خبراء: انحسار التضخم في مصلحة المستهلك ولا مخاوف من انكماش اقتصادي
يحقق انخفاض معدل التضخم إلى ما دون 1% بأبوظبي فوائد للمستهلكين، ولا يلحق ضرراً باقتصاد الإمارة الذي ينتظر أن ينمو 2 إلى 3% العام الحالي، بحسب خبراء اقتصاديين.
ورغم هبوط مستويات التضخم إلى أدنى مستوياتها خلال عقدين، إلا أن خبراء استبعدوا أن يكون ذلك مؤشراً على انكماش اقتصادي تتأثر به أبوظبي، متوقعين أن يؤدي ذلك إلى تزايد القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي.
ويربط مراقبون بين انحسار الضغوط التضخمية التي بلغت أعلى مستوياتها العام الماضي عندما تجاوزت 14%، واستقرار أسعار الإيجارات في العاصمة، فضلاً عن استقرار أسعار السلع الأساسية انعكاساً لتراجع كلف المستوردات.
وتراجع التضخم، الذي يقيس متوسط التغير في أسعار المستهلكين خلال فترة زمنية معينة، لا يعني انخفاض الأسعار، بحسب ما أكد مركز الإحصاء - أبوظبي في تقريره عن شهر أكتوبر.
وقال الخبير المصرفي فؤاد زيدان إن «استقرار الأسعار أو انخفاضها يفيد المستهلك بشكل أساسي، ويشجع على زيادة معدل الصرف، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الطلب ومن ثم تنشيط الاقتصاد».
ولكنه أشار إلى أن «الزيادة المتراكمة في معدل التضخم تؤدي إلى الركود، وشعور المستهلكين بالمتاعب الاقتصادية، وعدم قدرتهم على اقتناء المنتجات الضرورية أحياناً».
وفي ظل انعدام شعور بعض المستهلكين بانخفاض الأسعار، رجح خبراء أن يكون ذلك مرده اختلاف الوزن النسبي للسلع والخدمات المحددة لقياس مؤشر التضخم.
وقال خبير اقتصادي بدائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي «المستهلك ينتظر تراجع أسعار السلع الاستهلاكية الخاصة به بنسبة 14% بعد الإعلان عن تراجع التضخم بهذه النسبة، في حين أن المؤشر يضم العديد من السلع والخدمات الأخرى، والتي قد لا يستخدمها المستهلك بصورة مباشرة».
وأضاف الخبير، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن العام الأخير شهد تراجعاً ملحوظاً في أسعار مواد البناء، حيث تراجعت أسعار الحديد من متوسط 6 آلاف درهم لنحو ألفي درهم للطن، موضحاً أنه بناء على ذلك قد يشعر المقاول بتراجع التضخم بصورة واضحة مقارنة بمستهلك آخر ينتظر انخفاض أسعار السلع الغذائية فقط.
وكشف التقرير الصادر عن مركز الإحصاء بأبوظبي مؤخراً انخفاض معدل التضخم إلى 0.98%.
وتوقع التقرير أن يستمر التراجع في معدلات التضخم خلال الشهرين الأخيرين من هذا العام، ما يتيح فرصاً أفضل لمزيد من النمو والاستقرار المالي والاقتصادي في إمارة أبوظبي.
وقال الدكتور همام الشماع الخبير الاقتصادي إن انخفاض معدل التضخم يرجع في المقام الأول إلى استقرار أسعار الإيجارات في أبوظبي، والتي شهدت تراجعاً في بعض المناطق، موضحاً أن الإيجارات تستنزف ما يزيد على 50% من دخل الأسر المقيمة.
وأشار إلى أن ما يعزز التأثير الأكبر للإيجارات، هو استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية المستوردة بسبب انخفاض قيمة الدولار، الذي فقد أكثر من 15% من قيمته خلال الأشهر الأخيرة.
وأوضح الشماع أن تراجع التضخم لا يعني انخفاض الأسعار، ولكن انخفاض الزيادة في الأسعار، أي معدل نمو الأسعار، وهو ما يؤدي إلى عدم شعور أغلب المواطنين بنتائج مباشرة للانخفاض في التضخم. كما أن معدل التضخم يرمز للمعدل العام للأسعار وليس الفقرات المكونة للأسعار والتي شهدت بعضها ارتفاعاً خلال العام الجاري.
