محمد إبراهيم (الجزائر)
واصل الحراك الشعبي الجزائري تظاهراته أمس للجمعة التاسعة عشر على التوالي للمطالبة بتنفيذ مطالبه التي يصر عليها منذ انطلاقه في 22 فبراير الماضي، وفي مقدمتها تنحي رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي، ومحاسبة الفاسدين منهم.
وتجمع الآلاف في ساحة البريد المركزي، معقل الحراك الشعبي بوسط العاصمة، رغم حرارة الطقس الشديدة وامتدت مظاهراتهم إلى ساحتي موريس أودان والشهداء وشارعي ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي، فيما فرضت الشرطة طوقاً أمنياً حول المكان.
وللأسبوع الثاني على التوالي صادرت الشرطة عدداً من الأعلام الأمازيغية من المتظاهرين، تنفيذاً لأوامر الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان الجزائري الذي حذر في وقت سابق من رفع أي أعلام غير العلم الجزائري في المظاهرات. وكان الفريق قايد صالح قد قال قبل أسبوعين «إن للجزائر علماً واحداً استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثل سيادة الجزائر واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية، فلا مجال للتلاعب بمشاعر الشعب الجزائري»، موضحاً أنه تم إصدار أوامر صارمة وتعليمات لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين السارية المفعول والتصدي لكل من يحاول مرة أخرى المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس.
وواصل المتظاهرون الاحتفال بوضع عدد من كبار المسؤولين السابقين قيد الحبس المؤقت بتهم الفساد المالي، وحملت لافتاتهم أسماء أخرى طالبوا بمحاسبتها، وأقامت قوات الدرك الوطني (تابعة للجيش) حواجز أمنية للتفتيش على مداخل الجزائر العاصمة وعلى الطرق السريعة داخلها للتدقيق في هويات راكبي السيارات مما أدى إلى زحام مروري. وفي تقليد أسبوعي، أوقفت الجزائر العاصمة أمس حركة المواصلات العامة لمترو الأنفاق والترام وقطارات الضواحي والخطوط الطويلة نحو شرق وغرب البلاد. وشهدت عدة ولايات جزائرية أخرى منها قسنطينة وعنابة ووهران وبجاية وباتنة وسطيف وتيزي وزو مظاهرات مماثلة.
وعلى صعيد الملاحقات القضائية لرموز نظام بوتفليقة، أعلنت النيابة العامة بالمحكمة العليا بالجزائر أنها بدأت إجراءات المتابعة القضائية ضد عضوي مجلس الأمة ووزيري التضامن الوطني السابقين جمال ولد عباس وسعيد بركات بعد تنازلهما عن حصانتهما البرلمانية. وقال بيان للنيابة العامة بالمحكمة العليا إنه «تبعا لتنازل كل من النائبين بمجلس الأمة جمال ولد عباس وسعيد بركات عن حصانتهما البرلمانية طوعا، طبقا لأحكام المادة 127 من الدستور، باشرت النيابة العامة لدى المحكمة العليا إجراءات المتابعة القضائية وفقا للأشكال والأوضاع المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية ضد وزيري التضامن الوطني والأسرة سابقا وكذا مجموعة من المتهمين بسبب أفعال يعاقب عليها القانون».
ويواجه ولد عباس وبركات اتهامات بتبديد أموال عامة، وإبرام صفقة مخالفة للتشريع والتنظيم المعمول به، وإساءة استغلال الوظيفة والتزوير، إبان توليهما مناصب وزارية، كما تم تحويل ملف القضية إلى المستشار المحقق لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المتهمين. ويتمتع ولد عباس وبركات بـ«قاعدة امتياز التقاضي» والتي تنص على أن كبار المسؤولين (رؤساء الحكومة والوزراء والولاة الحاليون والسابقون) تقتصر إجراءات محاكمتهم على جرائم ارتكبوها خلال توليهم مناصبهم على المحكمة العليا، بدلا من المحاكم الابتدائية الأخرى.
وعلى صعيد متصل، أعلنت محكمة «سيدي أمحمد» بالجزائر العاصمة عن تقديم 25 شخصا بينهم عدد من المسؤولين السابقين للنيابة من أجل وقائع ذات طابع جزائي في قضية ملزي. وقالت المحكمة في بيان لها إن على رأس المتهمين حميد ملزي المدير السابق لإقامة الساحل المعروفة باسم «إقامة الدولة» (منتجع سكني فاخر يطل على البحر يقيم به كبار المسؤولين بالجزائر العاصمة) و5 أفراد من عائلته في القضية، إضافة إلى 9 قيادات و5 موظفين بإقامة الساحل وشركة الاستثمار الفندقي، ومديرة وكالة بنكية خاصة ومقاولين اثنين وتاجر، بالإضافة إلى 8 أشخاص معنوية 4 منهم شركات خاصة بأبناء حميد ملزي.
وأوضحت المحكمة أن المتهمين وجهت لهم اتهامات بتبييض الأموال وتحويل الممتلكات الناتجة عن عائدات إجرامية لجرائم الفساد، وتبديد أموال عامة وتحريض موظفين عموميين على استغلال نفوذهم، والاستفادة من سلطة وتأثير رجال الدولة والجماعات المحلية، والاستفادة من سلطة الهيئات العمومية أثناء إبرام العقود والصفقات، وإساءة استغلال الوظيفة عمدا بغرض منح منافع غير مستحقة للغير.
يذكر أن قاضي التحقيق أمر بالحبس المؤقت بحق كل من ملزي وأحد أنجاله وأحد أقاربه الحبس، بالإضافة إلى وضع 10 متهمين قيد الرقابة القضائية، بالإضافة إلى إرسال ملف أحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق المتهم في نفس القضية إلى المحكمة العليا باعتبارها جهة الاختصاص لمحاكمته، فيما أفرج عن مديرة الوكالة البنكية الخاصة.
ومنذ استقالة بوتفليقة، تم ملاحقة عدد من رموز نظامه قضائيا أبرزهم شقيقه السعيد بوتفليقة والجنرال محمد مدين الشهير باسم الجنرال توفيق والجنرال عثمان طرطاق المعروف باسم البشير بتهمة التآمر على سلطة الدولة والجيش، إضافة إلى ملاحقة أحمد أويحيى وعبد المالك سلال رئيسي الوزراء السابقين وعدد من الوزراء والولاة وكبار المسؤولين السابقين والحاليين بتهمة الفساد المالي بالاشتراك مع عدد من رجال الأعمال بتهم الفساد المالي، وأودع عدد منهم قيد الحبس المؤقت في سجن «الحراش» بالجزائر العاصمة، فيما وضع آخرون قيد الرقابة القضائية.