سعيد الصوافي (أبوظبي)
الموظفون هم رأس المال الحقيقي لأي دولة تتطلع إلى بناء مستقبل مزهر ومستدام، ورضاهم مفتاح لرضا المتعاملين، لذا تشكل السعادة في بيئة العمل أحد مقومات النجاح والتميز التي تسعى إليها المؤسسات في مختلف القطاعات لتعزيز تنافسيتها وريادتها العالمية.
ويمثل العمل عنصراً أساسياً من حياة الموظف اليومية، ما يتطلب تعزيز السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل، وتشجيع الروابط والعلاقات الإيجابية بين الموظفين، وتهيئة بيئة عمل جاذبة ومحفزة وهادفة لتحقيق أفضل النتائج من رفع الكفاءة وتحسين الأداء والإنتاجية.
وحققت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة عالميةً مرموقة في العديد من المجالات والقطاعات، بفضل اهتمام قيادتها الرشيدة بتنمية وتطوير وتمكين رأسمالها البشري، حيث تصدرت دول العالم في ارتباط الموظفين بأماكن عملهم، وفقاً لتصنيف معهد «إيه دي بي ريسيرش» الأميركي المتخصص في دراسات وأبحاث الموارد البشرية. كما تصدرت قائمة الدول المفضلة للعمل لدى الشباب العربي، وفقاً لنتائج استطلاع «بي سي دبليو» السنوي الأخير لرأي الشباب العربي.
وتعمل حكومة دولة الإمارات على تعزيز بيئة عمل تتبنى المفهوم الشامل لجودة الحياة، عبر إطلاق العديد من المبادرات والمشاريع الداعمة لإدخال مفهوم جودة الحياة في بيئة العمل، وذلك من أجل تعزيز التناغم الوظيفي، والعمل بروح الفريق الواحد، لإطلاق الطاقات الكامنة لدى الموظفين، وتقديم أفضل ما لديهم من ابتكارات وأفكار، تعبر عن مدى التزامهم المهني والأخلاقي، ومدى عشقهم لعملهم وأدائه بالشكل الذي يحقق رضا وسعادة المتعاملين.
تؤكد معالي عهود بنت خلفان الرومي، وزيرة دولة للسعادة وجودة الحياة مدير عام مكتب رئاسة مجلس الوزراء، أن حكومة دولة الإمارات تعمل على تعزيز بيئة عمل تتبنى المفهوم الشامل لجودة الحياة، ما يجسد رؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتطوير بيئة عمل تتبنى مبادئ جودة الحياة في تعزيز تجارب الموظفين، بما ينعكس إيجاباً على مستويات الأداء والإنتاجية.
البرنامج الوطني للسعادة
وقالت معاليها: «إن مبادرة البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة لإطلاق المبادرات والمشاريع الداعمة وإدخال مفهوم جودة الحياة في بيئة العمل، تأتي في إطار تحقيق تكامل الجهود الحكومية في هذا المجال، والبناء على أفضل الممارسات والنظم التي تطبقها حكومة دولة الإمارات في مجال الموارد البشرية، ما يساهم في ترسيخ جودة الحياة في بيئة العمل، وتحفيز الموظفين وتمكينهم على الصعيدين الاجتماعي والمهني».
وأشارت معاليها إلى أن الإطار الوطني لجودة الحياة، الذي أطلقته حكومة دولة الإمارات في نوفمبر الماضي، يركز على تحقيق 9 أهداف، من أهمها تشجيع تبني جودة الحياة في بيئات التعلم والعمل، موضحة أن البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة عمل على تطوير دليل السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل، ونفذ دورات تدريبية عدة، شارك فيها أكثر من 500 موظف حكومي من المعنيين بالسعادة وجودة الحياة، للتعريف بتطبيقات الدليل، الهادف إلى تعزيز الوعي بعوامل بناء ثقافة السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل.
ورش تدريبية
وأضافت معالي عهود الرومي: «إنه في إطار الجهود لدعم الجهات الحكومية في هذا المجال، تم إطلاق 120 نموذجاً عملياً لترسيخ مفاهيم وممارسات جودة الحياة، وتنظيم ورش تدريبية لبناء قدرات الجهات الحكومية لتطبيق هذه النماذج، استضافت ممثلي 74 جهة حكومية اتحادية ومحلية، مؤكدة أن حكومة دولة الإمارات ستواصل الجهود لبناء بيئة عمل حكومية، محورها الإنسان، ومعيارها جودة الحياة.
وذكرت معاليها أن البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة يركز، من خلال مبادراته ومشاريعه المتنوعة، على تعزيز جودة الحياة في بيئة العمل، وترسيخ مفاهيمها بين الموظفين، والارتقاء بصحتهم الذهنية والجسدية باعتبارها أداة رئيسة لتحقيق غاية سامية، محورها تحقيق السعادة وتعزيز جودة حياة المجتمع.
وتابعت معاليها: «تعزيز السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل مسؤولية جماعية تشترك فيها الجهات الحكومية، ولكل جهة دور فعال ومؤثر لإسعاد موظفيها، وتهيئة البيئة التي تتناسب مع طبيعة العمل فيها، فدور البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة دعم الجهات بالأفكار والمواضيع التي تساهم في إثراء برامج الجهات ومبادراتها ودعم تبنيها وتطبيقها في مختلف الجهات الحكومية، لتحقيق أفضل النتائج، وتعزيز مستويات الإنتاجية والأداء، وإحداث نقلة نوعية في تطوير العمل الحكومي».
تعزيز التنافسية
إلى ذلك، أكدت عائشة السويدي، المدير التنفيذي لقطاع سياسات الموارد البشرية في الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، أن دولة الإمارات العربية المتحدة حققت مكانة عالميةً مرموقة في العديد من المجالات والقطاعات، بفضل اهتمام قيادتها الرشيدة بتنمية وتطوير وتمكين رأسمالها البشري، وذلك من خلال خلق بيئة عمل إيجابية ومحفزة للموظفين، وتهيئة مقومات وأسباب السعادة والنجاح كافة، والتمكين لهم، ما ينعكس إيجاباً على سعادة المتعاملين، ويعزز تنافسية الحكومة وريادتها العالمية. وشددت على أهمية توفير أسباب التناغم والسعادة الوظيفية في بيئات العمل المختلفة على مستوى الدولة، لاسيما في مؤسسات الحكومة الاتحادية، وابتكار أساليب وأدوات جديدة تستشرف المستقبل، وتلبي احتياجات الأجيال المختلفة، وتحقق طموحات وتطلعات القيادة الرشيدة للدولة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخوهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رعاه الله.
وذكرت أن تشريعات وسياسات ومبادرات الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية تراعي احتياجات الموظفين المختلفة، وتهدف إلى تمكينهم، ورفع مستويات التناغم والسعادة الوظيفية لديهم، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على أدائهم، ويرفع إنتاجية مؤسساتهم ويزيد ديناميكيتها، مشيرةً إلى أن هذه المبادرات تهدف في المقام الأول إلى توفير بيئة عمل إيجابية وسعيدة للموظفين في القطاع الحكومي، وتبني القيم المؤسسية الإيجابية في جميع المؤسسات الحكومية في الدولة.
ولفتت عائشة السويدي إلى أن الهيئة بذلت جهوداً كبيرة، وتركت بصمات واضحة على صعيد ترسيخ قيم ومفاهيم السعادة والإيجابية في بيئة العمل الحكومية، حيث أطلقت ونفذت عدداً من المبادرات ذات العلاقة بالرفاه الوظيفي، منها برنامج الخصومات الخاص بموظفي الحكومة «امتيازات»، ونظام المكافآت والحوافز الخاص بموظفي الحكومة الاتحادية، الذي اعتمده مجلس الوزراء في عام 2015، ومبادرتا شركاء التدريب والتقييم المفضلين للحكومة الاتحادية «معارف» و«قدرات»، فضلاً عن إطلاق الإطار الاسترشادي للرفاه الوظيفي في الحكومة الاتحادية، والدليل الاسترشادي للصحة والسلامة المهنية في الحكومة الاتحادية، وإطلاق بطاقة الشكر والتقدير الإلكترونية «ما قصرت».
