أحمد القاضي (القاهرة)

يعقوبو هارونا شاب مسلم إنجليزي، نشأ في أسرة إنجليزية مسلمة، يشتكي دوماً من ضعف مصادر الفتاوى المتاحة باللغات الأجنبية، خاصة إلكترونياً، لذلك لم يتردد في استخدام تطبيق «يورو فتوى» عندما ظهر على محركات البحث عبر شبكة الإنترنت، في شهر أبريل 2019، لأن التطبيق أتاح لمستخدميه من المسلمين في البلاد الأوروبية الحصول على الفتاوى في أمور الدين والدنيا.
«يعقوبو» كان سعيداً في بداية استخدامه للتطبيق، حيث إنه كان حلاً سهلاً لمشكلة صعوبة الحصول على فتاوى إسلامية وسطية تناسب المسلمين الذين يعيشون في الدول الأوروبية، حيث إن هناك الكثير من القضايا التي يعاني منها المسلمون هنا، مثل الأسئلة الخاصة بالطهارة في حالة الاختلاط بالأجانب ممن يقتنون الكلاب، وحكم الصلاة في الكنائس، وحكم الإفطار لطول ساعات الصيام في فصل الصيف، وغيرها من تلك القضايا التي لا توجد لها ردود في المواقع الإسلامية التقليدية كونها لا تمس شريحة كبيرة من المسلمين في الدول العربية.
وما لبث الشاب في استخدام التطبيق حتى تفاجأ بفتاوى رأى أنها لا تتناسب مع سماحة الدين الإسلامي، مثل التحريض على قتال غير المسلمين، وحرمة عمل المسلمين الأوروبيين كأفراد شرطة في الدول التي وصفها التطبيق بالكافرة، ليبدأ في التشكك تجاه ذلك التطبيق والفتاوى الموجودة عليه. كان التطبيق قد ظهر تحت مظلة المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وبعد فترة قصيرة من إصدار التطبيق، نشر «المؤشر العالمي للفتوى» التابع لدار الإفتاء المصرية، تقريراً يفيد بأن هذا التطبيق الإلكتروني تابع لمجلس يرأسه المصنف على قوائم الإرهاب الإخواني يوسف القرضاوي.
عند بداية استخدام التطبيق تظهر مقدمة مكتوبة من قبل القرضاوي، كان محتواها أن نشر الإسلام في الغرب واجب على كل المسلمين، وأنّ احتلال أوروبا وهزيمة المسيحية سيصبحان أمراً ممكناً مع انتشار الإسلام داخل أوروبا، حتى يصبح الإسلام قوياً بما يكفي للسيطرة على القارة بأكملها، وهو ما كان أحد أسباب مناهضة التطبيق.
يتحدث «يعقوبو» عن تجربته مع التطبيق، يقول إنه شعر بأن تلك المقدمة تحض على العداء والكراهية لغير المسلمين من أوروبا، بل ويسهم في انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وسيسهم في اتهام الدين الإسلامي بمعاداة غير المسلمين، وكذلك عندما تجول في الفتاوى الموجودة داخل التطبيق وجد أن بها الكثير من التفرقة بين المواطنين الأوروبيين من أصحاب الديانات المختلفة، مثل فتاوى تحريم عمل المسلمين الأوروبيين من العمل في عدة أماكن في عدد من المجالات مثل تحريم العمل في المطاعم والبنوك الغربية.
وكان القرضاوي هو من أسس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، واتخذ من كلونسكي في العاصمة الأيرلندية دبلن، مقراً له، وبعد التقرير الذي نشره المؤشر العالمي للفتوى، تحركت بعض الدعوات في ألمانيا وفرنسا لحذف التطبيق، لكونه يحتوي على أفكار وفتاوى وآراء متطرفة تنمِّي ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وبدأت ألمانيا في التحرك سريعاً، حيث حذرت هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية الألمانية» من التطبيق التابع للمجلس الأوروبي للإفتاء، وأشارت إلى أنه يحتوي على فتاوى تشجع على العنف والتطرف، وتلتها فرنسا، حيث دعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه إلى منع التطبيق ذاته، واعتمدت في دعوتها على أن التطبيق صادر عن مجلس تابع لجماعة الإخوان المسلمين، ويوسف القرضاوي، هو مفتي الجماعة، وهو مصدر الفتاوى على التطبيق، وقد صدر قرار بمنع القرضاوي من دخول فرنسا في وقت سابق. ولم تكتف النائبة الفرنسية بذلك، بل طالبت وزير الداخلية الفرنسي بحظر التطبيقات التي تحض على التطرف، بينها تطبيق «يورو فتوى»، وبالفعل تعاونت النائبة الفرنسية مع بعض المبرمجين البريطانيين، وأزالت التطبيق من محرك البحث «جوجل»، إلا أن التطبيق لا يزال موجوداً على متجر «آبل». واستندت ألمانيا وفرنسا في سعيهما لحذف التطبيق إلى رئاسة القرضاوي الذي وصفته الدولتان بالأب الروحي لجماعة الإخوان الإرهابية، وإصداره فتاوى تحمل توجهاً وأيديولوجية ذات أهداف ضيقة وبعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن والمواطنة والعيش المشترك.

