناه في الواقع هو، وضع الخبز في التغليف”. ويذكرنا لوينديك بأن مراسلي التلفزيون عبيد لصورهم، وانهم لا يمكن ان يقولوا سوى القصة التي تبديها الصور، “ذلك لأن الصور تتحدث بصوت أعلى من الكلمات”. ويرى انه يمكن للتلفزيون نقل حالة الرعب التالية لعملية انتحارية، ولكنه يكون أقل فعالية في نقل حياة الإذلال اليومية في ظل الاحتلال. ويعتقد لوينديك، أن “الفلسطينيين ليسوا ماهرين في إنتاج الصور التي تخصهم للتلفزيون”. الخبز والخباز “اسرائيل تتفوق في خبز الخبز”. يقول الصحفي الهولندي الشاب، “فهي تعرف كيف تستغل أي دليل صوتي أو أي صورة للتلفزيون، في حين أن المتحدثين الفلسطينيين يتوجهون الى العامة بلغة غير مفهومة”. وبحسب وجهة نظره فإن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات “تعمد إبقاء الفلسطينيين الفصيحين بعيدا عن الاعلام، لأنه كان يخشى نفوذهم لاحقا”. لوينديك يقر بأن المنشورات الغربية الجادة التي تحمل تقارير دقيقة حول الشرق الاوسط، قليلة، مثل نيويورك ريفيو أوف بوكس، وحفنة من المجلات الاخرى. “للأسف، لا يكاد أي شخص يقرأ لهم. التلفزيون، الواسطة السائدة، يشوه الصورة، ونادرا ما يفسر للمشاهد كيف يحصل على “القصة”. الافكار الواردة التي يوردها جوريس لوينديك في مؤلفه الذي حقق انتشارا واسعا، قابلة للنقاش، ولا تُقبل بالضرورة على اطلاقها، فالمنطقة ليست بهذا الاغلاق على الفهم كما يصورها هذا الصحفي الشاب، لكنه كتب انطباعاته بإخلاص للمنطقة، وعلينا ان نستفيد من بعض ملحوظاته التي يوردها عن تعامل العرب مع الاعلام. اما بالنسبة للغرب فسأعتمد على رأي سيمون كوبر الكاتب في صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية، الذي قال ان الكتاب الذي ربما تستغرق قراءته ثلاث ساعات فقط، “سيغيّر في النهاية من طريقة تفكير القراء ووسائل الإعلام حيال الشرق الاوسط”.