منذ أن بدأ الملايين من الأميركيين الأفارقة في مغادرة المزارع والحقول في الولايات الجنوبية باتجاه المناطق الصناعية في الشمال قبل ما يقارب القرن من الآن في ما لا يزال يطلق عليه ''الهجرة العظيمة'' فإن مصير العديد من هؤلاء ظل يرتبط بقوة صناعة السيارات· وكانت شركات السيارات في ذلك الوقت لا تحبذ كثيراً استخدام وتوظيف العمالة من العرق الأسود إلا أن شركة فورد موتور استمرت توفر الوظائف للسود في وقت امتنعت فيه العديد من الصناعات الأخرى تقديم يد العون وآثرت إغلاق الأبواب في وجوههم· لذا وعبر عقود من الزمان فقد أصبحت الشركات المصنعة للسيارات تمثل الملاذ الآمن وتوفر إمكانية الدخول إلى الطبقة الوسطى للعديد من الأميركيين السود وأطفالهم من بعدهم وبخاصة لأولئك الذين لا يتمتعون إلا بقدر محدود من التعليم والثقافة· أما الآن وقد أصبحت ديترويت عاصمة صناعة السيارات في العالم تعاني من مظاهر التداعي والانهيار فقد أضحى العديد من السود يشعرون بتهديد زوال الوضع الاقتصادي المتميز الذي اكتسبوه على مر السنين· وبحلول نهاية الشهر الماضي فقد أكثر من 20 ألف عامل أسود في صناعة السيارات وظائفهم بانخفاض بنسبة 13,9 في المائة بإجمالي عددهم منذ أن بدأ الركود في ديسمبر الماضي وفقاً لبيانات الوظائف الحكومية التي قام بتحليلها معهد السياسات الاقتصادية للبحوث في واشنطن مقارنة بانخفاض بمعدل 4,4 في المائة فقط في إجمالي العمالة في قطاع التصنيع· ومضى تقرير معهد السياسات الاقتصادية يقول ''لقد اعتاد الأميركيون الأفارقة على الحصول على رواتب في صناعة السيارات أعلى بكثير مما يحصلون عليه في القطاعات الأخرى من الاقتصاد؛ كما أن فقدان هذه القاعدة الصلبة من الوظائف في الطبقة الوسطى سوف يصبح أمراً مدمراً، فلقد أضحت صناعة السيارات وصناعة أجزاء وقطع غيار السيارات مجرد جزر منعزلة تعاني من التدهور والانكماش''· علماً بأن السود ظلوا يشغلون معظم الوظائف في سلم إنتاج صناعة السيارات ابتداءً من عمال المصنع مروراً بالمستخدمين من ذوي الياقات البيضاء وحتى وظائف المزودين والمستخدمين في توكيلات بيع السيارات· وكما تقول كلوديا بيركينز 55 عاماً، والتي ظلت تعمل في صناعة السيارات لمدة 33 عاماً في مصنع تجميع السيارات الخاص بشركة جنرال موتورز في ليك أوريون بولاية ميتشجان ''إذا لم يكن هذا المصنع موجوداً فإن العديد من الأميركيين السود لم يكن باستطاعتهم البقاء طوال هذه السنوات وبخاصة أولئك الذين يفتقدون إلى التعليم''· أما نيلسون هوايت الذي يعمل كمحلل للمواد الصناعية في مصنع فورد للسيارات في ليفونيا بولاية ميتشجان فقد أعرب عن مخاوفه من أن الأميركيين السود الآخرين ربما لن يتمكنوا من الحصول على الفرص التي سنحت له في السابق· وكان هوايت قد بدأ يعمل بالساعة في مصنع فورد قبل أن يلتحق بالجامعة ضمن برنامج تدريبي لشركة فورد تمكن من خلاله ان يقفز إلى وظيفة إدارية قيادية في عام ·1999 وتماماً كما يحدث في معظم فترات الركود فإن الأميركيين السود يصبحون أكثر تأثراً من غيرهم من العمال، حيث ازداد معدل إجمالي البطالة في أوساط السود إلى 11,2 في المائة في نوفمبر الماضي بزيادة بنسبة 2,8 في المائة مقارنة بنفس الشهر في العام الماضي· علماً بأن معدل البطالة الوطني في الدولة بلغ 6,7 في المائة في شهر نوفمبر بزيادة مقدارها 2 في المائة مقارنة بنفس الفترة في العام الأسبق· وفي الإجمالي فإن السود ظلوا يشكلون ما نسبته 14,2 في المائة من إجمالي القوة العاملة في صناعة السيارات في عام 2007 وفقاً للإحصائيات الواردة في تقرير معهد السياسات الاقتصادية مقارنة بمعدل يبلغ 11,2 في المئة من إجمالي القوة العاملة في الولايات المتحدة الأميركية· وكذلك فإن السود في صناعة السيارات وإنتاج الأجزاء وقطع الغيار يحصلون في المتوسط على أجر بمقدار 17,8 دولار في الساعة مقارنة بأجر يبلغ 15,44 دولار في الساعة للسود في كافة أنواع الصناعات الأخرى كما يشير التقرير· عن ''انترناشونال هيرالد تريبيون''