«النووي الإماراتي» غير قابل للتحول إلى أغراض عسكرية
يخلو البرنامج النووي الإماراتي السلمي من مرحلة التخصيب، وكذلك مرحلة إعادة معالجة الوقود المستهلك في المفاعلات النووية، مما يجعله غير قابل للتحول إلى الأغراض العسكرية، بحسب السفير حمد علي الكعبي المندوب الدائم للإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الممثل الخاص لوزارة الخارجية في شؤون التعاون النووي الدولي.
وقال الكعبي خلال محاضرة ألقاها أمس الأول في المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، بعنوان مشروع دولة الإمارات للطاقة النووية السلمية “إن نسبة التخصيب المعتمدة في المفاعلات النووية الإماراتية تتراوح بين 3 إلى 4%، ولا تتجاوز 5%”، وذلك تأكيدا على التزام الدولة بأعلى معايير السلامة والأمن ومعايير حظر الانتشار النووي.
يشار إلى أن ارتفاع نسبة التخصيب في المفاعلات النووية يجعلها قابلة للاستخدام في صناعة الأسلحة النووية المحظورة عالميا، وبنسبة تصل إلى نحو 90%.
وٍأكد الكعبي أن النموذج الإماراتي قائم على أساس الالتزام الكامل بجميع التعهدات والمعاهدات التي تحظر انتشار الأسلحة النووية اضافة الى تخلي الدولة طواعية عن فكرة تطوير أو إنشاء أو تشغيل أية منشآت لإعادة معالجة الوقود المستهلك أو تخصيب اليورانيوم ضمن حدودها.
وتماشياً مع هذا النهج، فإن دولة الإمارات تدعم أيضاً جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية والجهود الدولية الأخرى لتطوير شبكة متعددة الأطراف لضمان توريد الوقود النووي، بما في ذلك إنشاء بنك الوقود الدولي، ما من شأنه أن يوفر التأمين ضد انقطاع إمدادات الوقود النووي للدول.
وتعهدت حكومة الإمارات بمبلغ 36.7 مليون درهم (10 ملايين دولار) لإنشاء بنك الوقود الدولي تحت إطار الوكالة الدولية، كدعم لهذا الالتزام، بحسب الكعبي.
وكان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله شهد إلى جانب فخامة الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك توقيع عقد بقيمة 75 مليار درهم مع ائتلاف (كونسورتيوم) من شركات كورية لتنفيذ الإنشاءات والعمليات المشتركة والصيانة لأربع محطات للطاقة النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
دورة الوقود النووي
أوضح الكعبي أن دورة الوقود النووي تنقسم إلى عدة مراحل تبدأ بالتنقيب وتمر بعملية التخصيب إلى صنع الوقود النووي، وتحميله في المفاعل النووي، ومن ثم يتم التعامل مع الوقود المستهلك إما بإعادة المعالجة أو التخزين.
وأشار إلى أنه من منظور حظر الانتشار، ألغت الإمارات مرحلتين من هذه الدورة يمكن أن تعتبر “تكنولوجيا حساسة” لإمكانية تحويل المفاعل النووي إلى استخدامات غير سلمية، وهي التخصيب، وإعادة معالجة الوقود المستهلك.
وأشار الكعبي إلى أن أحد نواتج عملية إعادة معالجة الوقود المستهلك البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه بعد مراحل أخرى في صنع أسلحة نووية.
وقال “بطبيعة الحال كان هذا القرار مبني على مبادئ سياسة الدولة، والأخذ بالاعتبارات الأخرى السياسية والتجارية”، مشيرا إلى الالتزام بأعلى معايير السلامة النووية والأمن النووي كما هو الحال بالالتزام بالشفافية والتزامات حظر الانتشار.
ترجمة الالتزامات
وأضاف أنه تمت ترجمة هذه الالتزامات في إطار تطوير البنية المؤسسية والتشريعات والقوانين المتعلقة في عام 2009، حيث تم إصدار القانون الاتحادي للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والذي بدوره انشأ هيئة اتحادية مستقلة للرقابة النووية تضمن أن الاستفادة من الطاقة النووية في الإمارات سيكون وفقاً لأعلى معايير السلامة النووية والأمن النووي، ووفقا لتوجهات السياسة العامة للدولة.
وأضاف أن التشريعات الخاصة بإنشاء مفاعلات نووية سلمية لإنتاج الكهرباء والتي سيبدأ أولها بحلول العام 2017 ، تتضمن إنشاء صندوق للتعامل مع الوقود المستخدم في تشغيل المفاعلات.
وأشار إلى أن الإمارات تجري حاليا عددا من الدراسات والأبحاث للوقوف على أفضل الطرق للتخلص من الوقود المستخدم في المفاعلات النووية.
