أورفيل شيل مدير مركز مجتمع آسيا للعلاقات الأميركية - الصينية في الآونة الأخيرة، انشغلتُ بتتبع مسألة ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهمالايا الكبرى. ونظراً لإدراكي للآثار الخطيرة للتقلص البطيء لواحد من أروع الأشكال الأرضية على الإطلاق، فإن ذلك ترك لديّ شعوراً بالإحباط، على أقل تقدير. ذلك لأنه من المستحيل على المرء أن يركز على مرتفعات الهمالايا دون أن ينتابه الحزن وهو يرى شيئاً كان يبدو ذات يوم شامخاً، راسخاً، ومتحدياً للزمن وقد أصبح منكشفاً، هشاً، وقابلا للاندثار بسبب الاحترار الشديد. وهناك مسألة أخرى حاسمة شغلت تفكيري أيضاً في الآونة الأخيرة وتركتني هي الأخرى في حال لا يقل كآبة عن حالي عندما سمعت عن ذوبان أنهار الهمالايا الجليدية. وهذه المرة كان التهديد متعلقاً ببلدي الولايات المتحدة الأميركية. فنحن الأميركيين عبرنا، كما هو الحال مع جبال الهمالايا الجليدية، نقطة فاصلة راحت فيها أشياء طالما اعتدنا على وجودها تذوب تدريجياً.. ففي الشهور القليلة الماضية طفتُ بالعديد من مدن العالم الكبرى بدءاً من سان فرانسيسكو، إلى كوبنهاجن، إلى بكين، إلى دبي. وخلال تلك الرحلات تعودت على الاحتفاظ بقائمة مزدوجة أسجل فيها ما الذي ينجح وما الذي لا ينجح في نظري بالنسبة لكل دولة من الدول التي زرتها. وفي النهاية تبين لي أن تلك القائمة قد أصبحت تحتوي على قائمة بما يمكن أن ينجح في أماكن أخرى، ولكنه لا ينجح هنا في الولايات المتحدة. ففي بلدان مثل الصين، وكوريا الجنوبية، والسويد، وهولندا، وسويسرا، والإمارات العربية المتحدة وجدت أناساً منخرطين بجدية بالغة في مواجهة تحديات التعليم، والمواصلات، والطاقة، والبيئة، كما استشعرت فيها وجود ذلك النوع من التفاؤل الناتج عن الإحساس بالقدرة على عمل أي شيء مهما كان وهو ذات الإحساس البناء، الذي كان متوافراً بقوة يوماً ما في الولايات المتحدة. وفي الصين على سبيل المثال وهي دولة أستطيع أن أقول إنها قد نجحت في تحقيق معجزة اقتصادية على رغم نظامها الشمولي يمكنك اليوم أن تشعر بذلك الشعور بالطاقة والتفاؤل وقد انتشر مع ذرات الهواء إلى درجة تدفع الأميركيين من أمثالي للتساؤل والتفكير في الأسباب التي جعلت ذلك الشعور يغيب عن بلادهم. ومن هنا رحت أعد قائمة تشمل ما ينجح هنا وما لا ينجح في بلادي.. والسبب الذي يجعل المطارات في الصين أنيقة براقة منتظمة، ويجعل مطارات بلادي متداعية تعمها الفوضى.. وما الذي يجعل القطارات في أوروبا فائقة السرعة، بالغة التطور، ويجعلها في بلادي قديمة متداعية وبطيئة تعاني من الازدحام. وهذه القائمة انقسمت بمرور الوقت إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى: قائمة الأشياء الراسخة عندنا والمستمرة في النمو والتي تعتبر موضع حسد العالم. والفئة الثانية هي قائمة الأشياء التي لا تزال حية وتتحرك ولكنها قائمة على توازن حرج بين النمو وبين التراجع. وأما الفئة الثالثة فهي قائمة الأشياء التي انكسرت ولم يعد من الممكن إصلاحها. وفيما يلي الأشياء التي سجلتها على تلك القائمة الإجمالية: الفئة الأولى وتشمل: - التقنية الحيوية: التي لا زالت قادرة على أن تقدم للعالم أكثر الأبحاث ابتكاراً وأكثر الأفكار إبداعاً. - "وادي السيليكون" الذي لا يزال يمتلك قدراً هائلا من النشاط والطاقة بفضل رؤوس الأموال الهائلة الموضوعة تحت تصرفه. - القوات المسلحة الأميركية: التي تمتلك أفضل القيادات وأفضل المعدات والأسلحة على رغم استمرار الزج بها في أتون معارك ميئوس منها من قبل الساسة الحمقى. روح التماسك والتآزر التي تميز الحياة في المدن الأميركية الصغيرة. الفنون: ويأتي على رأسها فن السينما الذي لا يزال هو الفن المهيمن الذي يبهر العالم بأسره شرقه وغربه. الفئة الثانية، أي الأشياء التي لا تزال تعمل ولكنها تحتاج إلى مساعدة: - التعليم العالي والثانوي: على رغم أن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك بعضاً من أفضل معاهد التعليم العالي والثانوي إلا أن العديد من المعاهد التعليمية الحكومية والعامة لا تزال تعاني من مشكلات مادية ضخمة تحول بينها وبين القيام بواجبها. - الحماية البيئية: لا تقل عن غيرها من الدول المتقدمة على رغم نقص التمويل. - نظام الطاقة الوطني الذي لا يزال يؤدي دوره وإن كان معتمداً أكثر من اللازم على الفحم والنفط كما تحتاج شبكته إلى عملية تحديث كبرى. الفئة الثالثة، الأشياء التي تحتاج إلى تدخل حاسم: - التعليم الابتدائي العام الذي لم يعد قادراً على القيام بوظيفته الأساسية بسبب نقص التمويل. - الحكومة الفيدرالية المشلولة بسبب المناورات الحزبية. - حكومات الولايات المعسرة دوماً وغير القادرة على العمل. - البنية التحتية التي تدهورت إلى مستويات متدنية في مختلف المجالات. - المطارات والموانئ التي تخلفت كثيراً عن مثيلاتها في أوروبا وآسيا وأصبحت في مستوى مطارات وموانئ دول العالم الثالث. - قطارات الركاب التي تخلفت كثيراً عن مثيلتها وخصوصاً في مجال القطارات فائقة السرعة. - النظام المالي: الذي أدى اختلاله إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نمر بها الآن. - الصناعات التأسيسية التي تدهورت حتى كادت تضيع في غياهب النسيان. لقد قمت بإعداد هذه القائمة محاولا إزالة الأشياء التي تبعث اليأس في نفسي، وفي نفس كل أميركي، فوجدت أن القائمة الفرعية لما نستطيع عمله قصيرة للغاية، في حين أن قائمة ما لا نستطيع عمله طويلة للغاية، بل وتزداد طولا كلما سافرت إلى دولة جديدة. إن الشعور بانحسار أميركا يبعث على الأسى، ويبعث على الأسى أكثر أيضاً أن البراعة الأميركية التي كانت تبدو في وقت ما كماركة مسجلة لهذا البلد قد ذابت تماماً مثلما ذابت أنهار الهمالايا الجبلية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»