عبدالعظيم المطعني: الصوم واحد والأجور متفاوتة
الصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة لقوله -صلى الله عليه وسلم: ''بُنيْ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله· وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا''·
ويقول الدكتور عبدالعظيم المطعني -الاستاذ بجامعة الأزهر: فرض صوم رمضان في شعبان من السنة الثانية للهجرة والأصل فيه قوله تعالى: ''يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم''· وقد وردت هذه الآية في سورة البقرة وهي مدنية·
وشهر رمضان له شأن عظيم في الإسلام من ذلك أنه الشهر الفريد الذي ورد ذكره باسمه صريحا في القرآن الكريم·
ويقول: إنه الشهر الذي اختاره الله مبتدأ لنزول القرآن الكريم ولتشريف النبي عليه الصلاة والسلام بأمر الرسالة في أول سورة نزلت وهي قوله تعالى: ''اقرأ باسم ربك الذي خلق''· وهو الشهر الذي شهد فتوحات عظيمة كان لها أثر كبير في مستقبل الدعوة، منها غزوة بدر الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ ولا تزال مضرب الأمثال في البطولة المؤمنة المؤيدة بنصر الله: ''ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة''، ومن تلك الفتوحات فتح مكة وهو حدث تاريخي إسلامي مهم ويكفي أن يقول الله تعالى فيه: ''إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا''·
والمراد بالفتح فتح مكة وقد وقع في شهر رمضان سنة ثماني من الهجرة، وبعده أخذ الناس يدخلون في الإسلام أفواجا، قبيلة قبيلة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا، وأمن المسلمون في حلهم وترحالهم بعد أن قضوا على حصون الوثنية والشرك·
وفي العصر الحديث من الله علينا بنصره في معركة العاشر من رمضان وأيد قوات ''بدر'' بروح منه فربط حاضر الأمة بماضيها وأعاد الذكرى عملا خالدا لا قولا زائلا: ''وما النصر إلا من عند الله''· إنه الشهر الذي جعل الله من لياليه ليلة كريمة مباركة ضاعف فيها الفضل أضعافا كثيرة· ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، لأنها الليلة التي كانت ميقاتا لنزول القرآن الكريم: ''إنا أنزلناه في ليلة القدر''·
من أجل ذلك كله، فرض الله صوم رمضان تعظيما لهذا الشهر، وتذكيرا عمليا للناس بجلائل نعم الله فيه: ''فمن شهد منكم الشهر فليصمه''·
وورد بالسنة النبوية الكثير من النصوص عن فضل الصوم، وشهر الخيرات، وقد روى البخارى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ما معناه: ''الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل، وان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم إني صائم''· والرفث المنهي عنه في الحديث هو الجماع ومقدماته، وكل فاحش من القول، فليس من خلق الصائم أن يقع في مثل هذه الأعمال، وعليه أن يسمو بأقواله وأفعاله، وان يطهر قلبه، وتصوم جوارحه عن ممارسة المحظورات قولا وفعلا رؤية وسماعا·
ولما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، وقيل معنى نسبة الصيام الى الله أنه لم يتعبد به أحد غير الله، ولهذا نسب الله جزاء الصيام اليه وإن كان هو المجازي عن كل عمل صالح· اشارة الى مضاعفة أجر الصوم وأنه غير محدود· الحسنة بعشرة أمثالها· الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة· ويؤيد هذا قوله تعالى: ''إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب'' والصابرون هم الصائمون في أكثر الأقوال·
وقد اتفق العلماء على أن الصيام الذي يستحق هذا الجزاء هو الصيام الخالص لله، الذي سلم من المعاصي قولا وفعلا· وعلى هذا فأجر الصائمين متفاوت وليس على درجة واحدة، وهذا التفاوت راجع الى تفاوتهم في الطاعة، فأكثرهم أجرا أكثرهم طاعة وامتثالا واستشعارا لمعنى العبادة التي يؤديها، وأقلهم أجرا أقلهم طاعة ممن يظنون أن الصيام يتحقق بالإمساك عن الطعام والشراب والشهوة، ولا يبالون بما وراء ذلك·