«الرفاه الوظيفي»
وأشارت المدير التنفيذي لقطاع سياسات الموارد البشرية في الهيئة إلى أن الإطار الاسترشادي للرفاه الوظيفي في الحكومة الاتحادية، الذي أطلقته الهيئة في عام 2017 على مستوى الحكومة الاتحادية، يشكل مرجعية للوزارات والجهات الاتحادية كافة، فيما يتعلق بخلق بيئة عمل إيجابية ومثالية للموظفين، وإطلاق المبادرات التحفيزية التي من شأنها أن تعزز دورهم وإنتاجيتهم.
وقالت: «تساهم برامج الرفاه الوظيفي في خلق ثقافة مؤسسية إيجابية، ينتج عنها بالضرورة موظفون سعداء قادرون على تقديم خدمة استثنائية للمتعاملين، وبالتالي سعادة المواطنين والمقيمين، وهي الغاية الأسمى والهدف الأنبل لحكومة دولة الإمارات، التي تسعى على الدوام لترسيخ ثقافة السعادة والإيجابية كأسلوب حياة في الدولة».
واستشهدت بنتائج بعض الدراسات التي أجرتها مؤسسات عالمية متخصصة في مجال الموارد البشرية، والتي تشير إلى أن الموظف السعيد يتحسن مستوى أدائه بواقع 31%، ويزداد لديه الابتكار بنسبة 300%، وترتفع فعاليته بمعدل 37%، بينما تقل إجازاته المرضية بواقع 66%.
التوازن بين الحياة الاجتماعية والعملية للموظفين
مراعاة للأبعاد الاجتماعية للموظفين من الآباء والأمهات وتحقيقاً للاستقرار الأسري والاجتماعي، ورفع مستويات الرضا والسعادة الوظيفية، إضافة إلى تعزيز دور الأسرة كنواة للمجتمع، اعتمد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أغسطس 2018، «سياسة العودة إلى المدارس» لتحقيق التوازن بين الحياة الاجتماعية والعملية للموظفين، والتركيز على تعزيز العلاقات الاجتماعية وتوطيدها في المجتمع وتعزيز التلاحم الأسري. وتهدف السياسة إلى التيسير على الآباء والأمهات العاملين في الحكومة الاتحادية مع بداية العام الدراسي، وتمكين أولياء الأمور من مرافقة أطفالهم إلى المدارس والحضانات في اليوم الدراسي الأول لتعزيز جودة حياتهم، كما تمنح الوزارات والجهات الاتحادية صلاحية إعطاء موظفيها من الآباء والأمهات ساعات عمل مرنة ومختصرة خلال اليوم الدراسي الأول لأبنائهم. وأتاحت السياسة في المرة الأولى لتطبيقها المرونة اللازمة لأكثر من 28 ألف أب وأم يعملون في الحكومة الاتحادية، لمرافقة أكثر من 90 ألف ابن وابنة إلى مدارسهم، في أول يوم دراسي، ليستفيد منها أكثر من 4 آلاف طفل تحت سن خمس سنوات، لمدة أسبوع من خلال الدوام المختصر لآبائهم وأمهاتهم.
