التشرد يغذي الانحراف والجريمة والنقمة على المجتمع
توفي عدد من المشردين نتيجة البرد القارس الذي اجتاح مناطق واسعة في المغرب حيث انخفضت درجات الحرارة بشكل كبير هذا العام واعتبرت اسوأ موجة برد تشهدها البلاد منذ سنوات·
وكان المشردون الذين يعيشون على الأرصفة بلا مأوى أول ضحايا الظروف الجوية الصعبة وموجة برد شديدة التي عرفها المغرب وتميزت بتساقط الثلوج والأمطار بغزارة وانخفاض درجات الحرارة الى معدلات قياسية·
ووجد معظم ضحايا موجة البرد من الفقراء والمشردين ممددين في الشارع العام يحمون أنفسهم من البرد ببعض الثياب والكراتين وأكياس البلاستيك، ووجد على جثثهم آثار البرد والاهمال وسوء التغذية· وقد أثارت هذه الوفيات الرأي العام وجمعيات المجتمع المدني وفتحت ملف المشردين الذين ينتقلون من شارع الى آخر ومن مدينة الى أخرى ويرفضون الالتحاق بعوائلهم أو الإقامة بدور الرعاية الاجتماعية·
ويقول الباحث الاجتماعي محمد لطفي إن أعداد المشردين في ارتفاع مستمر متأثرة بكثرة المشاكل الاجتماعية الناجمة عن التفكك الأسري مثل الطلاق أو فقد أحد الوالدين، وانتشار تعاطي المخدرات والجرائم وارتفاع نسب البطالة والفقر والفشل الدراسي، واعتبر أن هذه المشاكل تغذي أفواج المشردين وترفع أعداد الذين يهيمون على وجوههم في الشوارع هرباً من المشاكل والضغط العائلي وبحثاً عن حياة الضياع حيث تنعدم المسؤولية والمحاسبة·
وأوضح أن أغلب المشردين لم يتحملوا قساوة البرد في الشارع خلال الفصل الحالي فبحثوا عن أماكن تحميهم من البرد مثل المقابر والمنازل المهجورة والتحق بعضهم بدور الرعاية الاجتماعية بينما ظل بعض المشردين يعيشون في العراء حيث أمضوا الليالي الباردة بقدر ضئيل من صور الحماية متمثلة في الأغطية والصناديق الورقية كما أضرموا النيران لحماية أنفسهم من موجة البرد والصقيع غير المعهودة التي تجتاح المغرب حالياً·
وقال إن ''المشردين فئة تجمع شريحة من العاطلين والمدمنين والمتسولين والمجرمين والأطفال والمعاقين والمسنين يجوبون الشوارع ويستوطنون الأرصفة والأزقة والممرات ويعيلون أنفسهم من خلال بيع أشياء بسيطة على إشارات المرور أو من خلال التسول''· وأوضح أن السلطات تشن حملات متواصل لجمع المشردين وايوائهم في دور الرعاية إلا أن هذه الحملات ليست كافية للقضاء على هذه الظاهرة بسبب تزايد أعداد المشردين وقلة دور الرعاية، واستمرار هروبهم منها بسبب سوء المعاملة أو إهمال الاضطرابات النفسية والعقلية التي يعانون منها·
وأكد أن القضاء على هذه الظاهرة يستلزم حل مشاكل المشردين ومساعدتهم على إيجاد عمل أو الحصول على مساعدات مالية ووضع المسنين والمعاقين والأطفال في دور الرعاية، وتوزيع منشورات ولافتات في الشوارع الرئيسية لتوعية المواطنين على التعاون في حل هذه المشكلة التي تعكس صورة غير حضارية تسيء الى الإنسانية·