وقال في تصريحات لـ”الاتحاد” عقب المحاضرة إن الإمارات ستعتمد على السوق العالمية في توريد الوقود اللازم لتشغيل المفاعلات النووية السلمية لإنتاج الكهرباء، مشيرا إلى أن الدولة أعدت نهجا شاملا يهدف إلى شرح استراتيجية تنفيذ البرنامج النووي السلمي لإنتاج الكهرباء، كما تقدم نموذجا للدول الراغبة في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية.
وكان النهج الشامل لدولة الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع الطاقة النووية قد تم عرضه بالتفصيل في السياسة العامة للدولة خلال عملية تقييم إمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية في الدولة وتم إصدار هذه السياسة في أبريل 2008.
أكد الكعبي أن المفاعل النووي الإماراتي يحظى بأعلى معايير السلامة والأمان حيث كرست الدولة اهتمامها في هذا الجانب وفضلت اختيار الجيل الثالث من المفاعلات النووية نظرا لتمتعها بأعلى معايير السلامة.
ووضعت الإمارات اشتراطات كثيرة لضمان الأمان في المفاعلات. وقد اشترطت الدولة أن يتم بناؤها وتشغيلها لفترة بشكل سليم خارج الدولة قبل أن تشرع الشركة في بنائها داخل الدولة، إضافة الى إنشاء الهيئة الاتحادية للرقابة النووية بشكل مستقل تماما حتى تؤدي دورها الكامل في ضمان السلامة والأمان في تشغيل المفاعلات.
وتناول الكعبي كيفية تبني الإمارات استراتيجيات آمنة للتخلص من النفايات النووية حيث سيتم إنشاء مخزن جيولوجي في الدولة يمكّن من الاحتفاظ بالنفايات بشكل آمن في أماكن مخصصة تتيح الاحتفاظ الآمن بها لمدة 60 عاما دون وجود أية مخاطر نظرا لصغر حجمها، اضافة الى استراتيجية مستقبلية لإعادة إرسال النفايات بعد فترة طويلة الى الدول المصنعة لإعادة تدويرها والاستفادة منها.
شروط المفاعلات
وذكر أن الوكالة الدولية وضعت 19 شرطا وتوصية يجب تنفيذها لإنشاء المفاعلات، مؤكدا أن الإمارات التزمت بكل تلك المعايير.
ويحظى برنامج الإمارات النووي بدعم دولي لالتزامه بأعلى معايير حظر الانتشار حيث يبدد هذا الالتزام المخاوف المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية.
وأضاف أن المشروع نموذج يعتمد على الخبرات العالمية وأفضل الممارسات في بناء واستخدام أفضل أنواع التكنولوجيا، مؤكدا أن الإمارات تتقدم بنجاح في البرنامج في كل المجالات المتعلقة بالمشروع.
خريطة الطريق
استعرض الكعبي خطة خريطة الطريق للمشروع النووي الإماراتي منذ عام 2006، والذي جاء نتيجة البحث عن حلول لتوفير الطلب على الطاقة الكهربائية في ظل النمو المتواصل والتي قدرت بحلول 2020 بنحو 40 ألف ميجاوات، حيث تم استعراض الخيارات لإنتاج الكهرباء سواء من الفحم أو الغاز أو النفط والطاقة الشمسية والرياح وتم إقصاء تلك الخيارات بسبب الأضرار البيئية لبعضها وارتفاع تكاليف البعض الآخر. واستقرت الإمارات على خيار توليد الكهرباء باستخدام الوقود النووي ضمن برنامج سلمي للطاقة النووية مع التزامات تشمل الشفافية التامة في مجال تشغيل المحطات النووية، وتبني أعلى معايير السلامة والأمن وحظر الانتشار النووي .
كما تناول الكعبي دوره في إجراء تقييم تطوير المشروع النووي، حيث عمل كمتحدث رئيسي في الشؤون المرتبطة بالطاقة النووية وحظر الانتشار بين حكومة الإمارات والمنظمات والحكومات الدولية، بما فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس التعاون الخليجي وفرنسا واليابان وجمهورية كوريا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
يذكر أن الكعبي حاصل على تكوين علمي وعملي كمهندس نووي، وحائز شهادتي الإجازة والماجستير من جامعة بردو بولاية إنديانا الأميركية، حيث ركز بحثه الجامعي على السلامة النووية.
يشار إلى أن مؤسسة الإمارات للطاقة النووية أعلنت في أبريل الماضي أنها تقدمت بطلبي ترخيص لاستخراج إذن البدء في الأعمال الأولية للموقع الذي اختارته المؤسسة لإنشاء أولى محطات الطاقة النووية بالدولة، إضافة إلى التقييم البيئي.
