الأسهم.. حكاية ترويها الأسواق المالية عبر 3 عقود
غضب وفرح، هتاف وصمت، مشاهد “درامية” إنسانية تجري أحداثها على مقاعد جلدية وثيرة، في غرفة واحدة، تحركها شاشات إلكترونية يتصارع فيها الأحمر والأخضر ليجسدا نمط حياة عنوانه “سوق الأسهم”.
فأكثر من 850 ألف مستثمر يبدأون يومهم بإصدار أوامر البيع والشراء، متسمرين أمام ومضات رقمية تنبؤهم بمصير ثرواتهم.
ولكن، قلة منهم أدركوا نشأة “الأسهم” في الدولة قبل أن يسمع صوت جرس التداول النظامي الأول في سوقي أبوظبي ودبي الماليتين عام 2000، فالبداية ليس كما تصورها البعض عام 1998، أو 1995.
هي قصة تعود بجذورها إلى أكثر من 30 عاماً، في زمن كانت الورقة المالية فيه تباع وتشترى في أروقة الشركات مصدرة الأسهم ذاتها، وبحضور وسطاء يعلمون ما ظهر من الأسعار وما بطن.
عاشت أسواق المال المحلية مراحل تاريخية على وقع سلسلة من الأحداث والتطورات أسست دعامة نشأتها، وأسهمت في إعادة صياغتها بشكلها الحالي.
واقترنت تجارة الأسهم في فترة السبعينات من القرن الماضي وحتى عام 1982 بتأسيس العديد من البنوك والشركات المساهمة وبالتزامن مع مرحلة طفرة في النشاط الاقتصادي شملت كافة أنحاء الدولة.
ثمانينات القرن العشرين
كانت البنوك والشركات التي تأسست مطلع ثمانينات القرن العشرين تتوزع ملكيتها بين الحكومات المحلية أو مؤسسين أفراد وعائلات، إلا أن هذه المرحلة لم تكن عملية بيع الأسهم فيها أمراً مألوفاً نظراً لطبيعة وأغراض تأسيس تلك الشركات.
ويستذكر زياد الدباس المستشار في بنك أبوظبي الوطني تلك المرحلة بوصفها “مرحلة الاستثمار طويل الأجل”، فالسيولة المالية التي نراها اليوم لم تكن متوفرة في أيدي الناس، وأضاف الدباس الذي عاش قدراً لا يستهان به من تلك المرحلة “كانت الضبابية تغلف أسعار أسهم الشركات القائمة رغم قلتها”.
وزاد “عمليات البيع في ذلك الوقت كانت محدودة، ولكنها عشوائية، حيث كان البائع والمشتري يتقايضان الأوراق المالية بالاتفاق، ويتم تسجيل الأسهم في الشركة المصدرة لتلك الأسهم، باستثناء مؤسسة الإمارات للاتصالات التي كانت تشترط إجراء عملية البيع والشراء في المحكمة”.
بدأت في عام 1988 مرحلة جديدة ترافقت مع عودة الانتعاش للنشاط الاقتصادي في الدولة، الذي عم معظم القطاعات، والتي ظهرت إثرها عمليات التداول على الأسهم كواحدة من القنوات الاستثمارية المفضلة، وبدأت مفاهيم عديدة تتغير لمصلحة التداول، وبرزت شريحة من تجار الأسهم نشطوا في السوق للاستفادة من فروقات الأسعار بهدف تحقيق أرباح كبيرة، وفقاً لدراسة أعدها منتدى الإمارات الاقتصادي بعنوان “تطور الأسواق المالية في الإمارات”.
وهنا كان التنظيم ضرورة في ظل غياب الدور الرسمي، حيث قام بنك أبوظبي الوطني الذي كان محمد الحمروش السويدي رئيساً لمجلس إدراته عام 1988 بتأسيس دائرة للأسهم، تسعى إلى المحافظة على حقوق المتعاملين، وإجراء عملية لحصر وتحديد أسعار الأسهم المعروضة في السوق، بحسب الدباس.
ويضيف الدباس “لم تقف الامور عند هذا الحد، حيث بدأت صحيفة “الاتحاد” عام 1989 وبالتعاون مع بنك أبوظبي الوطني بإصدار نشرة تقريبية لأسعار الأسهم، بهدف توعية المستثمرين وتعريفهم بمعدلات الأسعار المتداولة”.
