«العفو» يستر العيوب ويصفح عن الذنوب حتى يزول اليأس من القلوب
القاهرة (الاتحاد) - «العفوّ» سبحانه هو الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها يعفو عن المسيء كرما وإحسانا، ويفتح واسع رحمته فضلاً وإنعاماً، حتى يزول اليأس من القلوب.
فليس أحد من خلق الله إلا وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته، كما هو محتاج إلى فضله ورحمته والعفو فيه الكثير من الرحمة والقدرة والعظمة وشرع الله تعالى لنا التوبة كي يرحمنا ويشملنا بعفوه ومنه وكرمه فالعفو من القدير قمة العظمة والعفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس.
والعفوّ من أسماء الله الحسنى سمى به نفسه سبحانه وورد الاسم في القرآن الكريم على سبيل الإطلاق في خمس آيات، في قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيدكم إن الله كان عفوا غفورا)، «النساء: 43»، وقوله: (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا)، «النساء: 99»، وقوله: (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا)، «النساء: 149»، وقوله عز وجل: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور)، «الحج: 60»، وقوله تعالى: (.. وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور)، «المجادلة: 3».
وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عائشة أنها قالت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو ؟ قال: «تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
الغفران
وقال القرطبي العفو عفو الله عز وجل عن خلقه وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه فالعفو محو الذنب.
وقال ابن جرير في جامع البيان إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده، وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به.
وقال الزجاج في «تفسير الأسماء» إن الله تعالى عفو عن الذنوب، تارك العقوبة عليها.
وقال الحليمي العفوُّ، معناه الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثارهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم مما فعلوا، فيكفر عنهم ما فعلوا بما تركوا، أو بشفاعة من يشفع لهم، أو يجعل ذلك كرامة لذي حرمة لهم به، وجزاء له بعمله.
قال السعدي العفوّ، الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، وإلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)، «طه: 82».
ويقول الغزالي العفوّ هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو قريب من الغفور ولكنه أبلغ منه، فإن الغفران ينبيء عن الستر والعفو ينبيء عن المحو والمحو أبلغ من الستر.
أعظم من المغفرة
عن ابن عمر قال لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح «اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي».
ومن كمال عفوه سبحانه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع، غفر له جميع جرمه، كما قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)، «الزمر: 53».
والفرق بين اسم الله العفو واسمه الغفور أن العفو أشمل وأعظم من المغفرة فالغفور يستر الذنب بمعنى أن الذنب موجود ويلوم ويعاقب عليه ويمكن ألا يكون راضيا عن عبده لكن في النهاية يغفر والعفو أن يمحو الذنوب وكأن العبد لم يفعلها يعنى عندما يأتي يوم القيامة ويقرأ صحيفته يجد الذنوب قد محيت ولا يوجد لها أثر وحتى لا يوجد أي تأنيب ولا معاتبة من الله عز وجل.
إن «العفوّ» قادر على العقاب لكن يعفو لأنه يحب العفو.