سيارات “الشيوعية” والحنين إلى الماضي في أوروبا الشرقية
كانت محركاتها التي تحدث ضوضاء ونظام التعليق بها الذي يجعل الركاب يهتزون بشدة بداخلها وتصميماتها القديمة هي السائدة يوما في الشوارع وراء الستار الحديدي. لكن السيارة “ترابانت” ونظيراتها الشيوعية أصبحت الآن سيارات نادرة لهواة جمع الأشياء القديمة. فقد أصبحت “لادا” السوفيتية و”سكودا” التشيكية ذات المحرك الخلفي و”داتشا” الرومانية و”فيات” البولندية أو السيارة “ترابانت” الألمانية الشرقية - أكثرها شهرة على الإطلاق - عملة نادرة.
ويقول جابور موتشان رئيس نادي “ترابانت” في المجر “توقف الإنتاج بمجرد انهيار السور (سور برلين)، ذلك يعني أن أحدث هذه السيارات عمرها 20 عاماً وهي سن كبيرة حتى بالنسبة لموديل غربي كفاءته عالية”. وأضاف “لم يعد هناك مستخدمون حقيقيون. هواة جمع الأشياء يتخطفون السيارات المحدودة القابلة للاستخدام مقابل مبالغ مذهلة. سمعت توا أن سيارة ترابانت بحالتها الأصلية بيعت مقابل 1.5 مليون فورينت (8340 دولاراً)”. وبيعت آخر نسخ من السيارة “ترابانت” الجديدة عام 1991 مقابل 100 ألف فورينت. وأوضج موتشان أنه حتى أعضاء ناديه يمتلكون عدداً محدوداً من السيارات التي تعود للعهد الشيوعي، والتي يمكن أن تكون تكلفة صيانتها السنوية أكبر من سعر الشراء.
وهناك الكثير من المحترفين في مجال السيارات القديمة بالبلدان الشيوعية السابقة، وتكثر الأحاديث عنها بين المتحمسين لها حتى على الرغم من أن أغلبها لا تتعدى قوته 70 حصاناً كما أن أعطالها كثيرة وليس بها كماليات تذكر.
ويقول جينو بوروس معد كتاب نشر مؤخرًا عن سيارات شرق أوروبا القديمة “تلك السيارات لم تكن سيئة... كانت مهيئة لتناسب الظروف المحلية”. وباستثناءات محدودة كانت تلك السيارات نسخاً رخيصة لماركات غربية مثل “فيات” و”فورد” و”رينو”. وكانت السيارة “فيات” تتمتع بشعبية خاصة. ويوضح بوروس “كانت السيارات الأفضل والسيارات الأسوأ والسيارات الأكثر مبيعاً كلها سيارات فيات... كانت (الزستافا) المصنوعة في يوغوسلافيا سيارة فيات 128 معدلة.. وربما يكون الموديل الأفضل من كل الجوانب”. لكنه أضاف أن السيارة فيات 125 البولندية كانت الأسوأ على الإطلاق.
وفي عام 1970 أنتج السوفيت السيارة “فيات 124” ذات المحرك الأمامي والدفع الخلفي ليصنعوا بعد ذلك السيارة “لادا” التي كانت الأكثر انتشاراً في الكتلة الشرقية. وظل إنتاج “اللادا” مستمراً لعقود. ويقول بوروس “كانت اللادا قوية بما يكفي لتحمل الطرق والطقس في روسيا”. وبما أن الابتكار كان محدوداً والمنافسة منعدمة كان يمكن أن يظل إنتاج السيارات مستمراً دون أي تعديلات تذكر لمدة ربما تصل إلى 20 عاماً. ولهذا أطلق بوروس على كتابه اسم “موديلات قديمة”.
وكان الإقبال شديداً على السيارات لأن عددها كان محدوداً للغاية. وفي اقتصاد الكتلة الشرقية كان كل بلد مكلفاً بإنتاج كمية محددة سلفاً من البضائع مما جعل أغلب الأسواق تفتقر إلى العدد الكافي من السيارات. ويقول أجوستون كورمندي كبير المهندسين في هيئة الاستيراد الحكومية البولندية حتى عام 1989 “كان يمكن أن تستوعب السوق المجرية أي عدد من السيارات.. لكن بسبب قيود العملة لم نكن قادرين على استيراد أكثر من نحو 100 ألف سيارة سنوياً”. وأضاف كورمندي أن المجر لم تنتج سيارات ركوب لأنها كانت المكلفة بإنتاج الحافلات والشاحنات في الكتلة الشرقية. ومقابل كل شاحنة أو حافلة كانت تقوم بتصديرها كان بإمكانها المطالبة بالحصول على عدد محدد من سيارات الركوب. وأوضح أن حافلة مجرية “إيكاروس” واحدة كانت تساوي في قيمتها نحو 23 سيارة “لادا”. وأفرزت تلك السوق بعض القواعد الفريدة. على سبيل المثال كان يتعين على المشترين أن يتقدموا بطلب لشراء سيارة وينتطروا أعواماً لتسلمها.
ويتذكر كورمندي قائلاً “طلبت مرة شراء سيارة لادا.. لم أتمتع بمميزات. قالوا لي إني سأحصل على واحدة خلال خمس سنوات. حصلت عليها بعد ثماني سنوات بضعف السعر تقريباً”. ومضى يقول إن هذا النقص ساعد في إنتاج ترابانت أشهر سيارات العهد الشيوعي. بدأ إنتاجها لأول مرة عام 1957 وساعد التصميم الرخيص واعتمادها على التكنولوجيا الأساسية على انتعاش صناعة السيارات في المانيا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. وأضاف أن محرك هذه السيارة كان يتكون من اسطوانتين تعمل كل منهما على شوطين وهو أمر يعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي. وأضاف “كان بسيطا للغاية حتى أن أي ربة منزل كان يمكنها إصلاحه على مائدة المطبخ”.
المصدر: بودابست