أسماء الحسيني، ووام (أبوظبي، القاهرة، الخرطوم)

رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة بالاتفاق الذي تم التوصل له في جمهورية السودان الشقيقة، معربة عن تطلعها لأن تشكل هذه الخطوة الإيجابية والمهمة بداية لمرحلة جديدة يسودها الأمن والاستقرار، بما يلبي تطلعات الأشقاء في السودان.
وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي ثبات موقف الإمارات الداعم للسودان وشعبه الشقيق في كل ما يحقق أمنه واستقراره وازدهاره، ودعمها لكل الإجراءات التي تحفظ أمن واستقرار السودان.
وقال معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، إن الإمارات تبارك للسودان بعد توصل المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لاتفاق بشأن تقاسم السلطة، مضيفاً «نقف مع السودان في العسر واليسر».
وكتب قرقاش في تغريدة عبر حسابه الرسمي في «تويتر» أمس: «نبارك للسودان الشقيق الاتفاق الذي يؤسس لانتقال سياسي مبشر، الحرص على الوطن والحوار ثم الحوار مهد لهذا الاتفاق، نقف مع السودان في العسر واليسر، ونتمنى أن تشهد المرحلة القادمة تأسيس نظام دستوري راسخ، يعزز دور المؤسسات ضمن تكاتف شعبي ووطني واسع».
وكان المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان وقوى الحرية والتغيير، المعبرة عن الحراك الشعبي، فجر أمس، قد توصلا إلى اتفاق لتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية، تعقبها انتخابات عامة.
وعمت الاحتفالات شوارع أم درمان والخرطوم، عقب الإعلان عن الاتفاق، وخرج آلاف الأشخاص من جميع الأعمار إلى الشوارع، وأخذوا يرددون «مدنية.. مدنية.. مدنية». وقرع الشبان الطبول، وأطلق السائقون أبواق سياراتهم، وزغردت النساء احتفالاً بالاتفاق.
وأوضح محمد حسن لبات، وسيط الاتحاد الأفريقي، تفاصيل الاتفاق في مؤتمر صحفي، قائلاً إن الجانبين اتفقا على مدى يومين في العاصمة الخرطوم، على «إقامة مجلس للسيادة رئاسته بالتناوب بين العسكريين والمدنيين ولمدة ثلاث سنوات أو تزيد قليلاً»، كما اتفق الطرفان أيضاً على تشكيل «حكومة مدنية سميت حكومة كفاءات وطنية مستقلة، يتولاها رئيس وزراء» وعلى «إقامة تحقيق دقيق شفاف وطني مستقل لمختلف الأحداث العنيفة التي عاشتها البلاد في الأسابيع الأخيرة».
واتفق المجلس العسكري والمعارضة كذلك على «إرجاء إقامة المجلس التشريعي»، واعتبر ولد لبات أن الإرادة القوية من جانب الأطراف كافة، كانت وراء التوصل إلى الاتفاق الذي وصفه بأنه أقرب إلى النظام البرلماني، حيث تكون الصلاحيات واسعة لرئيس الحكومة.
وأوضح الوسيط الأفريقي، أنه تم الاتفاق على أن تكون الحكومة مشكلة من كفاءات وطنية مستقلة، مضيفاً: «لمسنا إرادة قوية من الطرفين لتتم كل الأمور بالتوافق».
وبيّن ولد لبات، أن الأطراف السودانية ستوقع على الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال أسبوع على أبعد تقدير.
في الوقت نفسه، قال الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس المجلس العسكري الذي يرأس قوات الدعم السريع، إن «هذا الاتفاق سيكون شاملاً لا يقصي أحداً، مقدماً الشكر للوسطاء، المبعوثين الأفريقي والإثيوبي، على جهودهم وصبرهم، كما نشكر كوادر قوى الحرية والتغيير على الروح الطيبة، وإن الاتفاق سيكون له ما بعده وسيكون شاملاً، ولا يقصي أحداً، ويستوعب الحركات المسلحة والقوى السياسية، وكل طموحات الشعب السوداني وثورته الظافرة».
وقال عمر الدقير، القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، إن الاتفاق يفتح الطريق لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاهتمام بقضية السلام.
وأعرب عن أمله بأن يكون الاتفاق بداية لعهد جديد، تسوده الوحدة والوعي والإرادة الجماعية لتحقيق أحلام الشعب السوداني وإسكات صوت البندقية إلى الأبد، وتحقيق المصالح الوطنية.
وتواصلت ردود الأفعال المرحبة بالاتفاق، وأعربت أحزاب وكيانات وقيادات وشخصيات وناشطون سودانيون عن تفاؤلهم بالاتفاق، حيث رحب تجمع المهنيين الذي قاد الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق عمر البشير، بالتوصل أخيراً إلى اتفاق في السودان بشأن تشكيل مجلس سيادي مشترك. وقال التجمع «اليوم ميلاد الفرح في السودان».
وأصدر التجمع بياناً أمس قال فيه إن الطرفين اتفقا على تشكيل مجلس سيادي مشترك لقيادة عملية الانتقال في البلاد.
وأضاف أن المجلس سيضم خمسة مدنيين يمثلون حركة الاحتجاج وخمسة من العسكريين، على أن يذهب المقعد الحادي عشر إلى مدني يختاره الطرفان. وأضاف «شعبنا الظافر، الآن يتسع الطريق شيئاً فشيئاً، شدوا الأيادي وسدوا الفراغ بالتلاحم»، ودعا إلى الفرح بالقول «اليوم ميلاد الفرح بالبلاد، ولتسطع شمس الحرية دون غيوم».
وقال الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، إن الفترة الانتقالية تتطلب توافقاً قومياً بين كل عوامل التغيير الذي حقق تطلعات الثورة الشعبية.
وأضاف في بيان أمس: «إن هذا التوافق رهين بتحقيق تسعة أهداف، هي إعلان دستوري متوازن، وتفكيك التمكين الموروث بآليات قانونية عادلة، وتحقيق مطالب السلام، وتحديد استحقاقات التحول الديمقراطي عبر انتخابات نزيهة، وعقد المؤتمر القومي الدستوري، والتزام سياسة إقليمية دولية متوازنة، والحرص على حاضن سياسي قومي».
ومن جانبه، رحب الحزب الاتحادي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني بالاتفاق، ودعا إلى مواصلة الجهود للوصول إلى اتفاق شامل وتحقيق الانتقال الديمقراطي، ودعا الحزب في بيان أمس أهل السودان جميعاً إلى المساهمة الإيجابية في تحقيق أهداف الثورة في التغيير والإصلاح وبناء المستقبل.
وقال الدكتور حامد التيجاني، الخبير السوداني، الأستاذ بالجامعة الأميركية في القاهرة، إن الاتفاق خطوة جيدة، السودان لا يحتمل الخيارات الصفرية. وأعرب الكاتب الصحفي السوداني فايز الشيخ السليك لـ«الاتحاد» عن اعتقاده أن الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح، وأن نتيجة التفاوض تعني قبول ما تفرضه موازين القوى، والمطلوب هو البناء على ما تحقق، وأنه يمكن عبره تقليل حدة المواجهة والانتقال المتدرج، لكنه استدرك أن عدم الثقة بين الطرفين ما زال مشكلة كبيرة، وأن هناك مخاوف كذلك من مقاومة الإسلاميين للتحول الديمقراطي.
وأضاف: «إن قوى التغيير قطعت خطوة، وعلى من يرفضون الاتفاق العمل على إكمال المشوار، والشوارع ليست ملكاً لأحد، وباب التظاهر مفتوح».
وحذر الناشط السوداني سفيان محمد من أنه يجب الانتباه للمتربصين بالتحول الديمقراطي، وحماية ما تم إنجازه من اتفاق، والبناء عليه.
ورحب سياسيون وناشطون في تصريحات لـ«الاتحاد» بموقف الحزب الشيوعي الذي قالوا إنه سار في خط الإجماع، ولكنهم حذروا من خطورة الدولة العميقة والإسلاميين الذين يتربصون بالوضع برمته. وقالوا: «إن الأمر لم يكن يحتاج لكل هذا الوقت والدماء والعناء، وإن الاتفاق تجب حراسته».
على صعيد آخر، رحب رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، بالاتفاق بين الأطراف السودانية، معتبراً أنه بداية التأسيس للمرحلة الانتقالية في البلاد.
وعبّر آبي أحمد، في بيان عبر «تويتر» أنه يوجه تهنئته إلى شعب السودان والمجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير بشأن التوصل إلى اتفاق.
وفى تطور مهم، أعلن عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة تحرير السودان، رفضه الاتفاق. ومن جانبها، دعت الجبهة الثورية السودانية، أحد مكونات قوى الحرية والتغيير برئاسة مالك عقار بعد ساعات قليلة من الإعلان عن الاتفاق، إلى عقد اجتماع عاجل لقوى التغيير في أديس أبابا لمعالجة التناقضات داخل صفوفها، والمحافظة على وحدتها، وتكوين مجلس قيادي لها متوازن، لا يسيطر عليه طرف من أطرافها، ويعبر عن الإجماع داخل صفوفها، ليقود الفترة الانتقالية، ويكون مرجعيتها السياسية.
وأكد عقار في بيان له أمس أنه لا سلام من دون ديمقراطية، ولا ديمقراطية من دون سلام، وأنه يجب الربط في حزمة متكاملة بين قضايا الانتقال الديمقراطي والسلام العادل والمواطنة بلا تمييز، وأنه يجب الربط بين منبري الانتقال الديمقراطي والسلام العادل.
وأضاف عقار: «إن الاتفاق الحالي الذي يجري التبشير به ضعيف، وترك قضايا العدالة ودماء الشهداء لما يسمى باللجنة الوطنية، ويقوم على محاصصات حزبية وفردية، لا تخاطب جوهر القضايا، وسرعان ما ينقلب عليه المجلس العسكري عاجلاً أم آجلاً».
ومن جانبه، قال مني أركو مناوي، الأمين العام للجبهة الثورية، رئيس حركة تحرير السودان، إن أي اتفاق لم يؤسس على أرضية السلام يعتبر امتداداً لحكم النظام المعزول، وإن الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وبعض مكونات إعلان قوى التغيير لا يعبر عن قضايا الوطن ولا يقدر تضحياته، وأضاف مناوي في بيان أمس: «إن هذا النهج الذي تشكل فيه حكومة من مجموعة من قوى التغيير الذين تجمعهم أفكار عنصرية سلطوية للمحافظة على الوضع القديم بأسماء وشخصيات جديدة، لن يؤدي إلى تأسيس دولة المواطنة المتساوية التي قدم في سبيلها الشعب السوداني أغلى التضحيات، إنها مؤامرة كبرى ستنقل السودان إلى أزمة جديدة أشد تعقيداً».

الاتحاد الأوروبي يشيد بالاتفاق ويصفه بـ«الاختراق»
وصف الاتحاد الأوروبي، أمس، بـ«الاختراق» الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السودان بين العسكريين وقادة الاحتجاج، داعياً إلى تشكيل حكومة. وقالت المتحدثة باسم وزيرة الخارجية فيديريكا موجيريني إن «الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في السودان بشأن انتقال مدته ثلاث سنوات بقيادة مدنية، والذي أعلنه الاتحاد الأفريقي، يشكل اختراقاً».
وأضافت «من المهم أن ينفذ الأطراف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بنوايا حسنة، وأن يواصلوا المحادثات حول القضايا العالقة»، وتابعت المتحدثة «يجب في وقت سريع تشكيل حكومة مدنية ذات سلطة قادرة على استعادة السلام وضمان الرخاء الاقتصادي، وحماية حقوق الإنسان للجميع في السودان».