وحذر الأخصائي الاجتماعي أحمد امزين من استفحال ظاهرة التشرد وانتشارها على نطاق أوسع، وقال إن ''بعض الدراسات تقدر أعدادهم بنحو 200 ألف أغلبهم من الاجانب الذين بقوا بشكل غير قانوني بعد فشل مشروع هجرتهم الى أوروبا، أما المغاربة المشردون فهم افرازات مجتمع مطحون اقتصادياً يعاني من مشاكل السكن والبطالة والفقر، لذلك نجد أن الأب الذي فشل في تأمين مصروف أسرته يهجرها للعيش في الشارع والطالب الذي أنهى دراسته ولم يجد عملاً يهرب من محيطه العائلي الى الشارع، إضافة الى الأطفال المخطوفين والتائهين الذين يتخذون من الشارع بيتاً لهم نجد المسنين الذين اضطرتهم الظروف الاقتصادية وتدني القيم الاجتماعية الى الرحيل عن أسرهم، وتطول لائحة المشردين لتشمل الشباب المدمنين الذين طردوا من بيت العائلة، والمراهقين الذين آثروا الشارع على ضغط الأسرة والمجنونين والمجرمين والمضطربين نفسياً''·
وأكد أن كل هؤلاء يتم استغلالهم في التسول الاحترافي أو السرقة أو توزيع المخدرات، واعتبر أن ردع هذه الظاهرة يبدأ من عدم الانصياع إلى هذا الابتزاز بدافع الشفقة، وعدم السماح للمشردين باستغلال التكافل والبر والرحمة في استدرار العطف، وإعادة إدماجهم في المجتمع بخلق أنشطة مدرة للدخل لفائدتهم حتى لا يكونوا عالة على المجتمع ويتسببون في ضعفه وهوانه وتقديم صورة سيئة له·
وأوضح أن ظاهرة التسول ظاهرة مقلقة في المجتمع نظراً للتزايد المطرد لعدد المشردين وتزايد أعداد الذين يعانون من الاقصاء الاجتماعي والذين يعيشون في دور الصفيح ومناطق السكن العشوائي، وأضاف أن ''هذه الشريحة الاجتماعية تفرز مشردين ينضافون إلى الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة والأطفال المتخلى عنهم واليتامى وأطفال الشوارع والمعاقين والنساء الأرامل والأشخاص المسنين والمعوزين الذين يعيشون في الشارع مشكلين مناظر مؤذية ومشاهد مؤلمة لعامة الناس''·
واعتبر أن القضاء على ظاهرة التشرد يرتبط بمعالجة مشاكل الطبقة التي تعاني من الإقصاء الاجتماعي ومحاربة الاقصاء والتقليص من العجز الاجتماعي والفقر والبطالة والأمية وتحسين ظروف العيش وادماج الشباب عن طريق التكوين والتشغيل والأنشطة المدرة للدخل ودعم مسلسل التنمية المحلية عبر خلق جمعيات تنموية·
وينفق المغرب نحو 38 مليون درهم لمكافحة التسول والتشرد والإقصاء الاجتماعي، من خلال الإعانات المالية التي تستفيد منها هذه الشريحة في إطار استراتيجية مكافحة الفقر والتهميش·
ومن المشاريع الطموحة في ميدان القضاء على ظاهرة التشرد برنامج ''فرصة من أجل إعادة إدماج الأشخاص بدون مأوى'' الذي يقوم بإيواء المشردين ومعالجة مشاكلهم وتقديم مساعدات مالية وعينية لهم، ففي شهر ديسمبر الماضي تمكن هذا البرنامج من رعاية 138 متشردا في مدينة الدار البيضاء، يوجد من ضمنهم 14 طفلًا قاصراً و16 امرأة، إضافة إلى 108 رجال، ووفر المركز الاجتماعي الرعاية الطبية والمبيت والمأكل لنزلائه، وتمكن برنامج ''فرصة'' من الإدماج العائلي لـ57 رجلاً ظلوا يعيشون حياة الشارع حيث عالج البرنامج المشاكل العالقة بين المشردين وعائلاتهم وتعهدت هذه الأخيرة بالتكفل بإعالتهم·
وبلغ عدد المشردين المحالين على المركز الاجتماعي تيط مليل من مارس الى ديسمبر المنصرمين، 5843 متسولاً، من بينهم 2171 امرأة و2230 رجلاً· وأحالت دوريات المساعدة الاجتماعية على مركز اجتماعي آخر بمدينة الدار البيضاء خلال الشهرين الماضيين 925 متشرداً، يوجد بينهم 93 امرأة و113 قاصراً·
وحجزت دوريات المساعدة الاجتماعية مبالغ مالية مهمة وحلي ومجوهرات كانت بحوزة المتشردين الذين التقطتهم الدوريات، رغم أن أغلبهم مصابون بأمراض الروماتيزم والقلب والشرايين، والسكري والقصور الكلوي
المصدر: الرباط