نوف الموسى (أبوظبي)

أكد معالي وزير الثقافة والرياضة والسياحة الكوري بارك يانغ وو أن الحوار الثقافي الإماراتي الكوري الذي أطلقته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة أمس الأول، يُمكنه إثراء تجارب البلدين الثقافية، معتبراً أنه خطوة أخرى لبناء جسور التواصل.
وقال في حوار مع «الاتحاد» إن الحوار الهادف إلى تطوير العلاقات الثقافية من شأنه توسيع التعاون الثنائي بين البلدين في كافة القطاعات، وأضاف: «نحن متفقون تماماً على أن الثقافة هي الوسيلة الأقوى والأهم في تمكين التعارف فيما بيننا».
وأوضح معاليه أن التعريف بالثقافة التقليدية للمجتمعين الإماراتي والكوري، يمكن أن يوفر فرصة مثالية لهذا التعارف بشكل علمي ورصين، ولهذا يركز برنامج الحوار الثقافي بشكل نوعي على الثقافة التقليدية، لافتاً إلى إمكانية الاستفادة من الموروث التقليدي في تطوير العناصر المشتركة بين الثقافتين الإماراتية والكورية، وإنتاج حالة من الفهم المتبادل ورؤية مشتركة حول أهم القضايا العالمية.

يمثل «الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020» الذي انطلق تحت شعار «تلاقي الثقافات»، تأكيداً على المخرجات الحضارية لـ 40 عاماً من العلاقات الدبلوماسية، التي نشأت في عام 1980. ويستهدف الحوار رسم ملامح عامة، للأشكال التعبيرية التي يمكن من خلالها تحقيق نتائج على مستوى الانفتاح الثقافي بين البلدين، ومن أهمها: تأسيس فضاء للصناعات الثقافية والإبداعية، وتبادل الخبرات وفتح قنوات الحوار لدعم الشباب والموهوبين، والخروج بمشاريع فنية وثقافية مستدامة.
يقول معالي وزير الثقافة والرياضة والسياحة الكوري بارك يانغ وو، إن أهداف مثل هذا الحوار لا يمكن أن تتحقق دون الإيمان بأدوارنا كشعوب، في الإمارات وكوريا الجنوبية، في إحداث التعارف بيننا، بشكل فعلي وملموس، بحيث نؤسس الخطوة الأولى لإثراء تجاربنا الثقافية، فالمسألة تتجاوز برنامجاً ثقافياً معيناً، هذا لن يكون كافياً بالطبع، ولكنه ممر مهم، لبناء جسور الالتقاء في النواحي المتعلقة بإعادة اكتشاف اللغة، وإدراك أهمية تقريب المسافة للمتحاورين من الجهتين، ورصد التجسدات الجديدة لأبعاد التداخل بين الثقافتين، وهو ما يطرح أسئلة حول دور الحوار كونه مسألة غير متعلقة بالحديث اليومي الاعتيادي فقط، ولكنه يتطلب دراسة عميقة، فعلى سبيل المثال، يمكننا التفكير في أثر مقطوعة موسيقية تجمع آلات عربية وكورية، نستمع لها من دون أن ننطق كلمة واحدة، ومع ذلك نستشعر حواراً ما من خلال الثقافتين، وهنا تكمن قوتهما وتأثيرهما.

