إن دقائق من حياة الوالدين أحدهما أو كليهما ينفقانها في سبيل التحاور والبقاء مع الأبناء، لهي دقائق ثمينة في حساب العطاء المثمر، وربما تكون تلك الدقائق لا تعني شيئا عند عامة الناس، ولكن قد تعني الكثير عند الأبناء؛ لأن جلسات الحوار بين الأبوين وبين الأبناء لها متعة وسعادة، وقد تكون همّاً وتعاسة إذا لم يتقنا فنون الحوار الناجح، والمطلوب المزيد من المعرفة لعلم الحوار الناجح، ويجب أن يكون حوار فن ومهارة ويتطلب الحكمة والدراية والهدوء. الحياة ليست ممرا مستقيما يسهل الخوض فيه، بل هي متاهة يتعين على الناس البحث داخلها عن طريقهم، وربما يضلوا الطريق وإن كانوا متمسكين بالإيمان فسوف يفتح الله الباب أمامهم، وقد يكون هذا الباب غير ذلك الذي يفكرون فيه، ولكنه بالتأكيد فيه الكثير من الخير، خاصة حين يجرب المرء أن ينصت لأبنائه كي ينصتوا إليه، ولأجل ذلك يتطلب الحوار أن يكون بعيدا عن الخصومة والتعصب للرأي، وربما يكون مباشرا أو غير مباشر. فاطمة سجواني الاختصاصية النفسية في منطقة الشارقة التعليمية، قالت خلال حديثنا معها. إن هناك أزمة كبيرة في البيوت الآن تسمى أزمة فقدان لغة الحوار، و يكاد لا يكون هناك أي حوار بين أفراد الأسرة، وعند سماع حوار بين الوالدين وبين الأبناء يكون عبارة عن أمر ونهي ونقد من قبل الوالدين، وغضب وصوت مرتفع باستمرار من قبل الأبناء، فلا أحد يستمع للآخر، وعند تحليل الحوار يجد المختص أن بعض الآباء يرفضون مبدأ الحوار مع أولادهم بحجة صغر سنهم وقلة وعيهم، ولأن هناك صعوبة في فهم الأطفال لأفكار الكبار، وعدم احترام بعض الأبناء لآبائهم بسبب الصحبة السيئة والتأثيرات السلبية من المجتمع المحيط بهم. الآباء أكثر وعيا وأكثر حاجة إلي التحاور مع أبنائهم لتهذيب سلوكهم وغرس القيم النبيلة فيهم. وإبعادهم عن السلوكيات الخاطئة والأقوال البذيئة، فالواقع يفرض النزول إلي مستوي تفكير الصغار أو المراهق، حتى يضمن المحاور نجاح الحوار وتحقيقه للأهداف المرجوة، والمطلوب احترام مشاعر الأبناء وأفكارهم مهما كانت متواضعة، والانطلاق منها إلي تنميتها وتحسين اتجاه الطفل أو المراهق، ومن المهم تقدير رغباتهم المنطقية وهواياتهم، والحرص علي مشاركتهم في أنشطتهم وأحاديثهم وأفكارهم. جسور الثقة تدعو سجواني إلى بناء جسور الثقة المتبادلة بين الآباء وأبنائهم، بحيث تعتمد علي غرس انطباع إيجابي عندهم، يفضي إلي تعريفهم حجم المحبة والعواطف التي يكنها لها آباؤهم، فلا بد أن يشعر الأبناء بمحبة الوالدين، وسعيهما لمساعدتهم والتضحية من أجلهم، وكي يفتح باب الحوار بشكل طبيعي وصحي من المهم أن يحسن الإصغاء والاستماع لمشكلاتهم، لان ذلك يتيح للأم أو الأب معرفة المعوقات التي تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم من أجل مساعدتهم. وأثناء الحوار لا بد من تذكر أن كل إنسان معرض للخطأ، كي لا يمتنع الأبناء عن نقل مشاكلهم إلي الأهل خوفا من السخرية أو العقاب، وعدم التقليل من قدراتهم وشأنهم أو مقارنتهم بمن هم أفضل منهم في جانب معين، لأن هذا الأسلوب يزرع في نفوسهم الكراهية والبعد ويولد النفور والجفاء. منحهم الأهمية أكدت فاطمة على أهمية منح الصغار والكبار من الأبناء الشعور بأهميتهم، ومنحهم الثقة بأنفسهم من خلال إسناد بعض الأعمال والمسؤوليات لهم، بما يتناسب مع أعمارهم وإمكاناتهم، والاهتمام بالموضوعات والأحاديث