أحمد عثمان (باريس)

«جاك فاشيه، كاتب شهير من دون أن يكتب شيئاً»، هناك شيء من الصحة في هذه الجملة، وأيضاً شيء من الخطأ، كما تبينها الطبعة الأولى الكاملة التي ضمت جملة «رسائل الحرب 1914-1918»، التي صدرت مؤخراً عن مطبوعات غاليمار، باريس، بتحقيق وتقديم باتريس آلان وتوما غيلمين.
ولد جاك فاشيه في عام 1895، وتوفي في عام 1919. قابل أندريه بروتون، الشاعر السوريالي الشهير، في مشفى نانت في يناير 1916، ومنذ ذاك تصاحبا، وقدم الأخير الطبعة الأولى (الناقصة) من كتاب فاشيه «رسائل الحرب» التي صدرت في أغسطس 1919.
طوال حياته، لم يكف بروتون عن التذكير به، منذ «بيان السوريالية» الأول (1924) الذي كتب فيه: «فاشيه سوريالي في ذاتي». كما كتب لأخت الراحل: «إنه الرجل الذي أحببته كثيراً في العالم، ومن دون شك، إنه أكثر من أثر فيَّ».
وفي مقدمته «أنطولوجيا الدعابة السوداء»، كتب أيضا: «في الهروب الى الخارج زمن الحرب الذي سوف يترك في دواخله شيئاً ما مصفراً، يموضع فاشيه شكلاً آخر من عدم الخضوع من الممكن أن نسميه الهروب الى داخل الذات»، بينما كتب باتريس آلان: «متجسداً بعد الوفاة، بهذا الجانب الملعون من الأدب (مخدرات، انتحار، فعل مجاني...)، بلغت شخصية جاك فاشيه بعداً أسطورياً».
وفي العصر الحديث، ذكر إنريك فيلا- ماتس: «النيزك فاشيه، الحجر البركاني والمتفلسف» في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه «فنانون بلا كتب».
«على وجه الإجمال، امتلكت ما حلمت به وأفهمه بشغف، الحرب كما أراها بعيني هاوٍ فضولي لا يسعى إلى القيام بأي دور إيجابي»، هكذا كتب جاك فاشيه نهاية 1916 إلى صديقته جان ديريان، قبل أن يوضح حالته برسمة، بما أنه كان رساماً أيضاً.
في الحقيقة، هو غارق حتى أذنيه في الحرب: «أنا موجود في الخط الأمامي على بعد كيلومترين من العدو، خلف الجثث وغابة تروي (...) هيمنة الوحل مطلقة. يا للشيء الرهيب!، يا للوحل الذي لم أرَ مثله من قبل!، بيوت مهدمة، قتلى، كر، فر، حريق، ثورة – حقاً، هذا أفضل ما يتحقق خلال الحرب – الحرب مصيبة. هذا ما يتأتى إلى الرأس، هذه الرابطة العتيقة من الكلمات». إلى جانب ما سبق، لا يكف فاشيه المتأنق عن مطالبة والدته بالملابس (والنقود) : «أخيراً – مرة أخرى أطلب منك أن ترسلي إلي وشاحاً عريضاً من الحرير، ذي لون فاتح (خنادقنا مغروزة في الحجر الجيري).
كانت رسائله إلى بروتون ذات نبرة مختلفة، ففي عام 1916، كتب: «يتمثل حلمي الحالي في ارتداء قميص أحمر، وشاح أحمر وأحذية عالية. أن أكون عضواً في جماعة صينية سرية بلا هدف في أستراليا». وفي 1918: «الفن حماقة (...) هربت منه – الى هذه العزلة الأخيرة – غير أنني أسعى الى أن أموت قتيلاً وقت الحرب. أمضي جزءاً كبيراً من أيامي في التنزه في أماكن غير مناسبة، حيث أرى الانفجارات الجميلة. أكون في الخلف، دوماً، في مبنى البلدية، حيث أحب أن أتناول طعامي – شيء مثير للرثاء – ولكن ما العمل؟».