تمكين
وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة التقليدية في تجذير الحوار الثقافي الإماراتي الكوري، يوضح معاليه: الثقافة جزء متصل بالعادات والتقاليد وأنماط التفكير والسلوكيات التي نشاهدها في حياة الشعوب اليومية، ومحاولة إظهارها على السطح، والتعرف عليها من خلال حوارات مستمرة، سواء في مناقشة مباشرة أو عرض فلكلوري أو حتى بناء معهد تعليمي مشترك من شأنه أن يعزز ويطور العلاقات الإنسانية، والتي بطبيعة الحال تُسرع وتيرة النمو، في القطاعات المختلفة، فنحن متفقون تماماً على مسألة أن الثقافة، هي الوسيلة الأقوى والأهم في تمكين تعارفنا مع بعضنا بعضاً.
ويتابع قائلاً: الثقافة تتكون من جزأين رئيسين هما: الثقافة التقليدية سالفة الذكر، والثقافة الحديثة، فالإمارات وكوريا الجنوبية تملكان تراثاً في المجالين بالطبع، وما يمكن تحقيقه في الفترة الراهنة، هو البدء بالتعريف بالثقافة التقليدية للمجتمع الإماراتي والمجتمع الكوري، والتي من دونها لا يمكن أن نتعرف على بعضنا بشكل علمي ورصين ومتمكن، ويتضح تقديرنا للحاجة الماسة لهذا البعد في الثقافة عموماً، بإدراجها ضمن فعاليات وبرامج وأنشطة برنامج «الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020»، وسيلاحظ الزوار والمشاركون والمهتمون تركيزنا النوعي على الثقافة التقليدية، وربما تُعد حفلات الموسيقى الكورية التقليدية، إحدى أبرز أوجه الثقافة بمكوناتها التراثية.

تحولات الثقافة الكورية
في كلمة لمعالي بارك يانغ وو، بمناسبة إطلاق برنامج «الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020»، قال: «إن الأمم تتطور أكثر وتتقدم وتصبح أجمل عندما تتواصل مع الثقافات الأخرى، ليس عند بقائها في مكان واحد»، ويعكس هذا القول تاريخاً من التحولات شهدتها الثقافة في كوريا الجنوبية. ورداً على سؤال حول تلك التحولات، وأثرها في اللحظة الراهنة على تطور الحوار الثقافي بين الإمارات وكوريا الجنوبية، قال معاليه: يعرف المتابعون لحراك كوريا الاجتماعي والثقافي أنه تأثر بالفلسفة «الكونفوشيوسية» المرتبطة بفلسفة القيم الأخلاقية، ومن هنا عُرفنا بكوننا مجتمعاً محافظاً، لكن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي شهدت تحولاً مع دخول الثقافة الأميركية. وأريد التنويه إلى أننا في البداية رفضنا وقاومنا دخول الثقافة الغربية، إلا أننا بعد ذلك، استوعبنا شكل التحول ودوره في تطور ثقافتنا الكورية، لذلك عملنا على تعزيز الثقافة الكورية الأميركية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عدة نماذج ظهرت في المجتمع الكوري.
من ذلك ظهور فرقة «بي تي اس الكورية»، وهي فرقة فتيان من كوريا الجنوبية مكونة من سبعة أعضاء تم تشكيلها في سيول في عام 2013، وشاركت ضمن فعاليات «موسم الرياض»، وهي المرّة الأولى التي تحيي فيها الفرقة حفلاً لها في منطقة الشرق الأوسط. وتُعرف الفرقة بالأنواع الموسيقية العديدة من بينها موسيقى «الهيب هوب» و«الكي بوب». وهناك الكثير من تلك الأمثلة في كوريا الجنوبية في الوقت الحالي. كذلك ازدهر الفن الحديث في الستينيات والسبعينات، ويمكن ملاحظة خروج الأعمال الفنية من تأثرها بـ «الكونفوشيوسية» في اللوحات التقليدية إلى عوالم جديدة ومختلفة.

تطوير
يتضمن برنامج الحوار الإماراتي الكوري معارض فنية وعروض أداء وورش عمل ولقاءات وجلسات حوارية، ومن أهدافه تطوير العلاقات الثقافية، التي يرى معالي الوزير أن من شأنها توسيع التعاون الثنائي بين البلدين في كافة القطاعات الأخرى، ولدى سؤاله عن كيفية حدوث هذا التطوير وأشكاله الممكنة، تحدث معالي الوزير الكوري بارك يانغ وو، عن نموذج تفاعلي لواحد من العناصر المشتركة في الثقافتين الإماراتية الكورية، وهو «المجلس» الذي يوجد له شبيه في كوريا يُطلق عليه «سَرَ بانغ»، وهي عبارة عن غرفة للضيوف يجتمع فيها كبار السن فقط، للتباحث عن أمور وقضايا اجتماعية ومعرفية مختلفة، وقال: يمكن تطوير الـ «سَرَ بانغ»، على غرار «المجلس الإماراتي»، يحيث تتم فيه استضافة فئات مختلفة من المجتمع وليس فقط كبار السن، وأن يتجاوز دوره مجرد تبادل الحوارات والنقاشات ليكون فضاء لتشكيل لحظات من التواصل الحر والمستمر.

