يقف القبطان ''كريس ديكنسون'' فوق الجسر المؤدي إلى سفينته، يراقب الحمولة باهتمام كبير بأحد الموانئ الصومالية؛ فليومان متتاليان رافق هذا القبطان الكندي بقامته الطويلة وشعره الأشقر سفينة شحن متهالكة في أحد أخطر المياه وأكثرها تعرضاً لهجمات القراصنة في العالم؛ فمع اقتراب السفينة التي تحمل المساعدات الغذائية للصومال -الذي تمزقه الحرب الأهلية وتهدد أهله المجاعة- من ميناء العاصمة مقديشو يرفع ''ديكنسون'' من درجة اليقظة، تأهبا لأي غارة ينفذها القراصنة، حيث تقوم سفينته الحربية بدوريات منتظمة على بعد ميلين من السواحل الصومالية لحماية سفن الشحن المحملة بالمؤن والمساعدات الموجهة للشعـــب الصومالي ولرصد الزوارق التي يعتمد عليهــــا القراصنــــة في شـــن هجماتهـــم الخاطفة، وتبقى الأسلحة جاهزة لإطلاق النار في حالة الطوارئ ومصوبة نحو المياه البعيدة· وإلى غاية الشهر الماضي، كانت سفينة القبطان ''ديكنسون'' التي يبلغ وزنها 47 ألف طن رابضة في مياه البحر المتوسط، حيث يختص طاقمها في رصد الغواصات وتعقبها، لكن وبطلب من البرنامج العالمي للغذاء التابع للأمم المتحدة أوكلت إليها مهمة التصدي للقراصنة قبالة السواحل الصومالية، وتأمين وصول المعونات إلى البلد المنكوب، فهو يرافق سفن الشحن المليئة بالحبوب وباقي المواد التي تقطع المسافة الفاصلة بين ميناء ''مومباسا'' بكينيا إلى الصومال، في رحلة تمتد على مسافة 510 أميال؛ ويسعى برنامج الغذاء العالمي إلى إطعام أكثر من ثلاثة ملايين شخص يتهددهم خطر المجاعة؛ ولعل ما يزيد في تعقيد الوضع أكثر، ويفرض ركوب البحر، أن نقل الطعام عبر البر من كينيا إلى الصومال ينطوي على أخطار أكبر مع احتمال التعرض لهجمات المسلحين واختطاف العاملين في المؤسسات الدولية· وقبل إطلاق الخدمة الدولية لمرافقة سفن الشحن التي تؤمن لها الحماية، كثيرا ما تعرضت تلك السفن المتعاقدة مع برنامج الغذاء الدولي لهجمات القراصنة، حيث يتم احتجازها، وبيع حمولتها لتمويل أنشطتهم؛ ومع أن فرنسا والدنمارك وهولندا أرسلت سفناً حربية لحماية شحنات الغـــذاء الموجهــــة إلى الصومـــال، إلا أن الثغرات الأمنية الناجمة عن تبادل الأدوار بين الدول، فســـح المجـــال للقراصنــة لاستهداف الممر المائي المهــم لنقل المساعدات الإنسانية· ويرى القبطان ''ديكنسون'' أن مهمته الأساسية تتمثل في الردع وإقناع القراصنة بأن خسائرهم ستكون أكثر من المكاسب في حال سولت لهم أنفسهم الاقتراب من سفن الشحن؛ فبرشاشاتهم الثقيلة والبنادق الآلية تلقى طاقم السفينة الحربية أوامر واضحة بإطلاق النار على أي زورق يقترب كثيرا من السفينة، كما تقوم الطائرات المروحية التابعة للسفينة بتفقد المياه القريبة من الأجواء للتأكد من عدم اقتراب الزوارق أكثر مما ينبغي؛ غير أن القبطان الذي يرافق سفن الشحن ليس من مهامه تعقب القراصنة، بل فقط منعها من السطو على المواد الغذائية، لذا أغفل الإشارات التي رصدها الرادار لمواقع السفن التي تعرضت لهجمات القراصنة· وقد أوضح القبطان موقفـــه هذا من الامتنـــاع عن الدخـــول في مواجهـــة مباشرة مع القراصنـــة قائلا: ''إننـــا لا نريد أن يقتل الرهائن، فالمفاوضـــات جاريــــة على قدم وساق بين مالكي تلـــك السفن، فضلا عن أننا لا نتوفر على الطاقم المتخصص لهذا الغرض، وأي تدخل منا سيأتي بنتائج عكسية''· يذكر أنه ما لا يقل عن 55 سفينة تعرضت للاختطاف من قبل القراصنة خلال السنة الجارية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن، بحيث أصبح يكلف اليوم سعر نقل شحنة من الغذاء عبر خليج عدن حوالي تسعة آلاف دولار، بعدما كان لا يتعدى 900 دولار في العام الماضي؛ ويبدو أنه بعد عقدين تقريبا على انهيار السلطة المركزية لآخر حكومة متماسكة في العام ،1991 انتقلت حالة الفوضى وغياب القانون إلى السواحل القريبة التي باتت تعج بالعصابات المسلحة بالرشاشات والقذائف· وحسب بعض التقديرات يتجاوز عدد القراصنة ألف شخص، يجوبون المياه القريبة من السواحل ويزرعون الرعب في نفوس البحارة والسكان على حد سواء· ولوضع حد لهذا الوضع تولى فريق تابع لسلاح البحرية الأميركي مهمة حماية الممرات البحرية، وضمان بقائها مفتوحة أمام حركة الملاحة البحرية، حيث أقاموا ممرا آمنا قبالة خليج عدن تحرسه سفن حربية وطائرات تحلق في الأجواء؛ لكن مهمة الفريق في المراقبة والحماية تمتد على رقعة واسعة يسهل على الزوارق الصغيرة للقراصنة اختراقها والاختفاء بسرعة بين أمواج البحر التي تبتلعهم دون أن يظهر لهم أثر؛ والنتيجة هي استمرار الهجمات وارتفاع مداخيل القراصنة التي تصل إلى مليون ونصف مليون دولار عن كل سفينة يتم السطو عليها· ويؤكد ''بوتينجال موكوندان'' -مدير المكتب الدولي للملاحة البحرية- إن عدد الهجمات التي ينفذها القراصنة باتت غير مسبوقة من حيث تكرارها، قائلا: ''نود أن نرى السفن الحربية وهي تستهدف القراصنة في خليج عدن وتبادرهم بالهجوم لمصادرة أسلحتهم ووقف عملياتهم، فإذا تمكنا من المبادرة سننجح في وضع حد لأنشطة القراصنة التي تهدد أمن الملاحة البحرية''؛ ويبدو أن طريقة المواجهة المباشرة مع القراصنة لاقت بعض النجاح، حيث شنت القوات الخاصة الفرنسية هجومين على سفن محتجزة لدى القراصنة، وتمكنت خلال الأسبوع الماضي من تحرير طاقم أحد اليخوت كان قد اختطفه القراصنة في شهر ديسمبر الماضي· روب كريلي-الصومال ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور