جبران خليل جبران مازال يثير الدهشة والإعجاب
نقل كتاب ''النبي'' مؤلفه المفكر والأديب اللبناني جبران خليل جبران (1883-1931) الى مصاف كبار الأدباء، فمواقفه الانسانية التي تخطت الزمن لا تزال تثير الدهشة والإعجاب بعد مرور اكثر من 70 عاماً على وفاته· ويحيي لبنان هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين بعد المئة لولادة جبران الذي لخصه الشاعر اللبناني هنري زغيب بقوله ''جبران أسطع عنوان للبنان في العالم''· ولد جبران المفكر والأديب والرسام في كنف عائلة فقيرة من بلدة بشري الجبلية المسيحية المحاذية لغابة الأرز الشهيرة، رمز لبنان، في شمال البلاد· ومنذ طفولته هاجر جبران الى بوسطن مع والدته وشقيقتيه وشقيقه مخلفين وراءهم والداً عرف بلامبالاته، وبدأت شهرته مع صدور كتاب ''النبي'' عام 1923 وهو كتاب نثر شعري صاغه باللغة الانجليزية· وطبع الكتاب مجدداً مرات عديدة حتى تخطت نسخه الملايين وتمت ترجمته الى عشرات اللغات في العالم· يمجد كتاب ''النبي'' الحياة والحرية ويضم تأملات عن الحب والعمل والموت· ففيه يقول جبران عن الزواج: أحبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم· ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه، ولكن لا تشربوا من كأس واحدة·
وتذكر مثالية جبران بالمثالية التي دعا اليها الإنجيل، وأثارت هذه المثالية إعجاب جمهور يتوق الى المطلق رغم تناقضها مع التوجه الأدبي حينها المتمثل بالسوريالية والذي طغى في فترة ما بين الحربين· وذكرت مجلة نيويوركر الاميركية في مقالة نشرتها في يناير الماضي أن ''النبي'' شكل ''إنجيل'' ذلك العصر· وما زالت مقاطع منه تستخدم في الولايات المتحدة خلال احتفالات الزواج وفي المآتم· ويقول زغيب إن جبران نظر بحدسه الى الكون وبحدسه خاطب الانسان في زمانه وفي كل زمان· ترك للأجيال أفكاراً وأقوالاً ومبادئ انسانية ما زالت تتلقفها بنهم وشغف وقناعة· لكن كتاب ''النبي'' لا يختصر انتاج جبران، فله أيضا ''رمل وزبد'' و''المجنون'' و''التائه'' و''يسوع ابن الانسان''· ويقول زغيب إن القارئ يجد في هذه المؤلفات ''ما يشبع أسئلته الى الآن وما بعد، الى الهنا والماوراء، فكل انسان ذي نفس بشرية رهيفة وقلقة ومتسائلة يجد في نصوص جبران أجوبة عن تساؤلاته، وهذا ما يشكل عبقرية جبران·
عكس جبران في لوحاته الجمال الذي اعتبر اكتشافه أحد أبرز أهداف الحياة بقوله ''نعيش لنكتشف الجمال، وما سوى ذلك سوى محض انتظار''، ورأى أن الفن ''خطوة تخطوها الطبيعة نحو الأبدية''· لكن لوحاته لم تشتهر بقدر مؤلفاته، وكان ميله الى الرسم قد بدأ يظهر بعدما أمضى عامين من الدراسة في باريس حيث التقى رودان· ويقول زغيب ''تتميز لوحاته ببساطتها في التعبير وبعمقها الإنساني ذي الأبعاد المتعددة''· دفن جبران في بشري وراء جذع شجرة أرز كما أوصى، وفي جواره متحف لأعماله ضم 125 لوحة من مجموع لوحاته البالغ عددها 440 الى جانب مؤلفاته ومحتويات محترفه في نيويورك· ونجد لوحاته الأخرى خصوصاً في متحف متروبوليتان في نيويورك، وهي التي جمعتها الاميركية ماري هاسكل التي حضنته وأقامت معه علاقة حب·
يشبه جبران بالشاعر والرسام البريطاني وليام بليك، وتثير لوحاته مشاعر الزوار ببساطتها وعمقها وقلقها وهدوئها، خصوصاً عندما تطغى عليها اللعنات· فخلال العامين 1902 و1903 فقد جبران شقيقته ووالدته وشقيقه بسبب مرضي السل والسرطان· وتصور احدى لوحاته امرأة ميتة ترضع وليدها في تجسيد لشقيقته سلطانة· طبع هاجس الموت أعماله حتى وافته المنية جراء تشمع في الكبد وهو في الثامنة والأربعين من عمره
المصدر: بيروت