وقصد معاليه بالتطوير هنا، كيفية بناء أوجه للمحاكاة والالتقاء بين ثقافتين ننظر إليهما على أنهما مختلفتان، إلا أنهما، في الكثير من الجوانب، قد تلتقيان عند حاجة الإنسان الرئيسة للتواصل في مجموعاته الاجتماعية، فضلاً عن كونه يطرح سؤالاً مستقبلياً حول آلية تطوير العناصر المشتركة بين الثقافتين الإماراتية والكورية، وإنتاج حالة من الفهم تجاه ما يقدم رؤية مشتركة لأهم القضايا العالمية، وممارسة الثقافة وليس فقط التعرف عليها.
ولفت معاليه إلى أن «الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020» يقدم فُرصة للاستماع إلى الجميع، وتوسيع أشكال التعاون الثقافي بين البلدين في المستقبل، ما يعزز عمل وزارة الثقافة والرياضة والسياحة الكورية المرتكز على تنفيذ سياسات في قطاعات مختلفة.

سيرة الوزير
* معالي وزير الثقافة والرياضة والسياحة الكوري بارك يانغ وو، مواليد 20 نوفمبر 1958، حاصل على دكتوراه علوم السياحة ـ جامعة هانيانغ، كوريا. وماجستير الثقافة والسياسة والإدارة ـ جامعة سيتي لندن، المملكة المتحدة. وماجستير الإدارة العامة، كلية الدراسات العليا للإدارة العامة ـ جامعة سيول الوطنية، كوريا. وبكالوريوس الإدارة العامة ـ جامعة تشونغ آن، كوريا. عمل معاليه في الفترة بين 2015 و 2017 مديراً لمؤسسة كوانجو بينالي، التي يستضيف بينالي جوانجو، وهو بينالي فني معاصر تم تأسيسه في سبتمبر 1995 في جوانجو، بمقاطعة جولا الجنوبية في كوريا الجنوبية، أما في الفترة بين 2009 و 2010، فكان نائب الرئيس التنفيذي ، جامعة تشونج انج. وفي الفترة بين 2008 و 2019 أستاذ إدارة الفنون ـ كلية الدراسات العليا للفنون في جامعة تشونغ آن، سيول. وفي الفترة بين 2002 و 2005 شغل منصب المدير التنفيذي، المركز الثقافي الكوري، القنصلية العامة لجمهورية كوريا في نيويورك. إضافة إلى أنه عمل مساعد سكرتير الرئيس للرعاية الاجتماعية، مكتب الرئيس، في الفترة (1998 - 1999).

الله يا دار زايد
في المؤتمر الصحافي الخاص بإطلاق «الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020»، تحت شعار «تلاقي الثقافات»، الذي أجرت «الاتحاد» هذا الحوار على هامشه قدم العازف الإماراتي فيصل الساري، عبر آلة العود، بمشاركة فنان كوري، مقطوعة موسيقية لـ أغنية معروفة في المجتمع المحلي، وهي «الله يا دار زايد، كيف محلاها»، واللافت أن الآلة التي استخدمها الفنان الكوري شبيهة بآلة الربابة، المعروفة لدى أهل البادية، وفي ثقافة الصحراء في شبه الجزيرة العربية، هذا اللقاء الجمالي بين إيقاع الآلات، هو التأكيد العملي على ما أشار إليه معالي الوزير، حول الحوار الثقافي، بأنها مرحلة تجاوز للنقاش الاعتيادي المباشر، في الفضاء العام، إلى قدرة بديعة على إفراز أشكال تعبيرية جديدة، وإتاحتها أمام جمهور واسع ومتنوع، غير مقتصر على الثقافتين العربية والكورية، بل مختلف الثقافات التي تعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة.