إبراهيم سليم (أبوظبي)

جاء استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للمواطنة أمل محمد علي المنصوري، بمثابة دفعة أبوية قوية للشابة صاحبة الهمة التي برعت في دبلجة أفلام الكرتون، على الرغم من فقدانها نعمة البصر.
وأثنت المنصوري على مشاعر الأبوة التي غمرها بها سموه، والتي يكنها لأبنائه المواطنين، والرعاية الكريمة التي يحرص سموه، رغم انشغالاته، على أن تشمل الجميع، من أجل توفير الحياة الطيبة والعيش الرغيد والرفاهية والسعادة الدائمة لكل أبناء الوطن.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التقى أمل المنصوري، وأثنى على إرادتها الصلبة وطموحها الكبير، وتجربتها الملهمة في عالم التحدي والإبداع والنجاح.
«الاتحاد» حاورت أمل التي اعتبرت لقاء سموه دافعاً وحافزاً وتشجيعاً لبذل كل غالٍ، من أجل ازدهار الوطن بسواعد وهمة أبنائه.
بداية، قالت أمل المنصوري: «حلقت في السماء، ولم أصدق أنني أصافح (بو خالد) الذي أفاض علي بحنانه وعطفه وتواضعه»، مضيفة أن «حديث سموه الذي حمل كل معاني المحبة والاحترام والسمو لحظة فارقة في حياتي، والآن فقط أستطيع القول إنني قدمت شيئاً لوالدي، ورفعت رأسه أمام الجميع، حيث لم يبخل عليّ ولم يرفض لي طلباً منذ نعومة أظافري».

وتضيف المنصوري التي تقطن مع أسرتها في مدينة السلع بمنطقة الظفرة: «في الإمارات، نشعر بالفخر الكبير بقيادتنا الرشيدة التي تشكل مصدر إلهام لنا لتحقيق النجاح تلو الآخر»، وتبرهن على ذلك بتساؤلها: «كيف يتسنى لمواطنة تقيم بمدينة بعيدة أن يبحث عنها قائد ملهم مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ليثني عليها ويدعمها؟»، وتجيب: «هذا شيء لا يمكن أن تراه إلا إذا كنت من أبناء الإمارات، وهذا ليس بغريب على قادتنا الذين سخّروا كل ما على الأرض لنا لنشعر بالأمان والاطمئنان والراحة والسعادة، وهذه لحظة لن أنساها ما حييت».

خطوة الألف ميل
وتمثل أمل قصة نجاح باهرة، ودليلاً ناصعاً على أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وأن العزيمة ودعم الأهل الحافز الأكبر لقهر «المستحيل»، ليصبح الإنجاز نتيجة حتمية والتفوق منهجاً والمركز الأول الهدف الأسمى. ولدت أمل شخصاً طبيعياً كغيرها من أطفال الفريج، تلهو مع أقرانها، وتبصر أدواتها وتنظر بعين من الاطمئنان لمستقبلها، وبدأت تكبر شيئاً فشيئاً، ويكبر معها الحلم برسم دورها في بناء وطنها، إلا أن حالة صحية ألمت بها، وبدأ بصرها يخفت تدريجياً.
تصف أمل تلك الفترة بالقول: «كنت كغيري من الأطفال أتابع أفلام الكرتون، وتعلقت بقناة (سبيس تون)، وأعجبت بعمليات الدبلجة، وكنت ما زلت صغيرة، وكنت أتمنى أن أتقن مهارات دبلجة أفلام الكرتون لأقدم للأطفال ما هو مفيد وممتع ومسلٍّ».
بعد تلك الفترة، وتحديداً في سن 13 عاماً، فقدت أمل بصرها كاملاً، ولكنها لم تفقد الأمل بحلمها، وأصرت على تجاوز الصعاب وشق طريقها نحو الغد المشرق، في ظل ما توفره دولة الإمارات من دعم كبير لأصحاب الهمم، ليكونوا أناساً فاعلين ومنتجين، ويحملون مع إخوانهم من أبناء الدولة راية الوطن عالية خفاقة.
وتتابع: «تعلمت لغة برايل في سن 17 عاماً، وتحديداً في 2005، وأحدثت معي فارقاً كبيراً في حياتي، واستطعت التغلب على مخاوفي من متابعة حياتي الطبيعية، وفي 2007 التقيت المذيع جابر عبيد خلال زيارته مدرستنا، حيث أطلعته على قصة حياتي التي كانت لا تزال قيد الكتابة، حينها طلب مني نسخة من القصة عند الانتهاء من كتابتها، وفعلاً بعد ذلك تواصل معي وحظي بنسخة، وبعد فترة وجيزة التقينا مجدداً وقدم لي هدية عبارة عن (كرتونة صغيرة)، وطلب مني أن نفتحها معاً، فكانت المفاجأة جهاز (كمبيوتر - لاب توب) متطوراً يفوق ما كنت أتمناه، حيث تحول هذا الجهاز إلى صديق ومرافق دائم لي أفهمه ويفهمني، وأصبحنا نملك لغة تخاطب، ومعه طورت مهاراتي وبدأت أنمّي طموحي».
أمل تملك اليوم مهارة متطورة في دبلجة أفلام الكرتون، ولكن كيف؟ تجيب: «في صيف عام 2009، تعرفت عبر شبكة الإنترنت إلى مجموعة الأصدقاء من مختلف الدول العربية، وكنت الوحيدة غير المبصرة بينهم، وكنت أعتمد على لغة برايل للتواصل معهم، حيث قدموا لي كل الدعم لإنجاز مهمتي وتحقيق طموحي، وساعدوني في تعلم مهارة (الدبلجة) لأفلام الكرتون، من خلال رصد واتباع الانفعالات، إذ كنت متخوفة في البداية، خاصة أن الشخصية التي اخترتها كانت من أفلام يابانية، ولكنني لم أستسلم، وحاولت وتابعت وعملت جاهدة بشكل كبير، وتغلبت على كل التحديات التي واجهتني، وفعلاً في 2013 نجحت في شق طريقي بمساعدة الأصدقاء عبر الإنترنت، ليتم بعدها إنشاء فريق باسم (انجيوس)».