وعن تأثير تراجع التضخم على الوضع الاقتصادي، أوضح الشماع أنه فيما يتعلق بدولة الإمارات والخليج بوجه عام، فإن انكماش الأسعار ليس بنفس مستوى الانكماش في الدول المتقدمة، كما أن أغلب السلع المستهلكة بالدولة هي في الأساس سلع مستوردة، بما يعني أن الانتاج المحلي لا يتضرر.
ومن ناحية أخرى، فإن أسعار المنتجات المحلية لاتزال تحافظ على معدلاتها ولم تتراجع بنفس نسبة السلع المستوردة، وبالتالي لا توجد مخاوف من تباطؤ الانتاج المحلي، بحسب الشماع الذي أكد أن تراجع معدل التضخم يفيد المستهلك ولا يضر بالاقتصاد.
تراجع الطلب
وقال الخبير المصرفي فؤاد زيدان إن انخفاض معدل التضخم في الإمارات يعد نتيجة طبيعية للأزمة المالية العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار معظم المواد الاستهلاكية المستوردة.
وأوضح زيدان أن انخفاض الأسعار جاء بسبب تراجع الطلب، فانخفاض الطلب على مواد البناء والسيارات على سبيل المثال دفع الشركات لتخفيض الأسعار، وذلك في إطار المنافسة بين الشركات.
نقص السيولة
وقال الدكتور أحمد السامرائي الخبير الاقتصادي إن السبب الرئيسي وراء تراجع التضخم هو نقص السيولة بعد الأزمة المالية، موضحاً أن الفترة الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في استهلاك السلع والخدمات الكمالية مثل الهواتف المحمولة والملابس وتذاكر السفر، في حين يتراجع استهلاك السلع المعمرة مثل التليفزيونات أو الثلاجات، وهو ما يؤثر على حساب معدل التضخم الذي يركز في المقام الأول على السلع المعمرة.
وذكر تقرير مركز الإحصاء أن تراجع التضخم نجم عن انخفاض أسعار سلع مجموعات رئيسية بنسب متفاوتة، والتي تشكل أهميتها النسبية 47.4% من سلة المستهلك، في مقدمتها الأغذية والمشروبات غير الكحولية، والملابس والأحذية، والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة.
سلع ترفيهية
وأوضح الدكتور جمال زروق الخبير الاقتصادي بصندوق النقد العربي أن المؤشر الحالي للتضخم يعطي وزناً أكبر للسلع الأولية، بينما السلع والخدمات الأخرى والتي تعد ترفيهية ليست بنفس القيمة في المؤشر رغم زيادة استهلاك هذه السلع بالدولة، وهو ما يؤدي إلى عدم شعور أغلب المستهلكين بانخفاض الأسعار رغم الحديث عن تراجع التضخم.
وأكد ضرورة مراعاة تغيير النمط الاستهلاكي في تحديد الوزن النسبي لمؤشر التضخم، وقال «محاسبياً تراجعت الأسعار، ولكن عملياً لم تنخفض عند ربطها بالنمو الاستهلاكي المتغير».
وأضاف «رغم أن مؤشر التضخم يعطي إشارات مهمة، إلا أنه من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية بناء على المؤشر الحالي، في ظل غياب كثير من الخدمات الضرورية مثل التأمين على سبيل المثال». كما أن وزن التعليم محدود جداً رغم أن تكاليف المدارس مرتفعة، بحسب زروق.
وكان التقرير الاقتصادي لإمارة أبوظبي 2009 الذي أعدته إدارة الدراسات بدائرة التنمية الاقتصادية أكد أن حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي للإمارة نمت بنسبة 24.3% خلال عام 2008 لتبلغ 324.8 ألف درهم تعادل 88.5 الف دولار. وكان معدل حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي قد بلغ 261.4 ألف درهم تعادل 71.22 الف دولار في 2007، ونحو 233 ألف درهم تعادل 63.5 الف دولار في 2006، ارتفاعا من مستوى 207.5 ألف درهم تعادل 56.5 الف دولار في 2005
المصدر: أبوظبي