وكان متوسط العائد على الأسهم في تلك المرحلة يتراوح بين 15% إلى 20% ولم يجاوز متوسط مضاعف سعر السهم 8 مرات، بعد ذلك بدأت مستويات الأسعار بالارتفاع تدريجياً لينخفض متوسط عائد الأسهم إلى ما بين 5% و7.5% في نهاية الفترة التي استمرت حتى عام 1994، بحسب الدراسة.
وأشارت الدراسة إلى أن المستثمرين حققوا خلال تلك الفترة أرباحاً ملموسة مستفيدين من مستويات الأسعار المرتفعة، التي جاءت عن طريق التوزيعات النقدية، وأسهم المنحة، نتيجة تحسن أرباح الشركات المساهمة، كما تم تطبيق قانون الشركات خلال تلك المرحلة، والذي صاحبه تعزيز للثقافة الاستثمارية عند أصحاب رؤوس الأموال، ما أسهم في بناء أرضية متينة لتفعيل سوق الإصدار الأولي.
وكان عدد الأسهم المتداولة في السوق خلال تلك الفترة قد بلغ 26 سهماً، وشهدت ارتفاعاً في قيمتها السوقية الإجمالية من 21.4 مليار درهم في نهاية ديسمبر 1988 إلى 36.1 مليار درهم في نهاية عام 1994 بزيادة قدرها 14.7 مليار درهم، وبنسبة نمو بلغت 69% خلال 6 سنوات، فضلاً عن توزيعات الأرباح سواء كانت نقدية أو على هيئة أسهم منحة، وفقاً للدراسة.
الانتعاش الحقيقي
ومع بداية عام 1995 بدأت مرحلة من الانتعاش الحقيقي ترافقت مع تأسيس عدد من الشركات المساهمة بعد انقطاع دام لأكثر من عشر سنوات ونتيجة لذلك ارتفع عدد المساهمين بشكل كبير حيث انتعشت معه تجارة الأسهم، لتتحول إلى “قبلة” لكبار وصغار المتعاملين، مستثمرين أو مضاربين.
ومما زاد من انتعاشها، النتائج المالية الكبيرة، والتوزيعات المجزية على المساهمين من قبل الشركات المساهمة، حيث وصلت أرباح بعض البنوك والشركات إلى نسب قاربت رأس المال الأساسي، ما سبب تضخماً في أسعار بعض الأسهم وتضاعفاً في أسعار الأسهم الجديدة متجاوزة بذلك الأداء الاقتصادي لكل سهم على حدة، والذي بدوره أدى إلى حدوث مضاربات كبيرة خاصة في صيف 1998، حيث وصلت الأسعار إلى ذروتها خلال شهري أغسطس وسبتمبر، وارتفعت القيمة السوقية للأسهم المتداولة والبالغ عددها 44 سهماً إلى 235 مليار درهم ليحقق معها المستثمرون أرباحاً طائلة معظمها دفترية وبعضها فعلية للأسهم التي تم تسييلها قبل نهاية 1998 أو بأسعار أعلى من سعر الشراء بعد ذلك.
موجة بيع
ساهمت التطورات المتلاحقة في أسواق المال المحلية من نتائج مالية وتوزيعات مالية مجزية بارتفاع وتيرة الطلب على الأسهم في صيف 1998، ما وضع المستثمرين أمام استحقاقات البيع وجني الأرباح في الشهور اللاحقة.
وتقول دراسة منتدى الإمارات الاقتصادي “نتيجة وصول الأسعار إلى مستويات كبيرة وإدراك المتعاملين بأن هذه الأسعار مبالغ فيها جداً، بدأت منذ الأول من أكتوبر 1998 موجة بيع محمومة من أجل تحقيق أرباح فعلية، وهوت الأسعار في إثرها إلى مستويات متدنية نتيجة العرض الكبير واختفاء الطلبات، ما هبط بالقيمة السوقية للأسهم المتداولة في نهاية ديسمبر من عام 1998 إلى 124 مليار درهم، فضلاً عن تراجع أسعار بعض الأسهم الجديدة إلى ما دون قيمتها الاسمية.
إلى ذلك، توقف سوق الإصدار الأولي رغم وجود دراسات عدة لتأسيس شركات مساهمة وكذلك تأجيل طرح بعض الشركات التي أعلن عن قرب طرحها للاكتتاب العام، ومع نهاية 1999 وصلت القيمة السوقية للأسهم المتداولة إلى 102 مليار درهم بانخفاض حوالي 133 مليار درهم وبنسبة 65.5% خلال 15 شهرا مع الإشارة إلى أن معظم الخسائر كانت قبل نهاية 1998، وأدى ذلك إلى فقدان الثقة في السوق مما زاد من صعوبة انتعاشه مجدداً.