القرضاوي كلمة السر
وكان للقرضاوي سابقة مع الدول الأوروبية، عندما أصدر كتاباً بعنوان «فقه الجهاد» عام 2001، وأجاز الأعمال التفجيرية والانتحارية للفلسطينيين ضد الإسرائيليين من أجل الدفاع عن الأراضي المحتلة، وعقب صدور الكتاب، أصدرت الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية قراراً بمنع القرضاوي، من دخول أراضيها، ليعود ويتراجع عن الفتوى قائلاً: «ونحن أجزنا ذلك للضرورة والضرورة انتهت»، وهذا ما جعل الصحف الإسرائيلية تذكر بأن العمليات الإرهابية ضد إسرائيل حرام، وتحتفي بذلك. وعاد القرضاوي من جديد وأباح العمليات الانتحارية قائلاً: «الأصل في الإنسان أن يقاتل ويقتل، أما التفجير فهذا يكون تدبير الجماعة، وأن ترى أنها في حاجة لهذا الأمر ولا يترك ذلك لأفراد وحدهم». وأفتى القرضاوي بفتوى دعا فيها جموع المسلمين في العالم للجهاد بمصر، وأن يكونوا شهداء؛ حيث طالبهم بالنزول إلى ميدان رابعة العدوية هم وأولادهم ونساؤهم، وألا يخافوا من التهديدات أمام من وصفهم وقتها بـ«القتلة الذين يقتلون النساء والشيوخ». كل هذه الفتاوى وغيرها الكثير، كانت سبباً في تخوف الدول الأوروبية من انتشار التطبيق على الهواتف المحمولة لبعض المسلمين من مواطنيها، حتى لا يحولهم التطبيق إلى إرهابيين، أو محرضين على العنف.

265 فتوى على التطبيق منها 52% أحكام جائزة
وبحسب تقرير المؤشر العالمي للفتوى، فقد تضمن التطبيق 265 فتوى منذ انطلاقه، 32% منها حول العبادات من صلاة وصيام وزكاة وخلافه، و30% تمثل أحكام الأحوال الشخصية، و20% منها معاملات مالية، و18%) منها خاصة بالمجتمع.
وكانت الأحكام التي جاءت تحت «جائز» مثلت 52% من مجمل فتاوى التطبيق، فيما شكّلت أحكام عدم الجواز 29%، والوجوب 15%، و4% جاءت تحت حكم «مكروه».

التنظيمات الإرهابية تستغل التطبيق لترويج أفكارها
لم يكن تطبيق «يورو فتوى» هو الأول، بل تحاول التنظيمات الإرهابية استخدام مثل هذه التطبيقات للترويج لأفكارها.
وثبت أن تنظيم «داعش» هو الأكثر استخداماً لتطبيقات الهواتف المحمولة بنسبة 50%، وجاء بعده «حزب التحرير» بنسبة 35%، وفي المركز الثالث كان «تنظيم القاعدة» بنسبة 15%. ويمكن للتنظيمات الإرهابية من خلال هذه التطبيقات نشر أفكارهم الخاصة من دون رقابة، فالتنظيمات تستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية لتحقيق أوسع انتشار بين الأوساط الشبابية في كل الدول التي تريد الدخول إليها، وبعدها تستغل المراهقين وتحولهم إلى إرهابيين ينضمون إليهم، وينفذون خططهم الإرهابية.
وفي نوفمبر 2015 أطلق تنظيم داعش تطبيقًا باسم «وكالة أعماق الإخبارية»، اختص بنشر الأخبار التي تفيد بتحقيق التنظيم لانتصارات وعمليات قتالية في مختلف أنحاء العالم، لمحاولة تصوير التنظيم وكأنه كيان لا يمكن أن يهزم من أي جهة أمنية.
ولم يكتف التنظيم بذلك، ففي يناير 2016، صمّم التنظيم تطبيقًا لمحطة البيان الإذاعية التابعة له، وفي 17 أبريل 2016 أصدر النسخة الإنجليزية من تطبيق أعماق، وفي 10 مايو 2016 أطلق تطبيق «حروف» الذي تم إنتاجه من قِبل «مكتبة الهمة»، ويهدف إلى تعليم الأبجدية للأطفال بما يرسخ مفاهيم العنف والقتال.
وذكر المؤشر العالمي للفتوى أن «حزب التحرير» أحد التنظيمات التي أصدرت تطبيقات إلكترونية مثل المكتب الإعلامي، ودستور الأمة، ومجلة الوعي، بهدف الوصول لعقول الشباب ومخاطبتهم بلغة قريبة من طريقتهم، ومن ثمَّ التأثير عليهم والسيطرة على أفكارهم وزعزعة مبادئهم وولائهم لأوطانهم، ليسهل تجنيدهم.
ولا يزال مصير «يورو فتوى» على متجر «آبل» معلقًا حتى تقرر الشركة إلغاؤه، وحذفه نهائياً من قائمة التطبيقات الخاصة به، حتى لا يتمكن أحد من الوصول إليه.