دليل السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل
يمثل دليل السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل إطاراً استرشادياً للجهات الحكومية يهدف لتعزيز الوعي بالعوامل الأساسية التي تؤثر في بناء ثقافة السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل. ويوفّر الدليل أدوات عملية وعلمية تدعم جهود الجهات الحكومية في تهيئة بيئة عمل سعيدة ذات تأثير إيجابي على كفاءة وأداء وإنتاجية الموظفين، ويرتكز على الأبحاث والدراسات الحديثة في مجالات علم النفس الإيجابي والعلوم العصبية ونظريات القيادة والإدارة الإيجابية، لتحفيز الجهات في تحقيق رؤية القيادة بأن تكون حكومة دولة الإمارات الأفضل في العالم. ويستعرض الدليل مفاهيم السعادة وجودة الحياة، وأهمية التركيز عليها وتعزيزها في بيئة العمل، ويحدد إطار عمل السعادة وجودة الحياة المهنية، محاور رئيسة التي يقوم عليها تطوير ثقافة عمل داعمة لنشر للسعادة وجودة الحياة، من خلال مجالات تركيز محددة يمكن الاسترشاد بها في وضع منهجيات العمل للأفراد والقادة على حدٍّ سواء. ويعتمد دليل السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل على الممارسات والسياسات والبرامج ضمن رؤية شاملة، وفي إطار عمل متكامل يرتكز على 4 محاور رئيسة هي: تعزيز الصحة، وتوطيد العلاقات، وتحقيق الإمكانات، وترسيخ الغاية، ويتضمن عنصرين أساسيين، هما الأفراد السعداء والإيجابيّون الذين يبادرون إلى تحقيق سعادتهم، وتعزيز جودة حياتهم، والمؤسسة السعيدة والإيجابية التي تحرص على توفير البيئة الملائمة لتحقيق السعادة وجودة الحياة لموظفيها ومتعامليها. كما أطلق البرنامج 120 نموذجاً عملياً لترسيخ مفاهيم وممارسات جودة الحياة، ونظم ورشة تدريبية لبناء قدرات الجهات الحكومية، شارك بها نحو 150 من مسؤولي الموارد البشرية والسعادة وجودة الحياة في 74 جهة حكومية اتحادية ومحلية استعرضت نماذج جودة الحياة في بيئة العمل وآليات تطبيقها.
بيئات العمل الإيجابية
تحظى بيئات العمل الإيجابية والسعيدة بكثير من المزايا التي تفتقر إليها بيئات العمل التقليدية. وتنقسم هذه المزايا إلى مزايا ملموسة، مثل زيادة معدلات الحفاظ على الموظفين وتعزيز إنتاجية وجودة العمل.بالإضافة إلى انخفاض معدلات التغيب والتأخر عن العمل، والإجازات المرضية. ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة «وارويك» فإن اتخاذ خطوات جادة نحو تحقيق السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل يؤدي إلى زيادة الإنتاجية بنسبة تصل إلى12%. ويمكننا أن نلاحظ أن سعادة الموظفين عادة ما تنعكس انعكاساً مباشراً في جودة وحجم الخدمات التي تقدمها المؤسسة للمتعاملين لديها.
تأهيل مدربي السعادة في الجهات الحكومية
أعد البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة برنامجاً متكاملاً لتأهيل مدربي السعادة في الجهات الحكومية، الهادف إلى تدريب 7 آلاف من موظفي سعادة المتعاملين في الجهات الحكومية بالاستعانة بخبرات ومهارات 100 مدرب من الكوادر الوطنية من خريجي البرنامج، تم تصميمه بالاعتماد على محاور معادلة إسعاد المتعاملين، ودليل سعادة المتعاملين، اللذين طورتهما حكومة دولة الإمارات. ويركز البرنامج على آليات تعزيز دور مراكز إسعاد المتعاملين في الجهات الحكومية، من خلال تطوير تجربة متعامل مبسطة وفاعلة، ويتضمن البرنامج التدريبي محاور عدة، منها السعادة من منظور قيادة الإمارات، وأساليب وفنون التدريب، وأسعد نفسك لتسعد الآخرين، وتعريف سعادة المتعاملين، ورحلة وتجربة المتعامل، وأفضل الممارسات في القطاع الخاص، وإضفاء الطابع الشخصي على الخدمة، وموظف إسعاد المتعاملين المثالي، وأساليب التعامل مع الملاحظات والاقتراحات.