ويقع الموقع الذي تفضله المؤسسة في منطقة براكة بالمنطقة الغربية بإمارة أبوظبي على الخليج العربي على بعد نحو 53 كيلومتراً جنوب غرب مدينة الرويس.
وأكدت المؤسسة أن القرار النهائي بشأن الموقع المناسب لإنشاء المحطات يرجع إلى الهيئة الاتحادية للرقابة النووية بالدولة والتي ستقرر ضمن عملية الترخيص الشاملة التي تتولى مسؤوليتها مدى ملاءمة الموقع لإنشاء محطات الطاقة النووية .
توفير الكهرباء أبرز التحديات
وقال الكعبي “لا شك في أن أحد أكبر التحديات التي ستواجه دولة الإمارات والكثير من دول المنطقة في السنوات المقبلة هو الطلب المتزايد على الطاقة لدعم النمو الاجتماعى والاقتصادي المتوقع”.
وبحسب دراسة مفصلة، من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء حتى عام 2020 إلى ثلاثة أمثاله تقريباً، ليصل إلى نحو 41000 ميجاوات مقارنة بعام 2007.
ومن ناحية أخرى، تعتبر الموارد العالمية من اليورانيوم (الوقود النووي) في حالة جيدة، وتوقعات التوسع في الطاقة النووية مستمرة بدفع إضافي لعمليات التنقيب عن اليورانيوم، حتى أصبحت اليوم تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة النووية تنافسية مع مصادر الكهرباء الأخرى.
كما شهد العقدان الماضيان تحسناً كبيراً في موثوقية المحطات النووية وسجل السلامة والأمان، وفقا للكعبي.
الشفافية التشغيلية
وإدراكا للظروف الخاصة التي تحيط تنفيذ برنامج الطاقة النووية المحلية، وضعت الحكومة مجموعة من المبادئ لتوضيح نواياها السلمية تتضمن “الالتزام بالشفافية التشغيلية في البرنامج والالتزام بأعلى معايير حظر الانتشار النووي والالتزام بأعلى معايير السلامة والأمن والتعاون المباشر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
كما تلتزم الدولة بالشراكة مع الحكومات والشركات من الدول المسؤولة ذات الخبرة في قطاع الطاقة النووية، والالتزام بوضع برنامج يضمن الاستدامة والنجاح على المدى الطويل.
وأفاد الكعبي بأن حكومة دولة الإمارات بذلت جهدا شاملاً لتحديد أفضل الممارسات الدولية في ميادين الخبرة التشغيلية والسلامة والأمن، وحظر الانتشار والعلاقات الدولية.
وأشار إلى أن شهر مارس عام 2008 شهد إتمام مراجعة وثيقة السياسة العامة والتي أقرها مجلس الوزراء، وصدرت في أبريل 2008.
كما تم إنشاء اللجنة الاستشارية الدولية لبرنامج الإمارات والالتزام بأعلى معايير حظر الانتشار، مؤكدا أن هذا الالتزام يذهب إلى مرحلة أعمق من الالتزامات السياسية المنبثقة من معاهدة عدم الانتشار واتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة، ولكن يتجاوز ذلك ليشمل الالتزام بالتخلي عن التخصيب وإعادة المعالجة، ودعم التكنولوجيات المقاومة للانتشار النووي في المحطات النووية في المستقبل.
تعزيز القدرة التفتيشية
كما شمل التوقيع صكوكا اضافية لتحقيق هذا الهدف، تمثل بالتوقيع على البروتوكول الإضافي، والذي يعزز من القدرة التفتيشية للوكالة الدولية للتأكد من عدم تحويل أي مواد نووية لأغراض غير سلمية.
وحول الناحية الفنية للمشروع، أوضح الكعبي أن الإمارات تؤمن بأن اختيار مفاعلات متقدمة من الجيل الثالث من شأنه أن يعزز من سلامة برنامج للطاقة النووية.
كما تتضمن القوانين التشريعية إنشاء آليات لتمويل وإدارة النفايات على المدى الطويل وتمويل اجراءات إخراج المنشآت النووية من الخدمة، هو أمر منصوص عليه في القانون النووي للدولة ويلتزم أي مشغل لمنشأة نووية بهذا الأمر. وتابع “بالنظر إلى نطاق والتحديات والموارد اللازمة لتنفذ البرنامج، أكدت سياسة الدولة على تكريس موارد كافية والبنية التحتية اللازمة لضمان استمرارية التشغيل الآمن والمستمر للطاقة النووية في القطاع، مضيفا أن برنامج الطاقة النووية يمكن أن يسهم إسهاماً كبيراً في النمو الاقتصادي للدولة الإمارات ولسد الاحتياجات الأساسية لعقود من الزمان.
المصدر: أبوظبي