أبوظبي (الاتحاد)

تمكن «مهرجان سلطان بن زايد التراثي» منذ نسخته الأولى من تحقيق مكانة مرموقة على صعيد المهرجانات التراثية إقليمياً وعربياً ودولياً، وذلك بفضل الدعم اللامحدود، من سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، رئيس نادي تراث الإمارات، لمشاريع صون التراث، وتعزيز مُقوّمات وركائز الهوية الوطنية، انطلاقاً من ثقة سموه بالدور المهم الذي تؤديه الثقافة والمعرفة في نهضة المجتمع وتقدّمه، بما يحمله المهرجان من أبعاد تاريخية واقتصادية ومُجتمعية ومعنوية كبيرة. إنّه في الواقع المهرجان الذي يختزل روح التراث في «سويحان»، وهو من دون شكّ ، الملتقى الأبرز في عالم «ثقافة التراث» وترسيخها وتصديرها بصورة حضارية إلى كل من يتصل به في الداخل والخارج.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، تولي اللجنة المنظمة للحدث، اهتماماً بالغاً بالبعد الثقافي، ليكون رافداً من روافد نجاحه وتميزه وتنوع نشاطاته المصاحبة، ولأن المهرجان يقوم على مبدأ تحقيق معادلة الأصالة والمعاصرة، وتنفيذاً لتوجيهات راعي المهرجان سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، فقد تم اعتماد جملة من المسابقات الثقافية والنشاطات الأخرى، من بينها المسابقة الشعرية، ويشرف عليها مركز زايد للدراسات والبحوث التابع لنادي تراث الإمارات، وموضوعها هذا العام «مجاراة لأبيات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - يا ذا الشباب الباني»، حيث كان شاعراً أكسبته حياة البداوة التي عاشها فطرة مبدعة، إلى جانب ذلك فقد كان للشباب أهمية بالغة في فكر وسياسة وشعر حكيم العرب، وهو الذي خاطبهم في قصيدته - موضوع المسابقة:

يا ذا الشباب الباني بادر وقـم بجهــــــود
ولا تقّــــــلد الدلهاني لي ما وراهــم زود
وترى الّردي والدّاني في ســــــعيهم منقــود
شـــــمر لوقــــــت زاني واعمـــل شرى ليدود
وعسى شـــباب أوطاني يحظـــــى بجــهد وفود

والشيخ زايد «طيب الله ثراه» كان من المجيدين في شعر قصائد «المجاراة» أو«المشاكاة»، فخلال مسيرته الشعرية الاستثنائية، أثارت العديد من القصائد قريحته الشعرية، فقام بالرّد عليها بقصائد مجاراة خاصة، كانت غنية بالجوانب الإبداعية والجمالية ليستخرج من أعماق معانيها ودلالاتها الدرر الثمينة والكنوز الدفينة من الفكر والحكمة والجمال، ومن الشعراء الذين رد على قصائدهم، معالي أحمد خليفة السويدي، ومعالي الدكتور مانع سعيد العتيبة، وحمد بن سوقات، وغيرهم من الشعراء.

المسابقة مفتوحة أمام الشعراء والشاعرات من سن 16 فما فوق لأبناء دولة الإمارات ومواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وسيتم اختيار أفضل خمس قصائد مشاركة في المسابقة ودعوة الفائزين لإلقاء قصائدهم أمام الفريق المشرف على المسابقة. وقد خصصت جوائز قيّمة للفائزين، حيث سيمنح الفائز بالمركز الأول رمزاً وسيارة فاخرة، ويحصل الشعراء الأربعة الآخرون على جوائز نقدية قيّمة.

لقاء الفن والتراث في ليالي سويحان
من الفعاليات المتميزة في مهرجان «سلطان بن زايد التراثي» ليالي سويحان، حيث يتعانق الفن مع التراث في فعالية «ليالي سويحان»، التي تعد من الفعاليات المميزة في المهرجان والتي تشهد إقبالاً كبيراً من زوار المهرجان من مختلف الأعمار ومن الجنسيات كافة.
ويلعب الفن والإعلام بمختلف صنوفه ووسائله دوراً أساسياً في توثيق وتأصيل قيم التراث المتعددة، والحفاظ عليها وصونها. ودولة الإمارات زاخرة بتراث متعدد المزايا، متوارث من الآباء والأجداد، ويقع على عاتق المبدعين والموهوبين من فنانين وإعلاميين دوراً كبيراً، لأداء رسالتهم في حفظ التراث الوطني، بما يضمن استمراره جيلاً بعد جيل.
ويوفر التراث مادة ثرية للكتاب والفنانين لإنتاج مواد تلفزيونية وسينمائية، تحفظ التراث وتعرف الجيل الجديد والعالم به، ويقوم الفنانين بدور وطني كبير في تعزيز الانتماء والهوية الوطنية والتحذير من الأفكار الدخيلة.

المجالس التراثية .. ذاكرة الصحراء
من المظاهر اللافتة في المهرجان، استعادة ذاكرة الصحراء وحياة مجتمع الآباء والأجداد، خاصة تلك المجالس التراثية التي تنتشر عبر «عزب» كبار ملاك ومربي الإبل في مدينة سويحان، حيث يحلو الحديث عن المزاينات، ومكانة الإبل، وإلقاء القصائد ذات الصلة بالهجن وحياة الصحراء. وتؤكد هذه المجالس التراثية، أنها ملتقى بديع للأجيال والمهتمين بالإبل، حينما تحلو الجلسات، التي تستعيد من خلال هذه المجالس كل العادات النبيلة والعادات والتقاليد الأصيلة في ثقافة البادية.

ربط المصورين والمبدعين بالبيئة وهوية المكان
ضمن الفعاليات المصاحبة للحدث، نعيش أجواء ثقافية وفنية إبداعية مع مسابقة مخصصة للتصوير الضوئي، أو «التصوير المنظوري» موضوعها هذا العام «التراث»، ويضيف مثل هذا النّوع من المسابقات مصداقية للمعلومات والأماكن التي يتم نشرها من حولنا، والتصوير الضوئي هنا هو أكثر دقة من أشكال وسائل الإعلام المرئي، موثوقية اللوحة الفنية، على سبيل المثال، تعتمد على مستوى مهارة الفنان، وعلاوة على ذلك أي فنان بإمكانه أن يضيف أو يحذف أو يجمّل ما يشاء في لوحته، لكن الكاميرا هي أداة تحقق نتائج قياسية، فهي تلتقط المشهد كما هو بغض النظر عن من يستخدمها، هذا إلى جانب ما تحققه هذه المسابقة من مكاسب لتشجيع المصورين والمبدعين في هذا المجال وربطهم أكثر بالبيئة وهوية المكان وثقافة التراث، وبذلك نكون قد وسعنا من دائرة البعد الثقافي، وعملنا على إثراء أجواء المهرجان. وإذا نظرنا إلى أبعاد ثقافية أخرى في هذه الاحتفالية الثقافية التراثية، سنجد أن تنظيم معرض للكتاب من منشورات مركز زايد للدراسات والبحوث التابع لنادي تراث الإمارات، ومركز سلطان بن زايد، وتزيد على 130 عنواناً من كتب التراث والأدب والأخرى ذات الصلة بتاريخ الإمارات والمنطقة، والدواوين الشعرية، وغيرها من الإصدارات التي تعكس الدور الذي يلعبه المهرجان في النهوض بصناعة النشر والمعرفة في الدولة، وإثراء المكتبة العربية بالإصدارات الجادة، ضمن الإنتاج الغزير للمركزين.
وحرصت اللجنة المنظمة للحدث على الإسهام في إنجاح هذه الاحتفالية الثقافية التي تحقق تواصلاً نوعياً مباشراً مع جمهور المثقفين والباحثين والقراء من زائري المعرض الذي يمثل نشاطاً ثقافياً سنوياً يجمع بين الكتاب وقرائه، ويسهم في تعظيم قيمة القراءة، وتشجيع اقتناء الكتاب وتعزيز النشاط الثقافي في المجتمع العربي عامة والمجتمع الإماراتي خاصة، مضافاً إلى كل ذلك البرنامج الثقافي المصاحب والغني بالعروض المسرحية والأمسيات الغنائية، وعقد المجالس التراثية، ودعوة كبار الشخصيات الثقافية والفنية لحضور ومتابعة جماليات وفعاليات المهرجان، يحقق صورة احتفالية تعزز من قيمة الأبعاد والدلالات الثقافية، حيث تجسد الثقافة الرصينة اليوم أمناً وقائياً للأجيال في ظل ما نشهده من تهميش للهويات والثقافات.