مؤخراً أبدت الجهات المختصة في دولة قطر مزيداً من الاهتمام بعملية تطوير التراث، والحفاظ على الإرث الحضاري المحلي، ولم تغب العين عن الحفاظ على صناعة السفن التقليدية، والحيلولة دون اندثارها، وإبرازها كصناعة حضارية، ومنجز ثقافي وصناعي يحسب للصناعة القطرية، وقد تم بالفعل التركيز على الاهتمام بالسفن، وصناعة أعداد كبيرة ومختلفة منها، وتأسيس ورش وأماكن للصناعة يمارس فيها العمل باستمرار، إضافة إلى التركيز الإعلامي على هذا المنتج المهم، الذي يستحضر تاريخ المنطقة، ويبقي شمس أمجاد الزمن التليد مشرقة، وفي الحقيقة لا تزال السفن والمحامل الخشبية الجميلة تزين السواحل القطرية، وتربطنا بالماضي الأصيل، هذه السفن والمراكب التي تعد من التراث القطري الأصيل بأبوابها الخشبية القديمة، يحتضنها بحر الدوحة في لوحة تعكس الجمال الحقيقي الذي كان في الزمن القديم محوراً لحياة الأجداد كانعكاس مهم على حياة الأبناء حالياً، فهي قد كانت وسيلة لكسب الرزق من خلال رحلات الصيد والبحث عن اللؤلؤ.. إقرار مساعدات مالية للبحارين يقول محمد العلي، مدير مشروع صناعة السفن الخشبية عن هذا التوجه، بأنه جاء في سياق الحيلولة دون اندثار هذه الصناعة والحرفة والإرث الحضاري، في وقت لم تعد هناك حاجة للسفن التقليدية، فقد أصبحت هناك السفن البخارية أو التي تعمل على الماكينات الحديثة، مؤكداً أنَّ الدولة تدخلت للمحافظة على الموروث المحلي والخليجي، ومشيراً إلى أن العمل جار لدعم الصناع والبحارة في شتى السبل، لكي تبقى هذه الصناعة والأنشطة البحرية وتعود إليها الحياة. ويضيف قائلا ً: «لقد تم إقرار مساعدة مالية لملاك السفن الخشبية الخاصة، تقدر قيمتها بـ 10 آلاف ريال سنوياً لسفن التنزه، و15 ألف ريال لسفن الصيد، وللسفن الخشبية التقليدية. وقد تم إنشاء مرافق لصيانة السفن في عدد من المدن الساحلية الكبرى، لاستقبال السفن واحتوائها، وأصبحت الآن جاهزة، وتوجد حركة كبيرة، وتفاعل مع هذا التوجه، وقد لاقت المشاريع المتعلقة بهذا المجال استحسان الناس». ويتابع القول: «نحن، كورشة وحيدة في الدولة، نحاول المحافظة على الهوية القطرية بمواصفات قطرية، ولدينا وثائق لصناعة كل من سفن (السنبوك والشوعي والجلبوت ) وهي أنواع للسفن التي تتميز بها الصناعة القطرية عن غيرها من دول الخليج الأخرى، ونحاول أن ننمي لدى المستثمرين الرغبة في صناعة السفن الخشبية، ونساعدهم بقدر الإمكان من خلال مدهم بالمعلومات حول كيفية الحصول على الأخشاب، إلى جانب مساعدة الشباب القطري ودعمه والوقوف معه ليحافظ على هذا التراث». تزايد الإقبال على الشراء يشير العلي إلى أن المكتب الهندسي الخاص في قطر يحاول أن يعيد دور الخشب بدلاً من الفيبر جلاس في صناعة السفن، حيث إن صناعة السفن التقليدية تبتعد كلياً عن أي مواد ضارة بالبيئة، من خلال استخدام زيت السمك والألياف القطنية الطبيعية والمسامير لتثبيت الألواح الخشبية، كما تمت صناعة سفن خشبية للرياضات البحرية، حيث جرى جلب جميع الأخشاب المستعملة في الصناعة من الهند، وتعتبر الأغلى سعراً ذلك أنها تعمر لمئات السنين. ويوضح أن الورش تتولى مهمة صناعة الموروث الذي مازال على نفس الصيغة السابقة، إلى جانب مساعدة المجتمع القطري المعتمد على السفن الخشبية من خلال المرافق الموجودة في مدينتي الخور والوكرة، خاصة في ما يتعلق بعمل صيانة السفن، وهناك اهتمام من قبل القطاع الخاص لشراء السفن وتشغيلها في القطاع السياحي والتجاري، كذلك فالعمل جار أيضاً لإنشاء ورش جديدة لاستيعاب الطلبات المتزايدة. عمر المهنة يصل لآلاف السنين بدوره يقول محمد البوعينين، وهو أحد ملاك السفن والمهمتين بصناعتها: «في الحقيقة أن الاهتمام بصناعة السفن أمر مهم، حيث أن الدعم مطلوب لكي يبقى الصيادون والبحارون مهتمون بها، ولا يتركون هذه المهن التي تعتبر جزءا من تاريخ المنطقة وموروثها، ومكتسباتها الحضارية التي تباهي بها الدول والشعوب الأخرى. ولقد أعجبت بإحياء الصناعة من جديد، مع