موقف لا أنساه
وتسرد أمل محطات في حياتها وصفتها بالعصيبة، وذلك حينما كانت في «الثانوية العامة» وتعرضت للتنمر، من الزميلات.. و«لكنني لم أكن أستمع لهن ولا أبالي بما يتحدثن عنه، إنما تابعت طريقي ورسمت بشغفي للتعلم، وبدأت أبحث عن كل مسار يوصلني لطموحي، حيث حظيت بدعم من الأصدقاء عبر الإنترنت، وكذلك من الفنان مروان فرحات من قناة (سبيس تون)، إذ تابعت وسرت للأمام بكل ثقة، واستطعت التغلب على التحديات وأصبحت أقوى من الأول».
وتقول: «إن نقطة التحول الرئيسة حدثت في 2018، عندما علمت عن مفاجأة أعدها أحد الأصدقاء مع الفنان مروان فرحات، وعبارة عن دبلجة مقطع لي حول الألم والمعاناة بصوته والمقطع (إننا محكومون بالأمل.. أيتها الصغيرة لا داعي للحزن)، وكان مقطعاً بصوت الفنان مروان فرحات، وكنت سعيدة أن يشاركني في مقطع مدته 5 دقائق».

رواية «أمنية صياد»
وتتابع: «في عام 2019، أصبحت الحياة أجمل وكبر الطموح، وحدثت أشياء جميلة معي، ووجدت دعماً من جميع المحيطين بي سواء من الأصدقاء عبر الإنترنت، أو الأهل، وكتبت رواية (أمنية صياد)، وأهداني الفنان طارق الغربي طرقان (شارة)، وقدمني بمقولة «بنتي الغالية أمل المنصوري أو بنتنا من الإمارات»، حيث كان حلم حياتي تأليف رواية وتسجيلها بأصوات الأطفال، خاصة أصوات فناني (سبيس تون)، وتحقق الحلم، حيث بشارة البداية لطارق طرقان التي كانت نقطة انطلاق حقيقية، وجدت حينها كل الدعم والرعاية لتحقيق المستحيل».
وتضيف: «في مارس الماضي، التقيت الإعلامي جاسم الشحيمي الذي شجعني على الظهور الإعلامي، وفعلاً في أبريل الماضي قررت الظهور الإعلامي، ولكن لم يخطر ببالي مطلقاً أن يكون صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد شاهدني، حيث قدمت من خلال مقطع فيديو خاطرة من القلب إلى القلب لسموه، ولم أتوقع أن يلفت المقطع اهتمام سموه، حيث أيقظتني والدتي لتزف لي مفاجأة لم أكن أتصور أن تحدث، وهي أن (صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان سيقابلني)، وتضيف: «عندها اختلطت المشاعر عندي، وبدأت أتحضر لأهم لقاء في حياتي، وعندما تحقق وأمسك سموه يدي، كدت أطير من الفرح، حيث شجعني وحفزني، وقال لي: «أنا فخور بك وبإنجازاتك».
وتؤكد أمل، أن لقاءها مع سموه حقق حلم والدها، ورفع رأس العائلة عالياً، وأنها طالت السماء، وأن سقف حلمها ارتفع أكثر بتحفيز وتشجيع سموه لها؛ لأن رسالتها عبر أفلام الكرتون تتعدى التسلية إلى التوعية والتثقيف.
وتقول: «حققت جزءاً من أحلام أبي، وسعيدة جداً بأن قدمت لوالدي ولأسرتي شيئاً جميلاً، وأن أفلام الكرتون ليست مجرد تسلية للأطفال، بل تحمل الكثير من القيم والرسائل الإنسانية للكبار والصغار على حد سواء، وأقول شكراً لكل من دعمني وللفنان مروان فرحات الداعم الأكبر لي في مجال العمل والدعم النفسي»، وتشير إلى أن لديها مشروع دبلجة «أنمي» يتكون من 24 حلقة جاهز للتنفيذ.

