مسلمو أميركا... وخطر التطرف
ارتفاع قضايا إرهاب يتورط فيها مواطنون أميركيون بات يشكل تحدياً لأفكار ظلت سائدة لفترة طويلة ومؤداها أن المسلمين في أوروبا أكثر تعرضا للردكلة من نظرائهم الأفضل اندماجا في الولايات المتحدة، حيث أبرزت أربعة تحقيقات تم الكشف عنها خلال الاثني عشر شهرا الماضية، مثل اعتقال خمسة رجال من ولاية فرجينيا في باكستان الأسبوع الماضي، ما تشدد إدارة أوباما على أنه تهديد داخلي مصدره تلقي أميركيين لتدريبات في الخارج على يد "القاعدة" ومجموعات إرهابية مرتبطة بها في باكستان.
وفي هذا الصدد، قال أوباما هذا الشهر خلال الإعلان عن مخططات لإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان: "لقد اعتقلنا متطرفين داخل حدودنا أُرسلوا إلى هنا من المنطقة الحدودية لأفغانستان وباكستان لارتكاب أعمال إرهابية جديدة".
وفي رد فعلها، تخلت المنظمات الإسلامية الأميركية، التي صُدمت بالعدد المتزايد لهذه القضايا، عن صمتها وتحدثت حول الموضوع؛ حيث شددت منظمتان رئيسيتان – هما مجلس الشؤون العامة الإسلامي ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية – هذا الأسبوع على أن أقلية قليلة فقط من المسلمين الأميركيين هي التي طالها التشدد، وأعلنتا عن اعتزامهما إطلاق برامج مضادة للردكلة تستهدف الشباب.
وفي هذه الأثناء، يقول عدد من محللي القضايا الإرهابية الأميركيين والدوليين إن موجات الهجرة، والانتشار العالمي للحركة الإسلامية المقاتلة، والأعمال المثيرة للجدل التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تزيد من احتمال قيام مسلمين أميركيين بهجوم في الداخل.
وفي هذا السياق، يقول "ساجان جوهل"، مدير الأمن الدولي بمؤسسة آسيا- المحيط الهادي، وهي منظمة للبحوث والدراسات في لندن: "إن الولايات المتحدة تشهد حاليا ما عاشته بلدان مثل بريطانيا قبل سنوات. ومصدر القلق بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تكون ثمة تداعيات ضارة مماثلة للإرهاب الداخلي".
ويضيف جوهل أن البريطانيين الذين كانوا يخوضون تدريبات إرهابية في الخارج قبل 2004 كانوا يبحثون عن أهداف خارجية مثل إسرائيل وجنوب آسيا. ولكن خلال السنتين التاليتين، وبينما كان الجنود البريطانيون يقاتلون إلى جانب الأميركيين في العراق وأفغانستان، صُدمت بريطانيا بأربعة مخططات على الأقل لبريطانيين مرتبطين بـ"القاعدة" – وبهجوم السابع من يوليو 2005 الذي استهدف نظام النقل في لندن وأسفر عن مقتل 52 شخصا. ومن جانبها، تقول "كريستين فير"، الأستاذة بجامعة جورج تاون والمتخصصة في باكستان: "طالما مازلنا عالقين في هذين النزاعين، فمن السذاجة الاعتقاد بأن سكاننا لن يتأثروا بالخطاب العالمي المحيط بهم".
بيد أن عدداً من المحللين يرون أن المشكلة في الولايات المتحدة مازالت على ما يبدو أصغر حجماً مما في أوروبا. فعلى سبيل المثال، حذر رؤساء أجهزة الاستخبارات البريطانية الداخلية في 2006 و2007 من 200 شبكة إرهابية، و2000 شخص على الأقل كانوا يطرحون تهديداً أمنياً مباشراً، و2000 شخص مرشحين ليصبحوا إرهابيين غير معروفين حتى الآن. ولكن وتماما مثلما حددت السلطات البريطانية عناصر محبطة من بين جاليتها الباكستانية التي يبلغ عددها 800 ألف، فإن عددا من الأميركيين الباكستانيين اعتُقلوا هذا الخريف في قضايا مرتبطة بمتطرفين في باكستان؛ وثلاثة على الأقل من المقيمين الخمسة في فرجينيا كانوا على اتصال مع عضو في "طالبان" يقوم بتجنيد المتطوعين، كما تقول السلطات الباكستانية. هذا بينما تشمل أمثلة أخرى ديفيد هيدلي، وهو مواطن أميركي من شيكاجو اتُّهم الأسبوع الماضي بالمساعدة على التخطيط لهجمات نوفمبر 2008 الإرهابية في مومباي.
على أن قضايا الردكلة لا تقتصر على أميركيين باكستانيين. ففي يناير الماضي، اعترف "بريانت فيناس"، 26 عاماً، وهو أميركي من أصل لاتيني اعتنق الإسلام، بتلقي تدريبات على يد "القاعدة" في باكستان العام الماضي. كما اتُّهم هذا الصيف "دانييل بويد"، وهو أميركي أبيض اعتنق الإسلام ويعيش في شمال كاليفورنيا، بالتخطيط لتنفيذ هجوم على موظفين عسكريين أميركيين في "كوانتيكو"، وبتزعم مجموعة من سبعة رجال للقتال في الشرق الأوسط بعد حرب إسرائيل مع "حزب الله" في 2006. والشهر الماضي، أعلنت السلطات الأميركية عن أحدث قضية ضمن 14 قضية مرتبطة بالتجنيد المفترض لأزيد من 20 شابا أميركياً صومالياً من ولاية مينوسوتا قصد انضمامهم لتمرد إسلامي في الصومال. ويذكر هنا أن القوات الأثيوبية مدعومة بالولايات المتحدة أسقطت حكومة إسلامية في الصومال عام 2006. ويعد الأميركيون الصوماليون من بين المهاجرين الأحدث والأكثر شباباً وفقراً إلى الولايات المتحدة، 60 في المئة منهم وصلوا منذ عام 2000 و51 في المئة منهم يعيشون في فقر. وفي هذا الإطار، يقول "تشارلز آلن"، وهو ضابط مخضرم في وكالة الاستخبارات المركزية "سي. آي. إيه" وضابط استخبارات في وزارة الأمن الداخلي منذ 2005 حتى هذا العام: "علينا أن ننظر جيداً إلى الأشخاص الذين وصلوا خلال السنوات العشر أو الخمسة عشر الأخيرة. فلدينا هذه المشكلة مع الصوماليين، ومع الباكستانيين، وستكون ثمة دول أخرى أيضاً".
ولكن ليس كل مسؤولي محاربة الإرهاب يرون سبباً للقلق. فالقضايا حتى الآن غير مترابطة، والعديد منها يقتصر على شباب يفتقرون للمهارات اللازمة لتنفيذ هجوم حيث يقول "مارك سجمان"، وهو مسؤول سابق في" سي. آي. إيه": "إن القضايا التي لدينا لا تشبه تلك" التي في أوروبا، لافتا إلى أن العديد من الأميركيين المسلمين الذين يذهبون إلى الخارج يريدون "مقاتلة الأميركيين في الخارج".
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: واشنطن