العلم أن العمل في الورش الحالية يتم وفق التصاميم القديمة التقليدية المعروفة، حيث لم تدخل الحداثة إلى صناعة السفن، ولا يتم عمل التصاميم عن طريق الكمبيوتر، ولا يجري استخدام الأجهزة الحديثة في عملية التصنيع، وهذا أمر إيجابي، فمهارات الصناعة لدى الصناع متوافرة، والعمل اليدوي هو الأصل والأفضل». ويشدد محمد على أهمية هذه الصناعة لما لها من دلالات معنوية في حياة الأبناء عما كانت عليه حياة من قبلهم، وهي تعد مفخرة وإنجازا لأبناء الخليج منذ آلاف السنين، مشيراً إلى أن الشكل الحالي للسفن لم يأت محض صدفة أو وليد اللحظة، بل جاء من خلال عمل وتطوير للصناعة التي تعتبر من المهن اليدوية الشائعة منذ القدم. ويقول أحد الصناع: «أقوم بالإشراف على الفنيين في الورش لكي تتم الصناعة والعمل بالطريقة القديمة، بحيث نخطط لهم وهم يسيرون على الأوراق المكتوبة لهم، ويكتسبون مهارات الحرفة مع الأيام، وقد صممنا عدة مراكب كبيرة للصيد وأخرى للغوص يصل وزنها إلى عشرات الأطنان، ونسير في مشروع تطوير الصناعة، كما أننا نعمل على تطوير بعض السفن القديمة وتجديدها وصيانة السفن أيضا، وأقصد السفن التراثية التي يصل عمرها إلى مئات السنين، وقد أهملت وتركت دون أن تستعمل أو تجدد». من أنواع السفن التراثية: البقارة: المقدمة هنا منحنية لأعلى ومدببة ودقيقة في نهايتها، حادة وطويلة ومزودة بدفة ذات رأس واضحة (عجلة القيادة) تدار ببكرة الحبل المتصل بالدفة. البوم يتميز بتشابه مقدمته مع مؤخرته المدببتين، وهو من السفن الكبيرة التي يتراوح وزنها بين 74-400 طن، وطولها بين 50-120 قدما ويتشابه البوم الذي يصنع اليوم مع مثيله للأمس، في ما عدا بعض التعديلات التي أدخلت لتواكب العصر، وهي تتصل باضافة تسمى محلياً الساطورة، وتتكون من لوح مستقيم مرتفع ومقوس في نهاية المصبوغة باللون الأسود من أعلى مع دائرة بيضاء أسفلها، وللبوم صاريان أو ثلاثة (دقل)، وهو يستخدم أساساً لأعمال النقل والتجارة، كما يستخدم للسفر. الجالبوت يصل طولها عادة إلى حوالي 50 قدماً، وكانت تستخدم أساساً في أغراض الغوص على اللؤلؤ، ويتميز الجالبوت بمقدمته العمودية المستقيمة، مؤخرته المستعرضة غير المزودة بميل (والميل يصنع من خشب الساج القوي لتثبيت الدفة)، كما يتميز بالدقل الأحادي المثبت في المقدمة. البتيل من أولى السفن التي صاحبت عملية الغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي، وتمتاز بسرعتها، وبمقدمتها المقوسة للإمام والمنتهية برأس بيضاوي كبير، أما المؤخرة فهي عالية تنتهي بزخرفة تشبه رأس الحصان بارزة تجاه مقدمة السفينة، هناك دقل أو اثنان في المقدمة، وتعتبر البتيل من السفن ذات السعة الصغيرة والمحدودة. الشوعي نوع شائع، في الاستخدام حتى وقتنا هذا لصيد الأسماك والتجارة، ويتميز بمقدمته المستقيمة، وبمؤخرته المستعرضة المثبتة بتارات خلفية مربعة لتثبيت الدفة. السمبوك يتميز بخطوط انسيابية واضحة في تصميمه وبمقدمته المستقيمة والمقوسة قليلاً، ومؤخرته المربعة الشكل، قاع السمبوك منبسط نسبياً ليلائم الاستخدام في المياه الضحلة، ويعطي هذا التصميم قدرة عالية على الانزلاق سريعاً فوق سطح الماء مما يزيد من سرعته عند أقل ضربات بالمجاديف. البغلة كانت من أكبر السفن وأكثرها استعمالاً في منطقة الخليج كسفينة ترتاد المحيطات لجميع الأغراض، وذلك حتى منتصف القرن العشرين، تتميز بمؤخرة مزودة بخمس نوافذ على كل جانب، ومقدمة مقوسة فمنها تشبه الرأس المثبت على صاري لربط الحبال وتسمى (البوسة). وكانت البغلة من السفن الكبيرة التقليدية التي يصل طولها إلى حوالي 135 قدماً ومثل جميع السفن التقليدية قديماً كانت تسير بالأشرعة. القلص (الجلص) قارب خشبي صغير يجمع في مواصفاته بين السمبوك والشوعي والجلبوت الصغير من حيث شكل المقدمة والمؤخرة، ويجر عادة خلف السفن الأكبر، وكان يستخدم اساساً لنقل صغار تجار اللؤلؤ أي الطواويش بين سفن الغوص، ويطلق على هذا القارب أحياناً اسم (هوري الطواش).