محمد المنصوري: ولي عهد أبوظبي سند لأبنائنا
يقول محمد علي المنصوري والد أمل: «إن ما صنعه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ليس مستغرباً عن سموه، وقادتنا مهما قلنا فيهم لا نوفيهم حقهم، فهم غرس زايد الخير الذي يثمر في كل مكان، وسموه أبوابه مفتوحة لنا ولغيرنا، وجميل صنعه يشهد به القاصي والداني، ونسأل الله العلي القدير أن يحفظه لنا ولا يقطعه عنا، ويجعله ذخراً لأبنائه، والداعم والسند لهم ولكل المتميزين من أبناء الوطن».
ويضيف: «إن سموه أب لكل المواطنين، ولقاءه فينا وتكريم أمل شيء متوقع من سموه، لأنه دائماً يهتم بأبنائه وبناته، من شعب الإمارات، وليس غريباً أن يلتقي بأبنائه، وهذا نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وندعو الله أن يحفظ شيوخنا وشعب الإمارات، وأن تبقى راية الإمارات مرفوعة دائماً في ظل قيادتنا الرشيدة».
ويتابع: «أمل بنت الإمارات، وهي لم تجهدني بل شجعتني على السير خلفها وأمامها، ودعمها بكل ما أوتيت ورفعت رأسي وأفتخر بها، وهي لديها التصميم والإرادة والقدرة على مواجهة التحديات والصعوبات، وكنت سعيداً وأنا أراها تتقدم وتتطور وتنمي قدراتها، وتتابع كل جديد، وأن هذا التكريم حافز لها ولغيرها من أبناء الإمارات الباحثين عن التميز والتطوير».

إلى أبي محمد بن زايد
وجهت أمل كلمة إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تقول فيها: «أبي الغالي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.. لقاؤك لي كان حلماً وتحقق بفضل دعمك ورعايتك الكبيرة لنا.. ما زلت أرغب في الجلوس معك أكثر والحديث أكثر.. ولن أنسى تلك اللحظات ما حييت.. شكراً لك على كل شيء فعلته من أجلي ومن أجل أبنائك أبناء الوطن.. أتمنى أن يتكرر لقائي مع سموكم، فأنتم الحنان والتواضع والمحبة التي تغمرنا جميع.. شكراً بوخالد».

.. إلى والدي
لكل قصة بداية، ولكل بداية حافز، ولكل حافز هناك محرك وداعم وموجّه للنجاح، فمن أين كانت أمل تستمد قوتها؟ تجيب: الداعم الكبير لي والدي، فمنذ نشأتي حظيت بدعم غير محدود منه، إذ لم يرفض لي أي طلب، وساعدني في اكتشاف العالم من حولي.. فكل الشكر لأبي الذي يرعى أسرتنا، المكونة من 10 إخوة (4 أولاد و6 بنات)، وأقول له عبر «الاتحاد»: (أبي الغالي.. شكراً لك لأنك لم ترفض لي طلباً في حياتي وتعاملني مثل الأميرات.. لا أستطيع التعبير لك عن مدى الحب الذي أشعر به تجاهك.. أنت قدوتي الأولى في هذه الحياة).

محطات:
- تعد أمل أكبر أشقائها
- تلقت تعليمها في مركز السلع لأصحاب الهمم
- نهلت العلم في مدارس السلع
- حصلت على «الثانوية» بمجموع 80.7%
- مختصة في مجال الدبلجة لأفلام الأطفال
- حصلت على المركز الأول في مسابقة أبوظبي تقرأ 2015
- حصلت على المركز الثالث في مسابقة أجمل رسالة حب إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في عام 2008.