من جهته، يستذكر الدباس ومضات من تلك الفترة، حيث شهدت السوق دخول أسهم جديدة إلى حلبة المضاربات، كانت أبرزها شركات الاتحاد العقارية، وإعمار العقارية، وأبوظبي لبناء السفن، ومصرف أبوظبي الإسلامي.
وقال الدباس “تلك الشركات ساهمت في توسيع قاعدة المساهمين في السوق، جنباً إلى جنب مع توسع قاعدة المضاربين، حيث وصلت الأسعار في حينها إلى مستويات مرتفعة جداً مقارنة بالعناصر الأساسية المتعلقة بأدائها المالي”.
وأضاف “شهدنا ارتفاع سهم إعمار من 10 دراهم إلى حدود 130 درهماً، كما قفز سهم “أبوظبي الإسلامي” إلى ما فوق 100 درهم أيضاً”.
وزاد “كانت المضاربات كبيرة، وقوية، وجني الأرباح كان استحقاقاً طبيعياً، ولكن الحدة التي ظهر بها دفعت إلى تحرك رسمي يعالج الأمر بإنشاء سوق مالي، في وقت بدأ الركود فيه بالسيطرة على تجارة الأسهم”.
ووصل عدد الأسهم التي يتم تداولها في السوق بنهاية عام 1999 نحو 46 سهماً بزيادة 20 سهماً عام 1994، وذلك نتيجة لتنشيط تداول أسهم 7 شركات مؤسسة سابقاً، وتأسيس 13 شركة جديدة، منها بنك واحد و3 شركات في كل من قطاع التأمين والخدمات والصناعة والاستثمار، وارتفع عدد مكاتب الوساطة المتخصصة من 3 مكاتب إلى 50 مكتباً.
وفي نهاية عام 2001 بلغت القيمة السوقية للأسهم المكتتب بها 102 مليار درهم بزيادة 17 مليار درهم عن القيمة السوقية في نهاية عام 2000، حيث كان التراجع كبيرا مقارنة بصيف عام 1998 والذي يمثل الذروة في أسعار الأسهم، كما أن التراجع في ذلك العام وصل إلى حوالي 150 مليار درهم وبنسبة حوالي 63.8% عن أسعار صيف 1998. وتتويجا لمراحل عملية التداول بالأوراق المالية في الدولة فقد كان إصدار القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2000 بإنشاء هيئة وسوق الإمارات للأوراق المالية والسلع خطوة هامة بالاتجاه الصحيح نحو تقنين عمليات التدول، وتنظيمها بعيداً عن التداول العشوائي والذي يترتب عليه الكثير من المخاطر وبخاصة فيما يتعلق بصغار المستثمرين والمتعاملين في السوق بالنظر إلى الأحداث التي وقعت عام 1998، وتبع تلك الخطوة تدشين سوق دبي المالي في 26 مارس من عام 2000، وصدور القانون رقم 3 في إمارة أبوظبي الخاص بإنشاء سوق أبوظبي للأوراق المالية، حيث كان لتلك الخطوات التنفيذية أثر كبير في تنظيم عمليات التداول.
طفرة 2005
منذ تأسيس الأسواق عام 2000، ووصولاً إلى مطلع عام 2005، كانت الأسواق تتحرك بشكل أقرب للثبات، حتى بدأت الطفرة التي انتظرها المستثمرون منذ نحو 6 أعوام، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط، ووفرة السيولة المالية في الدولة، والتي دفعت بالبنوك إلى فتح باب الاقراض واسعاً امام المستثمرين، والمشاريع العقارية.
وبدأت الشركات المساهمة العامة باتخاذ منحى صعودي جديد، لتنهي الأسواق عامها بنتائج قياسية لم تعهدها في تاريخها، حيث سجلت سوقا أبوظبي ودبي الماليتين نمواً بنسبة 162.4% في القيمة السوقية التي أغلقت عند المستوى 839.68 مليار درهم، بفارق 519.68 مليار درهم عن القيمة السوقية المسجلة في آخر يوم تداول من عام 2004 والتي بلغت حينها 320 مليا درهم.
ولكن، التصحيح كان محتماً، بعد ظهور بوادره في يوليو 2005، وتمكنه من السوق في نهاية سبتمبر من العام ذاته، ما دفع بالمراقبين في حينه، إلى توقع التصحيح، في ظل ما اعتبروه فورة، سريعة، يجب أن تعالج نفسها بنفسها.