التي يحبها الأبناء ويسعون لها، لأن ذلك يجعلهم يشعرون بمشاركة الأهل لهم في كل شيء، كي يعرفوا أن الوالدين يريدان إدخال السرور على نفوسهم و يريدون إسعادهم، مما يجعل الحوار ناجحا أيضا أن لا يتم إغفال المقترحات والأفكار، وتقديرها طالما لا تخل بالأخلاق ولا تتنافى مع التعاليم الدينية. من الضروري تشجيع الأبناء علي الإفصاح عما يجول في خواطرهم من أفكار وتساؤلات مهما كانت صغيرة أو غير مهمة، لأن الأهل أقدر علي تقديم الإجابات السليمة من غيرهم، والابتعاد عن حوار الأوامر، فهو يتميز بأنه قصير ويأتي من المربي بصيغة الأمر أو النهي، أفعل أو لا تفعل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بهدف المحافظة على النظام أو تفادي مرحلة الخطر ويستجيب له الأبناء وربما لا يكون أحدهم مقتنعا بما فعل، أو لا يفهم لماذا ينفذ هذا الفعل أو يمتنع عنه. حوار التوجيه عن حوار التوجيه تقول سجواني: إنه حوار يغلب عليه النصح والإرشاد، وتقديم التوجيهات والإرشادات أو أعطاء تعليمات محددة، ويهدف إلى تحديد مسار العمل أو غرس القواعد الأخلاقية، وهو يركز على القيم والمعايير المجتمعية،. أما حوار التعاطف فهو يدور بين شخصين ويراد منه كسب مودة وعطف الطرف الأخر، و يخاطب الأحاسيس والمشاعر وتغلب علية لغة العطف والحب، وهو من الحوارات المطلوبة وتفتح بابا للحوار. ويرى المراقب لحوار من نوع آخر وهو المحقق أنه قصير، ويبدأ بسؤال أو استفسار من موضوع معين أو موقف محدد، أو أخذ وجهة نظر محددة ويبدأ عادة بكلمة هل وتكون الإجابة أما نعم أو لا، وهو من الأحاديث المقتضبة التي تكون غير مريحة. حوار التجاهل يدور بين شخصين يتجاهل الطرف الأول سماع الطرف الآخر، وبالتالي يفتقد إلى كل قواعد الحوار الناجح، وقد يكون التجاهل مقصود أو غير مقصود، وبالنسبة لحوار النفس فإنه ما بين الإنسان وذاته، أو بين العقل الواعي والعقل اللاواعي يغلب عليه الهدوء والروحانية، وعادة يكون الحكم فيه ضمير الإنسان أو الأنا الأعلى، ولأجل أن يكون الإنسان أو المربي محاورا ناجحا وتفتح الأبواب المغلقة. فتح الأبواب المغلقة أول خطوة في فتح الأبواب المغلقة هي الاستعداد والتهيئة النفسية والجسدية للحوار الناجح، والتدريب على ما سيقوله ويناقشه مع الأبناء، وأهم خطوة أن ينصت ويستمع لأبنائه حتى يفهم ما يريدون، وان يستمع وهو يرغب في فهمهم وأن يستمع بكل حواسه ومشاعره وأفكاره، وعلى ولي الأمر أو المحاور أن يستمع بعينه وجسده وروحه وعقله، وهي مهارات ضرورية تتطلب عدم الاستعجال، وعليه أن يتمهل في الرد حتى يجمع أفكاره، وأن يصيغها بشكل جيد فلا يحدث سوء الفهم في الحديث، وأهم خطوة أن لا يسكن في بيت من المرايا. بيت المرايا تقصد الموجهة فاطمة من بيت المرايا أن الأب أو الأم عندما يبدأ أحدهما الحديث مع الأبناء، عليه أن يتجرد من كل تعصبه لأرائه، فإذا كان يرغب الوصول إلى الحوار الناجح بينه وبين أبنائه، يجب أن يكسر المرايا التي صنعها لنفسه وأن يسلم بخطئه إذا كان مخطئا وأن يدور مع الحق أينما دار وأن يلغي لا في نهاية الحديث، لأن كلمة السر في أي اتفاق هي نعم، فهي كلمة سحرية تنزع سلاح الطرف الآخر وتقلل الفجوة وتوثق الصلة، وتجعل فرص الخير أفضل وتشعر الطرف الآخر أنه على الاتفاق معه لا على الخلاف، ومن هنا ستفتح الأبواب على مصراعيها بين المتحدث وبين أبنائه، مع حمل راية الرفق والحنان.