هناك فئة من الناس غير واعية ولا مدركة لدور العقل الباطن، ومنهم غير مصدق بوجوده لمجرد أنهم غير مقتنعين بهذا الأمر. يقول العالم النفساني (فرويد): «إن السيرورات النفسية هي في جوهرها لا واعية، وأما الواعية منها فلا تعدو أن تكون أفعالاً منعزلة، شذرات من الحياة النفسية الشاملة». وقال كذلك: «إن الوعي لا يحتوي في كل لحظة إلا على محتوى طفيف جداً بحيث اننا لو نحينا هذا المحتوى جانباً لوجدنا الجزء الأكبر مما نسميه بالمعرفة الواعية، بالضرورة ولحقب مديدة من الزمن، في حالة كمون، أي في حالة لا وعي نفسي». ويذكر علم النفس أن أكثر من 90 % من النشاط العقلي يتم بعيداً عن إدراك الوعي. وقد قال العالم النفسي التطبيقي (جون إف. كيلستروم): «إن في العقل الباطن أو اللاواعي آلافاً من وحدات القياس العقلية الراسخة الارتباط بالجهاز العصبي». إن الإنسان يتعامل مع كل ما يحيط به بوعي ومن دون وعي بدرجات مختلفة. ففي حالة أعلى درجات الوعي للإنسان كوعيه بما يجري من حوله وما يحدث أمام عينيه وما يسمعه يظل هناك تأثير للعقل اللاواعي الذي يعمل ليل نهار بلا توقف وإن لم يكن ملحوظاً للآخرين. فتأثير العقل الباطن يظهر من حين لآخر من دون إرادة الإنسان حيث يتوقف ذلك التأثير على نوعية المعلومات والمفاهيم والخبرات السابقة وغيرها. فعندما تركز انتباهك وسمعك لشخص يتحدث عن موضوع ما فأنت تفعل ذلك بإرادة عقلك الواعي. ولكن ما يحدث لك من الشرود الذهني من وقت لآخر في أمور شتى كتذكر موقف له علاقة بموضوع الحديث، أو ربط ما يقال بموضوع سمعته منذ زمن، فإن ذلك سببه العقل اللاواعي الذي يحمل مخزوناً هائلاً من المعلومات بالصوت والصورة والأحاسيس. ولذا عندما يحكم الناس على الآخرين مثلاً باللامبالاة أو بسوء الإنصات لهم فإن ما جعلهم يقولون ذلك هي النتائج التي يرونها ويلمسونها من الآخرين، وتلك النتائج التي صدرت عن أولئك كان سببها تأثيرات العقل الباطن. وعندما نعرف معلومة هامة عن العقل الباطن مثل أنه يتحكم بما نسبته 90 % من وظائف الجسم علينا أن ندرك ونعي لنوعية المعلومات التي نتلقاها يومياً، ونوعية الأفكار التي تدور في أذهاننا، لأنها تصنع حالتنا النفسية والصحية، ونحن أشد ما نحتاجه في تطوير الذات الأفكار والتصورات والخيالات والمعلومات الإيجابية. وإن شاء الله سيكون لنا حديث متسلسل عن قوانين العقل الباطن وأثرها في حياتنا وقراراتنا اليومية والمستقبلية. د.عبداللطيف العزعزي dralazazi@yahoo.com