حدث التصحيح بالفعل قبل بدء عام 2006، لتتكبد الأسواق في نهايته خسائر قاربت 330 مليار درهم، او ما يعادل 64% من إجمالي مكاسب السوق في عام 2005، وسط انخفاض شامل سيطر على اتجاهات جميع قطاعات السوق.
وبلغت القيمة السوقية للأسهم بنهاية ديسمبر من عام 2006 510.5 مليار درهم مقابل 839.68 مليار بنهاية ديسمبر 2005، في حين بلغت قيمة التداول التراكمي خلال العام الحالي نحو 418 مليار درهم مقابل 509.8 مليار درهم في عام 2005.
عاد عام 2007 ليستأنف ما بدأته الأسواق في عام 2005، مع انتهاء تأثير التصحيح، حيث طوى عام 2007 صفحاته تاركاً أسواق المال المحلية بثوبها الأخضر في واحدة من أكثر المراحل أهمية في تاريخها، بعد استحضاره لعوامل الانتعاش والتفاؤل والأمل، والتي كان المستثمرون قد فقدوا الأمل بعودتها على غرار تصحيح 2006 القاسي.
وكان على رأس المكاسب المسجلة تعويضاً للخسائر التي تكبدتها الأسواق في عام 2006، حيث ارتفعت القيمة السوقية للأسهم بمقدار 311.571 مليار درهم بعيد بلوغها المستوى 824.629 مليار درهم مقارنة مع 513.058 ملياراً في نهاية 2006، وساهمت في هذا النمو، مجموعة من الإدراجات الرئيسية لعدد من الشركات التي غيرت خريطة التداولات وطبيعة المؤشرات بدخول لاعبين جدد إلى السوق.
واستطاع المؤشر الإماراتي تحقيق نمو بنسبة 49.25%، بالإضافة إلى تداولات بقيمة 554.33 مليار درهم وبنمو نسبته 32% مقارنة مع القيمة المسجلة في عام 2006، وبلغ عدد الشركات التي حققت ارتفاعاً سعرياً 85 شركة تصدرها سهم دبي المالي، وبلغ عدد الشركات المتراجعة 17 شركة كان على أكثرها سهم دبي للتأمين.
دعم المصارف
استفاد القطاع المصرفي في الدولة خلال عام 2009 من التوجيهات الحكيمة للقيادة الرشيدة وقرارات مجلس الوزراء في أكتوبر 2008، والتي قضت بتحويل مبلغ 70 مليار درهم لوزارة المالية، إلحاقاً لتسهيلات بقيمة 50 مليار درهم أعلن عنها مصرف الإمارات المركزي في سبتمبر 2008، كخطوة احترازية لأي خلل محتمل في ميزان السيولة لدى بنوك الدولة، في خطوة جاءت استدراكاً لأية انعكاسات للأزمة المالية العالمية. وبذلك، وضعت حكومة الإمارات 120 مليار درهم رهناً بتصرف المصارف العاملة في الدولة في وقت عانى العالم خلاله “الويلات” جراء الأزمة المالية العالمية التي بدأت رياحها بالهبوب على جميع المحافل الاقتصادية العالمية والناشئة، من انهيارات مصرفية وعمليات دمج قسري، وإفلاس، ما أسهم بتوفير جميع الإمكانيات والضمانات اللازمة لدعم القطاع المصرفي في الدولة، بهدف الحفاظ على معدلات النمو القوية المتحققة للاقتصاد الوطني وحمايته من التقلبات المالية العالمية، إضافة إلى تأكيد قدرة الحكومة الإماراتية على التدخل والاستجابة السريعة لكل ما من شأنه توفير الاستقرار للقطاع المالي والمصرفي في الدولة. ولاقت توجيهات القيادة الرشيدة صدى إيجابياً بين أوساط اقتصادية واستثمارية اعتبروا أن الإجراءات الوقائية واستباق أية مخاطر قد تضر بالاقتصاد الإماراتي “دلالة على قوة الاقتصاد الإماراتي ومدعاة لمواصلة نموه المضطرد”. ولم يتوقف الدعم عند هذه الخطوة، حيث حصلت بنوك أبوظبي خلال الربع الأول من العام الجاري على دعم مالي خاص بقيمة 16 مليار درهم من حكومة أبوظبي.
المصدر: أبوظبي